كوني في هذا الشهرِ المبارك مركز إشعاع ومشعل هداية


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحبابي الكرام.

حل بساحتنا موسم عظيم، مخصوصٌ بالتشريف والتكريم، أنزل الله فيه كتابه، وفرض صيامَه، شهرُ القيام وتلاوةِ القرآن، زمنُ العتقِ والغفران، موسمُ الصدقاتِ والإحسان، تتوالى فيه الخيرات، وتعًمٌّ البركات \" أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتّح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم \" [رواه النسائي] وحتى تستفيد من هذا الشهر الكريم، فتذكر هذه الخطوات:

أولا: رمضان أشرف الشهور وأزكاها عند الله، جعله - تعالى - ميداناً لعباده يتسابقونَ فيه بأنواعِ الطاعاتِ والقربات، شهر رمضانَ مِنحَةٌ لتزكيةِ النفوس وتنقيتها من الضغائنِ والأحقاد، التي خلخلت العُرى، وأنهكتِ القُوى، ومن استقبل رمضانَ بالآثام وهو عاقّ لوالديه، وقاطعٌ لأرحامه، هاجرٌ لإخوانه، وأقوالُه فيها غيبةٌ ونميمة، فهيهاتَ أن يستفيد من رمضان \" من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه \" [رواه البخاري]

في هذا الشهر يُشمّرُ الجادونَ في طاعة ربهم، أداءٌ للصلوات جماعةٌ في بيوت الله، قيامٌ بالليل مع الإمام، وقراءةٌ للقرآن قراءةً مرتلةً خاشعةً بتدبر، صدقةٌ بالمال ولو بالقليل، على أهل الحاجة من الأقارب والجيران، تفطيرٌ للصائمين \" من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء \" [رواه الترمذي] اعتكافٌ في بيت من بيوت الله، أداءٌ لمناسك العمرة \" عمرة في رمضان تعدل حجة \" [متفق عليه] إكثار من الذكر والدعاء والاستغفار، ويتأكد ذلك عند الإفطار، فللصائم عند فطره دعوةٌ لا ترد، وفي الثلث الأخير من الليل، ينزِل ربنا ويقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ زيادةٌ في بر الوالدين والقربِ منهم، والتوددِ إليهم، إحسانٌ إلى الزوجة والأولادِ والأهلِ بالتوجيه الرشيد، والكلمةِ الطيبة، والمعاملةِ الحسنة، صلةُ الأرحام، والصدقةُ على المحتاج منهم، تفقدُ الجيران وزيارتُهم، والتعرفُ على أحوالهم، مدٌّ يد العونِ للفقراء والمساكينِ والأراملِ والأيتام، وهذا دأب الصالحين في شهر الخيرات.

ثانيا: إن من أفضل الأعمالِ بعد إصلاح الإنسان لنفسه أن يقومَ بالدعوة إلى الله والاجتهادِ في هدايةِ الناس، وإصلاحِ ما فسد من أخلاقهم وسلوكهم وَمَن أَحسَنُ قَولاً مّمَّن دَعَا إِلَى للَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ لمُسلِمِينَ وميادينُ الدعوةِ رحبة، نصيحةٌ مخلصةً، وكلمةٌ صادقة، وقدوةٌ حسنة، علماً وعملاً، تقوًى وأخلاقاً \" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً \" [رواه مسلم] فاعزِم بصدقٍ, على الارتقاءِ نحوَ درجاتِ الاستقامةِ والهداية، واستقبل رمضانَ بتطهير المال من الحرام، فالمالُ الحرام سبب البلاء في الدنيا ويومَ الجزاء، فلا يستجاب معه الدعاء، ولا تُفتّح له أبواب السماء، فبادر رعاك الله وانظر في نفسك، وابحث في بيتك، وتطهر من كل مال حرام، حتى تقف بين يدي الله بقلب خاشع، فيُسمع لك الدعاء.

ثالثا: وفي رياح الأسحار، ولحظاتِ أنينِ المنيبين يهفو بعضُ المحرومينَ إلى المحرمات، ليَتَّخِذَ رمضان موسماً للعصيان، إطلاقٌ للبصر في المحظورات، وإرخاءٌ للأذنينِ للأغنيات، ومشاهدةٌ للمحموم من الفضائيات، تتبعٌ لعوراتِ المسلمات في الأسواقِ والطرقات، وفيهم أصحابُ الجلسات الفارغة، وأصدقاءُ الزياراتِ القاتلة، لهوٌ ولعبٌ، هزلٌ ومرحٌ، لم يعرفوا للزمانِ قدراً، ولا لرمضانَ شرفاً، جلبوا لأنفسهم الشقاء، وأذاقوا أرواحهم العناء، أما علموا أن لا لذةَ في غير الطاعة، وأنَّ كل متعةٍ, بمحرم تؤدّي إلى حسرةٍ, وندامة \" وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً \"

رابعا: اليأس والقنوطُ سلاحٌ لإبليسَ يمضيه في العاصي حتى يستمر على عصيانه، مهما عمِل العبدُ من المعاصي والفجور، فالإسلام لا يأسَ فيه من رحمة الله، فالتوبة تهدم ما قبلها، والإنابةُ تجُبُ ما سلفها، فمن كان مبتلى بمعصية، فرمضانُ موسم التوبة والإنابة، الشياطينُ مصفّدة والنفس منكسرة، والله - تعالى - ينادي \" قُل يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لاَ تَقنَطُوا مِن رَّحمَةِ للَّهِ إِنَّ للَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ \" يا بن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم: لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة \" [رواه الترمذي]

خامسا: إن من أعظم أسبابِ المغفرة أن العبدَ إذا أذنب ذنباً لم يَرجُ مغفرتَه من غير ربِه، يقول لقمانُ لابنه \" يا بني: عوّد لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعاتٌ لا يردّ فيها سائلاً \" وعلامةُ التوبةِ البكاءُ على ما سلف، والخوفُ من الوقوع في الذنب، وهجرانُ إخوانِ السوء، وملازمةُ الأخيار، في هذا الشهر قوافلُ من التائبين يقصدون عفو الله، فكن أحدهم، فما أجمل أن يكون رمضانُ بدايةً للتوبة والإنابة، فكم فيه من التائبين إلى الله، وكم من المستغفرين من ذنوبهم، النادمين على تفريطهم،

وأخيرا.. أختي المسلمة.. كوني في هذا الشهرِ المبارك مركزَ إشعاع، ومِشعلَ هداية، حارسةً للفضيلة، نابذةً للرذيلة، معتزةً بدينِك، شامخةً بشرفِك، صائنة عفافَك، لا تستمعي إلى سقيمِ الأفكار، وقبيحِ الأقوال الداعيةِ إلى نبذ السترِ والحياء، أو تقليدِ الكافرات والفاجرات، اللاتي نبذن صفاتِ الأنوثة والخجل، واحذري أن تكوني من حبائل الشيطان في هذه الأيام الفاضلة، أو تتّصِفي بالتبرج والسفور، وابتعدي عن قريناتِ السوء، فسكنُ المرأةِ في قرارها، وأبغضُ البقاع إلى الله الأسواق، والله - تعالى - يغار على حرماته، وبطشُه شديد، وإذا رفع سترَه عن أَمَتِه فضحها، فتزيَّني بزينة الدين، وتجملي بجمال الستر، فالعمر قليل، والحشر أمره عسير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply