العلاج كله يكمن في شهر رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله معظِّم شهر رمضان، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ, خير إنسان، وعلى آله وأصحابه البَرَرَة الكرام.

وبعد، فها هي بلاد المسلمين متفرقة وها هم أعداؤهم مكشِّرون عن أنيابهم يستعدون لكيل الضربة تلو الضربة، وها هي الأنظمة الشيوعية تنهار والصليبية تقوى، وها هم الأمريكان يُوسَّع لهم في بلدٍ, عزيز محتَلّ، وها هي مآسي المسلمين وآلامُهم: في الهند وأفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان... وهذا كله على الصعيد الخارجي. أما على الصعيد الداخلي فحدِّث ولا حرج: فأمراضُ المسلمين كثيرة، منها البُعد عن منهج الله - تعالى - والاغترار بمناهج غربية، ومنها الفساد الخُلُقي الذي ساد مختلف القطاعات، ومنها المنكرات المتفشية بين الناس. ودور الإعلام المفسد الذي يربي المجتمع بانسيابية على مبادىء ممجوجة لا يخفى خَطَرُه.

 

فالأمّةُ مريضة جداً، وهي كالجسم المريض الذي تتناوشه الأمراض المتعددة فما من عضو فيه إلاّ وله منه شكوى وفيه علّة. وهذه الأمراض أفقدته المقدرة على المقاومة والمدافعة باستثناء بعض خلايا ما زالت نابضة بالحياة تحاول بكلِّ جهد أن تصرع الأمراض المتكاثرة. وهذا الجسم المريض يحيط به الأعداء من كل جانب ينظرون إليه بطمع وجشع، وينهشونه ويضربونه، وهو لا يفيق إلا على ضرباتهم ولا يقوى على دفع العدوان بل يرى بنظره المتعب ما يجري ولا يجرؤ حتى على قول كلمة توجٌّع أو تفجٌّع!!.

 

وأمام هذا كلِّه، ما العمل، وما هو الحلّ؟.

 

ما هو العلاج الذي يعيد للجسم قوّته وعافيته لِيَحيَى حياته الكريمة؟.

 

أيها المسلمون: العلاج كلّه يكمُنُ في شهر رمضان!.

 

ولماذا رمضان؟...

لأنّ أول ما ينمِّي رمضان في نفوسنا: التقوّى. ذلك أن الصوم عبادة دائمة طوال النهار يستشعر فيها الصائم رقابة الله جلّ جلاله وأنه مطلّع عليه فيحرص على طاعته واجتناب معاصيه. ولا بد لهذه الرقابة من أن تفعل فعلها في النفوس فترتقي بها إلى الإخلاص لله ربّ العالمين وإلى الصدق في القول والعمل فينعكس هذا إخلاصاً وصدقاً مع الناس.

 

ولأنَّ رمضان شهر القرآن ـ المنهج والطريق ـ حتى إن الله عرّف شهر رمضان بالقرآن قبل أن يعرّفه بالصيام فقال - تعالى -: {شهرُ رمضان الذي أَنزل فيه القرآن... فمن شهد منكُمُ الشهرَ فَليَصُمه} وكم نحن بحاجة إلى كتاب الله: نتدبّرُهُ ونقرؤه وننهلُ منه ونجعلُه منهاجاً لحياتنا ودستوراً لبلادنا، وصدق الله - تعالى -: {ونُنَزِّلُ من القرآن ما هو شفاء...}.

 

ولأنّ رمضان شهر العمل. نعم، وقد يظن بعض الناس أن تَعَبَ النهار بالصيام يتطلَّب راحة وتخفيفاً من العبادة في الليل، ولكن الأمر عكسُ ذلك تماماً، فإن النصوص التي حثَّت على العبادات في رمضان ليلاً كثيرة (التراويح ـ قيام الليل ـ السحور). ذلك أن رمضان شهر العمل لا الكسل، وشهر العبادة لا الغفلة، وشهر التعبئة الروحية للعام كله.

 

وكم نحن بحاجة إلى هذا المعنى من معاني رمضان!

 

ولأنّ رمضان شهر الوحدة حيث نتخلى عن أنانيّاتنا ونسمو إلى التفكير الجماعي. فالمسلمون جميعاً يصومون في زمن واحد ويُفطرون في زمن واحد ويرتقون بعباداتهم في زمن واحد أيضاً. ومن مدِّعمات الوحدة والأخوّة ما شُرع في رمضان من الزيادة في الإنفاق ومراعاة التكافل المادي والاجتماعي. فقد كان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أجودَ ما يكون في رمضان، وشُرعت لنا زكاة الفطر للتعبير عن ذلك. وما الصوم إلاّ شعور بأحاسيس الجياع لنحنُوَ على آلامهم ونبادرَ إلى معونتهم والله في عَون العبد ما كان العبد في عون أخيه. فلنأخذ بذلك حتى تغمرنا جميعاً معونة الله - تعالى -. وحينئذٍ, ما بالُنا بأمّةٍ, مُعانة من الله - تعالى -؟!.

 

ولأن رمضان يربِّي على الصبر والتغلٌّب على الشهوات والنزوات ليكون لحياتنا غاية أسمى من الطعام والشراب. وكم يحتاج المريض إلى الصبر ليتغلّب على الأمراض ويصارع الأوجاع! والصبر يساوي في المعادلة الإسلامية النصر كما قال - صلى الله عليه وسلم -: \"واعلم أن النصر مع الصبر\".

 

ولأن رمضان شهر القوة والجهاد: فالأمة التي تعوّدت على الصبر وتعوّدت على البذل والتضحية هي أمة مجاهدة لا ترضى بالذّل والهوان. فإن الأمة التي تنهزم في ميادين الطعام والشراب لعدّة ساعات هي أمة مهزومة في ميادين الكفاح وصراع البقاء. ألا نرى أن بعضاً من جُند طالوت انخذلوا بسبب شربة ماءٍ, شربوها؟! من هنا ندرك سرّ انتصارات الإسلام التاريخية الكثيرة في رمضان (بدر ـ فتح مكة ـ صَفد ـ عين جالوت...).

 

وهكذا... وهكذا... ففي رمضان ذلك كلٌّه.

 

بالله عليكم ـ أيها المسلمون ـ أليس هذا هو العلاج؟ ألسنا نشكو من الفسوق، ومن هجران كتاب الله، ومن الخمول والكسل، والتشرذم والخنوع والضعف؟

 

أليس رمضان يحوي على علاج لكل هذه الأمراض؟؟

 

أيها المسلمون: لا تيأسوا، ها هو رمضان قد أتاكم بالعلاج فخذوه لأنفسكم وتزوّدوا من معانيه السامية واخضعوا لعلاجه ولجرعاته النهارية والليليّة، ثم إذا ما آنستم من أنفسكم الصحة والسلامة خلال سنة من العلاج على طريقته فإنّ رمضان المقبل ينتظركم ليمدكم بمزيد من العقاقير والأدوية أو ليفاجئكم بالنصر والتمكين وما ذلك على الله بعزيز:{وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكَم..}.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply