توبة في رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله الذي قرَّب لنا أبواب الخير، وفَتَح باب التوبة لعباده. وأُصلي وأسلم على رسول الله.. وبعد..

فهذه كلمات جمعتها لكل من أراد تغيير حالة وفِعاله ليُرضي خالقه ويَسعَد في دنياه ومآله. أسأل الله أن ينفع بها قارئها والدال عليها. وأستغفر الله من الذنوب ظاهرها وباطنها.

 

توبة في رمضان:

أقبل رمضان، فأقبل على ربك – الذي عصيته – متضرعاً خاشعاً نادماً باكياً.. وقل...

 

يا إله الكون إني راجع.

 

أخي إن لم يُغفر لك، وتذرف عيناك، وينكسر قلبك أمام ربك في هذا الشهر.. فمتى إذن؟

أخي... ألا ذرفت عينك من خشية ربك ولو مرة واحدة؟ ألا تشعر أن قلبك قريب من ربك في هذا الشهر؟ ألا تظن أنها فرصة لك لتزداد قرباً وخشوعاً... وإنابة وخضوعاً؟ وتكون بداية صادقة في الرجوع إلى الله تزداد بها صلة بالله؟ {وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقواهُم}.

 

يا أيها الإنسان:

ها هو الله – سبحانه- يعاتبنا فيقول: {يَا أَيٌّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ}.

نعم أيها الإنسان ما الذي غرَّك بربك حتى تجرَّأت على معصيته وتعديت حدوده؟ أهو تجاهل لنعمته؟! أم نسيان لرقابته وعظمته؟!

أخي.. لا تنظر إلى صغر الخطيئة.. ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

أخي.. لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.

لك بشرى!!

 

ها أنا أقدم لك بشرى من ربك – تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم-. قال – تعالى-: {قُل يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لاَ تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وقال: {وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا (68)يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

 

يا له من فضل عظيم، ويا له من مكسب كبير، يبدل الله جميع سيئاتك حسنات... الله أكبر! إنه لا يفرط في هذا المكسب إلا جاهل أو زاهد في الفضل.

إذن فتب – أخي – إن أردت هذا المكسب العظيم: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ,}. ثم استمع إلى ما قاله حبيبك - صلى الله عليه وسلم- تشجيعاً للتوبة: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده...)).

 

وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله – تعالى-: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بَلَغَت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي)).

 

وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((يقول الله – تعالى-: يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)).

 

الله أكبر.. هل بعد هذا الفضل نتقاعس عن التوبة؟!! هل بعد هذا الجود نسوِّف في التوبة؟! اللهم سبحانك ما أرحمك، سبحانك ما ألطفك، سبحانك ما أجودك.

 

صارح نفسك:

ما الذي يمنعك من التوبة وسلوك طريق الصلاح؟

كأني بك تقول: الأهل والمجتمع والأصدقاء! أخشى أن أتوب ثم أعود! ذنوبي كثيرة فكيف يغفر لي! أخاف على أهلي ومالي!

فأقول: هل تظن أنك تقول ذلك عند ربك يوم تلقاه؟ لا والله.. بل هي عوائق موهومة وحواجز لا يحطمها إلا من خشي ربَّه.

 

فكن ذا عزةٍ, بدينك وعزيمة صادقة على الخير والاستمرار عليه، متوكلاً عليه – سبحانه- ثم تذكر رحمة ربك وسعة مغفرته.

أخي لو أتاك – في هذه اللحظة – ملك الموت فهل ترضى أن تقابل ربَّك على هذه الحال؟

أخي – عفواً – لا تتهرب من نفسك ومحاسبتها، فإن لم تحاسبها الآن فغداً في قبرك تندم، وحينها لا ينفع الندم.

 

الميلاد الجديد:

اعلم أن التوبة ليست فقط مختصة بهذا الشهر، بل فيه و في غيره من الشهور , ولكن ما يدريك فقد يكون ميلادك الجديد في شهر الخير والبركة , وقد يولد الإنسان مرتين: يوم يخرج من ظلمة رحم أمه إلى نور الدنيا , ويوم يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة , فكن هو أنت.

وأوصيك – يا صاحبي – أن تلحق بالأخيار الذين ينفعونك حتى بعدم موتك – بإذن الله – بدعائهم لك.. الحَق بهم وصاحِبهم في ذهابهم وإيابهم، اصبر معهم حتى تلاقي ربك، فحينها يقال لك ولهم: {سَلَامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّارِ}.

 

قصة وموقف:

كان مع الصالحين... ثم تركهم.. بدأ يقصِّر في أمور دينه... وفي يوم من الأيام كان مسافراً للتنزه... وفي الطريق انقلبت السيارة... ثم كان الإنعاش...

ثم... مات.

جاء الخبر المحزن... صلينا عليه... حُمل إلى قبره... وُضع في قبره... فاللبنات... فالتراب... لن يرجع... ذرفت الدموع... حزنت القلوب... حينها جلس أحد الصالحين – أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحد – صديقه الأول... عند قبره مطأطأً رأسه يدعو له.

حينها عرفت مَن ينفع الإنسان من الأصدقاء بعد موته.

أخي.. احذر أن تكون ممن قال الله فيهم: {وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ

سَبِيلًا(27)يَا وَيلَتِى لَيتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا(28)لَقَد أَضَلَّنِي عَن الذِّكرِ بَعدَ إِذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ

لِلإِنسَانِ خَذُولًا}.

 

قبل أن يُغلق الباب:

أخي قبل أن يُغلق الباب حدِّد – الآن ولا تسوف – الطريق الذي تسير عليه ويكون منهجاً لك في الدنيا والآخرة.

ويا لها من سعادة، ويا لها من فرحة يفرح القلب بها ويسعد حينما يرجع إلى ربِّه نادماً ويلحق بركب الصالحين.. ووالله إنها السعادة التي لم يذقها إلا من جربها.

أخي في الله... إن كنت عزمت على التوبة والرجوع... والإنابة والخضوع... فاعلم أن لهذه التوبة شروطاً لا بد من وجودها هي...

 

الندم على ما فات.

الإقلاع عن الذنب.

العزم على عدم الرجوع، فإن عدت إليه فكرر التوبة إلى الله... ولكن ليكن عزمك صادقاً.

أن تكون التوبة قبل الغرغرة وقبل خروج الشمس من مغربها.

 

دعــــاء:

اللهم لك الحمد كله أنت أوجدتني ورزقتني وجعلتني مسلماً.

اللهم سبحانك قد عصيتك بنعمتك، سبحانك خالفتك مع عظمتك.

اللهم إن لم تغفر لي فمن يغفر لي؟ وإن لم ترحمني فمن يرحمني؟

اللهم لا رب لي سواك فأدعوه وأرجوه.

اللهم إني عائد إليك تائباً فبرحمتك ومغفرتك ولطفك لا تردني، واقبلني يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

اللهم مهما عظمت ذنوبي فرحمتك أعظم، ومهما كثرت خطاياي فأنت تغفر الذنوب جميعاً.

اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم ردَّنا إليك رداً جميلاً... برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply