الدعاء على الكفرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



هل يجوز تعميم الدعاء على الكفرة أجمعين مثل اللهم عليك بالنصارى واليهود والكفرة ومن عاونهم... وغيرها

أم أن الدعاء يكون على المعتدين فقط.

مع ذكر الدليل إن أمكن



الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

فإن الدعاء على الكافرين بالتعميم جائز ٌ، فيدعى عليهم بالهلاك إذا كان مصلحةً، فإن رُجيَ هدايتهم دُعي لهم بالهداية. وقد جاءت السنة بهذا وهذا، فبوَّبَ البخاري فـي كتاب الدعوات من ((صحيحه)): باب الدعاء على المشركين. وباب الدعاء للمشركين، وفي كتاب الاستسقاء نحوه. بيان الدليل على مشروعية الدعاء على الكافرين بالهلاك على وجه التعميم استنبط الحافظ ابن حجر فـي ((الفتح)) 7/384: الدعاء على المشركين بالتعيم من قصة خبيب بن عدي - رضي الله عنه -، حيث دعا فقال: ((اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً)) وهي دعوةٌ فـي زمن الوحي ولم تُنكر، والعبرة بعموم لفظها لا بخصوص سببها. وقولـه - صلى الله عليه وسلم -: ((قاتل الله اليهود... )) الحديث. يحتمل أن يكون إخباراً، ويحتمل أن يكون دعاءً. قال القاضي ـ كما فـي المرقاة للقاري ـ 6/19: قاتل الله اليهود أي: عاداهم. وقيل: قتلهم. فأخرج فـي صورة المغالبة. وفي ((الصحيحين)) عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). وجاء لعن كفرة بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم. ومما جاء عن السلف فـي ذلك ما رواه ابن أبي شيبة فـي ((المصنف)) 10/443 عن أبي معاوية عن الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: سمعته يقول فـي قنوته: ((اللهم عذِّب كفرة أهل الكتاب، اللهم اجعل قلوبهم قلوب نساءٍ, كوافر))، وما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يخرج عن هذا المعنى. فالدعاء عليهم من أجل الكفر. وفي قول الله - تعالى -: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديار* إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفاراً) [نوح: 26-27] نصُّ على أن هذه الدعوة من شرع نوح، ولذا استجابها الله، ولو كانت خطيئة أو تعدّياً لبيَّن الله - تعالى- ذلك ولم يُقرَّهُ على الخطأ، كما هو الحال فـي معاتبة الله له لَما دعا لولده فقال - تعالى -(فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ إني أعظك أن تكون من الجاهلين)[هو: 46]، وقد حرَّر الحافظ ابن حجر فـي ((الفتح)) 11/434 أنَّ نوحاً يعتذر يوم الموقف بأمرين: الأول: أنه استنفد الدعوة التي له، إذ كل نبي له دعوة مستجابة، ولذا قال: إنه كانت لي دعوة، دعوتها على قومي. الثاني: دعاؤه لابنه، وهذه هي الخطيئة التي أشار إليها فـي حديث أنس (. وقد قرَّر علماء الإسلام أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - أُعطي مثل دعوة نوح - عليه السلام -، ولكنه لم يستنفدها، بل ادخرها للأمة فـي الآخرة. قال الإمام الفقيه أبو محمد عبدالله بن حامد فـي كتابه ((دلائل النبوة)): ذِكرُ ما أُوتي نوح - عليه السلام - من الفضائل، وبيان ما أُوتي محمد - صلى الله عليه وسلم - مما يضاهي فضائله ويزيد عليها. قالوا: إنَّ قوم نوح لما بلغوا من أذيّته والاستخفاف به وترك الإيمان بما جاءهم به من عند ا لله دعـــا عليهم فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً)[نوح: 26] فاستجاب الله دعوته، وغرَّق قومه، حتى لم يسلم شيء من الحيوانات والدواب إلا من ركب السفينة، فكان ذلك فضيلة أوتيها، إذ أُجيبت دعوته، وشفي صدره بإهلاك قومه. قلنا: وقد أوتي محمد - صلى الله عليه وسلم - مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله إليه ملك الجبال، وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه، فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال فـي الدعاء لهم بالهداية. اهـ. قال ابن كثير فـي ((البداية والنهاية)): وهذا حسنٌ. اهـ. قلت: حديث عائشة فـي ((الصحيحين)) وفيه: قال ـ مَلَك الجبال ـ: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)). فهذا يؤيد أن شرعنا موافق لشرع نوح فـي هذه المسألة، وذلك أعلى درجات الاستدلال بشرع من قبلنا، ولو لم يَرِد فـي شرعنا ما يدل على الموافقة، فليس فـي شرعنا ما ينصٌّ على إلغاء دعوة نوح أو خصوصيتها به، فهي حُجَّةٌ فـي أصح أقوال العلماء. ورحم الله ابنَ تيميةº فإنه لما ذكر المسألة على جهة البحث ـ كما في ((الفتاوى)) 8/336 قال: ثم ننظر فـي شرعنا هل نسخه أم لا؟. اهـ. ولعل فيما ذكره ابن حجر من الاستدلال بعموم دعاء خبيب ما يدلٌّك على أن شرعنا لم ينسخ هذه الدعوة. فصلٌ والدعاء عليهم بالقحط وهلاك الأموال ونحوها جائزٌ على جهة التعميم، وليس ذلك خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل له ولمن بعده، فإن كانت مصلحة المسلمين في ذلك فَثَمَّ شرع الله. قال البخاري - رحمه الله -: باب الدعاء على المشركين، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أعنِّي عليهم بسبعٍ, كسبع يوسف.. ))وذكر فيه أحاديث منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قال: سمع الله لمن حمده فـي الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: ((... اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)). وهذا الدعاء ليس منسوخاً بقوله - تعالى -: (ليس لك من الأمر شيء)[آل عمران: 128]º لأن الآية إنما نزلت فـي أُحُد، ولأن الآية إنما نهت عن الدعاء على المعيَّن من الكفار باللعن وهم أحياء وليس الدعاء على مضر من ذلك. قال الحافظ فـي ((الفتح)) 7/366: والصواب أنها نزلت فـي شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أُحُد. والله أعلم. اهـ.

وحرَّر - رحمه الله - أن الآية لا تتناول قصة مضر إسناداً ومتناً. ومما يدل على مشروعية الدعاء عليهم بإهلاك أموالهمº ما جاء فـي دعاء موسى - عليه السلام -، قال - عز وجل - عنه: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) [يونس: 88] معنى اطمس: أَهلِك. قال ابن كثير فـي ((البداية والنهاية)) 2/106: وهذه دعوة غضب لله - تعالى -ولدينه ولبراهينه، فاستجاب الله لها وحقّقها وتقبّلها، كما استجاب لنوح فـي قومه. اهـ.

فهذا شرع موسى - عليه السلام -، وقد جاء فـي شرعنا ما يؤيده، كما فـي دعائه - صلى الله عليه وسلم - على مُضَر، وما كان الله - تعالى - وتقدَّس ليقرَّ موسى - عليه السلام - على هذه الدعوة ويستجب لهº إلا أنها مشروعة. ومما يدل على ذلك ـ أيضاً ـ دعوة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، حيث دعا ربه، كما قال الله - تعالى -: (وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر) [البقرة: 126] فهذا هو الدعاء المشروع، إذ لا يشرع أن يقول مؤمن بالله واليوم الآخر ابتداءً: اللهم ارزق المؤمنين والكافرين، اللهم أَغِث المؤمنين والكافرين، ونحو ذلك، وإن كان يجوز فـي بعض الحالات كأن يطلب الكافر من المسلم أن يدعو الله لـه بالغيث فيجيبه رجاءَ إسلامهº فبان لك أن قول الله: (قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) هو لبيان الأمر الكوني، إذ ليس ذلك إنكاراً على إبراهيم دعوته هذه، ولو كان كذلك لكان المشروع أن يقال فـي الدعاء دوماً: اللهم ارزق المؤمن والكافر، وذلك ما لم يقله أحدٌ فيما أعلم، فقولـه الله - تعالى -: (قال ومن كفر... ) الآية كقولـه - تعالى -: (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) [الإسراء: 20]، وقولـه - تعالى -(وأممٌ سنمتعهم... ) [هود: 48].

فصلٌ قول القائل: إن الدعاء على الكافرين بالهلاك طعن فـي الحكمة الإلهية، إذ قضى الله كوناً أن يبقوا، ودلَّ الدليل على بقائهم إلى آخر الزمانºغير صحيحٍ, لأمور:

الأول: أنَّ هذا احتجاجٌ بالقدر على الشرع، وهو باطلº فالقدر علم الله وكتابته ومشيئته وخلقه، والشرع وظيفة العبد المكلف. وهذا الاحتجاج هو عمدة القائلين بالتقريب بين الأديان فـي زماننا، يقولون: ((ليس من أهداف الإسلام أن يفرض نفسه على الناس فرضاً حتى يكون هو الديانة العالمية الوحيدة، إذ أنَّ كل ذلك محاولة فاشلة، ومقاومة لسنّة الوجود، ومعاندة للإرادة الإلهية)). هذا كلام د. وهبة الزحيلي فـي كتابه ((آثار الحرب)) ص65. ولغيره من دعاة التقريب هذا الاحتجاج، وقد أجاد فـي ردِّه وإبطاله وبيان فساد ما يترتب عليه الدكتور الشيخ أحمد بن عبدالرحمن القاضي فـي كتابه ((دعوة التقريب بين الأديان: دراسة نقدية فـي ضوء العقيدة الإسلامية)) 2/748 وما بعدها.

الثاني: لو كان الدعاء بالتعميم طعناً فـي الحكمة الإلهية لنزَّه الله - تعالى -أنبياءه ورسله من الوقوع فـيه، فنوحٌ - عليه السلام - وهو من أولي العزم كيف يطعن فـي الحكمة الإلهية بالدعاء على الكفار، وغيره يوفق للسلامة؟.. سبحانك هذا بهتان عظيم. وما كان طعناً فـي الحكمة الإلهية الآن فهو طعن فـي الحكمة الإلهية زمن نوح، إذ لا تختلف الشرائع فـي ذلك.

الثالث: احتج القرافي فـي ((الفروق)) 4/281 على أنه لا يجوز الدعاء بــ ((اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم)) بأن الأحاديث جاءت بدخول طائفة من المسلمين النار بذنوبهم، ففي الدعاء تكذيب لتلك الأحاديث... إلخ. فجاء ابن المشاط فـي كتابه ((إدرار الشروق على أنوار الفروق)) 4/283 بردِّ كلام القرافي هنا ردَّاً مبيناً مستقيماً، حيث قال بعد إيراد جميع كلام القرافي: قلت: لقد كلَّف هذا الإنسان نفسه شططاً، وادَّعى دواعي لا دليل عليها ولا حاجة إليها وهماً منه وغلطاً، وما المانع من أن يكلف الله - تعالى- خلقه أن يطلبوا منه المغفرة لذنوب كل واحد من المؤمنين مع أنه قد قضى بأن منهم من لا يغفر له؟! ومن أين تَلزَمُ المنافاة بين طلب المغفرة ووجوب نقيضها؟؟ هذا أمر لا أعرف له وجهاً إلا مجرد التحكٌّم بمحض التوهم.. اهـ.

قلت: رحم الله ابن المشاط، لقد أصاب وأجاد فـي ردِّ الخلط بين الأمر الشرعي والأمر الكوني، بما هو معروف عند أهل السنة والجماعة. فالأمر الكوني لا يُؤخذ منه حكمٌ، فضلاً عن كونه يعارض به الأمر الشرعي ويقضي عليه. ومما يرد كلام القرافي صراحةً قولـه - تعالى -: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)[محمد: 19] أي: ولذنوب المؤمنين والمؤمنات. وحديث: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجُلَّه، سرَّه وعلانيته، أولَه وآخره))، فلو كان كلام القرافي حقاً لما جاز لجميع المؤمنين والمؤمنات أن يدعو بهذا الدعاء، بل بعضهم، وهذا باطل. وقول القائل: إن الدعاء على الكفار بإهلاك أموالهم بالتعميم فيه معارضة لآثار أسماء الله. غير صحيحٍ, لأمور:

الأول: إنَّ آثار أسماء الله تكون فـي الخلق والأمر، فالخلق هو الأمر الكوني، والأمر هو الأمر الشرعي. فالرازق اسم من أسماء الله يتعلق أثره بالخلق فيرزق جميع خلقه، كما يتعلق أثره بالأمر فـي نحو قولـه - تعالى -: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب)[الطلاق: 2-3]. فالخلط بين الآثار المترتبة على الأمر الكوني والأمر الشرعي خطأٌ بيِّن، وقد تقدَّم إبطال ذلك. قال ابن القيِّم - رحمه الله - فـي ((مدارج السالكين)) 1/208: وأنت إذا فرضتَ الحيوان بجملته معدوماً، فمن يرزق الرازقُ - سبحانه -؟. وإذا فرضتَ المعصية والخطيئة منتفية عن العالم، فلمن يَغفِر؟ وعمَّن يعفو؟ وعلى من يتوب ويحلم؟. وإذا فرضتَ الفاقات سُدَّت، والعبيد أغنياء معافون، فأين السؤال والتضرع والابتهـــال، والإجابة، وشهود الفضل والـمِنَّة، والتخصيص بالإنعام والإكرام؟. اهـ. فهذا هو الفهم الصحيح لآثار الأسماء الحسنى، فدع عنك ما سواه.

الثاني: أن فـي ذلك لازماً شنيعاً وهو استجهال من هو من أولي العزم من الرسل. فموسى - عليه الصلاة والسلام - دعا بقطع أرزاقهم، فهل أنكر بذلك آثار اسم الله - تعالى -الرزاق؟ ومحمد - صلى الله عليه وسلم - دعا بقطع أرزاقهم، فهل يقال فيه ذلـــك. سبحانك هذا بهتان عظيم!.

الثالث: ما تقدم فـي دعاء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -. هذا ما تيسر فـي هذه المسألة على جهة الاختصار. وعليه: فنحن اليوم ندعو على اليهود والنصارى فنقول: ((اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تُبقي منهم أحداً، اللهم اشدُد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)).وهذا الدعاء هو المناسب لأحوال الأمة الإسلامية مع هؤلاء الأرجاس، وأما الدعاء بهدايتهم فـي هذه الظروف فلا أراه.

والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

رد

-

بوخليفة

10:37:11 2021-04-22

هذا تعدي في الدعاء ، والإستشهاد بقصة خبيب لا يصح لأنه خارج محل النزاع ، فهو دعا على فئة معينة ، وهذا الدعاء ليس سنة ولم يعلمه رسول الله ، ولم يستجب الله دعاؤه بإسلام بعض الصحابة الذين حضروا مقتله ، وكل أدعية الرسول على الكفار مرتبطة بعلة ، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم ، العلة موجودة يا ويدخل المسلم كذلك إن ارتبطت به العلة ، فالحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فالدعاء على الكافرون على من تعدى وظلم وليس بالعموم ، بل الدعاء لهم بالهداية أولى كقوله عليه الصلاة والسلام ( اللهم إهدِ دوسا فإنهم لا يعلمون ) وهذا بعد أن طلب منه الطفيل بن عمرو الدعاء عليها بعد أن عصت ، وهناك باب في البخاري باسم ( باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم ) ولا ننسى دعاء الرسول لقومه ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )