ألا تحبون أن يغفر الله لكم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وبعد:

ننظر إلى أمم الأرض التي أكرمها الله بكتب سماوية ورسل ونقصد المسلمين والنصارى واليهود أما النصارى فهم يعيشون على تلبسهم بخطيئة آدم كما زعموا ـ ويسعون للفكاك من هذا الذنب هكذا حياتهم حياة المذنب المعذب بذنب غيره - كما يعتقدون وإذا أرادوا الخلاص توجهوا إلى رهبانهم وقساوستهم وكبرائهم ليخلصوهم بعد اعترافهم بذنوبهم ففروا من العذاب إلى الشرك بالله - تعالى -وهكذا اليهود الأمة المغضوب عليها المعتدية على رسل الله بل وسب الله - تعالى -مع اتخاذهم الشركاء مع الله - تعالى - وسعيهم للإفساد في الأرض ولهذا جمع الله الطائفتين بعد أن بين سبب كفرهم فقال - تعالى - وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو - سبحانه - عما يشركون (31) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33) ونقف عند هذا الهدى لنرى عجباً، أهو الخلاص من ذنب الغير أم هو التشاؤم وسب الله وقتل رسله؟ والصواب أن هدى الله لا هذا ولا ذاك، لا في مكر وفساد اليهود ولا في ضلال النصارى إنما في شريعة محمد - عليه السلام - في الوسطية والعدالة والخيرية، فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع، ودين الحق هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة. ومن هذا الهدى فتح أبواب الأمل للناس، وجعلهم يعيشون لحظات مع فتح أبواب السماء لمن شاء التوبة والإنابة، وهل تحتاج هذه التوبة إلى وسيط أو كاهن أو راهب أو حبر ليحمل توبتك إلى الله. لا، لا يحتاج ذلك كله لأن الله يقول: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان). فالرسول إنما هو مبلغ وليس بإله يدعي مع الله - تعالى - ولهذا عندما نقرأ القرآن نجد صفحات من المغفرة والرحمة وبعث الأمل بالنفوس يقول - تعالى -: (ألا تحبـون أن يغفر الله لكم) (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) (ويغفر مادون ذلك لمن يشاء). وهكذا كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يفتح هذه الأبواب ويدل عليها ويحفز الناس لدخولها ما قال يوماً لأصحابه والله لا يغفر الله لكم بل وحتى في أحلك المواقف كان يدعو لمن ظلمه وآذاه وجرحه (اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون) (ولكن أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به) هكذا هو - صلى الله عليه وسلم - المبشر بالرحمة والمغفرة لعموم الخلق. ونحن نعيش في هذه الأيام مواسم رحمة من هذا الشهرـ شهر شعبان ـ والذي أخبر الرسول - عليه السلام - بأنه ترفع الأعمال فيه إلى الله - تعالى - فكان يصوم أكثر أيامه رجاء أن يرفع عمله وهو صائم. هكذا علم أصحابه واقتدوا به وبشر أمته بليلة عظيمة في هذا الشهر تدل على سعة رحمة الله بخلقه فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144). الله أكبر، الله يغفر لجميع خلقه، من الذي يحصل هذه المزية؟ من الذي يتطلع إلى هذا الفضل؟ والله لسنا ببعيدين عن الله بل نحن قريب، وهو ربنا يغفر ذنوبنا ويرحمنا ويرفق بنا. وتأمــل (لجميع خلقه) هنيئاً لك أيها المسلم يا من تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله..هنيئاً لك أيها المسلم الذي تقيم أركان الإسلام: فتصلي لربك وتصوم و تزكي وتحج بيته، هنيئاً لك يا من ابتعدت عن هاتين الخصلتين المانعتين من المغفرة..الشرك والشحناء. أما الشرك فهو معلوم بأنه صرف شيء من العبادة لغير الله، مثل الدعاء والمحبة والخوف والرجاء والتوكل و اعتقاد أن هناك من يعلم الغيب غير الله واعتقاد أن هناك من ينفع ويضر غيره - تعالى -، والحلف بغير الله وإتيان السحرة وتعلق القلب بالمخلوقين والتوكل عليهم ورجاؤهم لجلب المنافع وهكذا ساحل كبير من الموانع يدخل في هذه الكلمة، ولهذا يجب على المسلم أن يتعلم التوحيد وما يناقضه حتى لا يحرم من فضل المغفرة في هذه الليلة المباركة. وأما الشحناء ففسرها أكثر أهل العلم بأنها التشاحن والتباغض والتهاجر الذي يحصل بين أهل الإسلام، وهذا يدخل فيه ظلم الأزواج والأولاد وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وإيذاء الجيران وظلم الضعفاء وأكل حقوقهم بل إظهار العداوة والسعي فيها لكل مسلم موحد كل هذا يدخل في عموم التشاحن فانظر إلى من حولك ما علاقتك بأهلك بوالديك بأرحامك بعموم المسلمين هل أنت ممن قال فيهم رسول الله - عليه السلام - (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)؟ هل امتثلت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أم أن أهل الإسلام لم يسلموا من لسانك ولا من يدك، فاتق الله في نفسك ولا تحرم نفسك أجر هذه الليلة فو الله إن الأمر جد يسير فلنتصالح ولنتغافر وليسامح بعضنا بعضاً وليأخذ أحدنا بيد الآخر ليدخل هذه الليلة وقد نقى قلبه من كل عداوة أو شحناء (ألا تحبون أن يغفر الله لكم). وفسر علماء آخرون الشحناء في الحديث بأنها البدعة والوقوع فيها وإظهارها بين المسلمين، قال الأوزاعي: أراد بالمُشاحِن ها هنا صاحبَ البِدعة المُفارق لجَماعة الأُمة (النهاية في غريب الأثر)

وتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب الجمعة وفي كل خطبة يقول (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار... ) هكذا في خطبه كلها كان يحذر من البدع وقد يسأل سائل ما البدعة التي حذر الرسول منها؟ نقول البدعة هي كل قول أو فعل لم يأت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا احد من أصحابه وله تعلق بالدين. فهؤلاء الذين يذكرون الله ويرقصون ويطبلون في المساجد مبتدعون ضالون لأن رسول الله - عليه السلام - لم يفعل ذلك ولا أصحابه يوماً من الأيام. دعاء القبور وسؤال الموتى هو شرك بالله وهو بدعة حيث أنه لم يفعله رسول الله ولا أحد من أصحابه. وهكذا صور من البدع غربة عجيبة يزينها الشيطان لكثير من إخواننا المسلمين ينبغي الحذر منها.

بل هناك بدع خصصت لهذه الليلة منها:

1- الاحتفال بليلة النصف من شعبان بأي شكل من أشكال الاحتفال، سواء بالاجتماع على عبادات، أو إنشاد القصائد والمدائح، أو بالإطعام واعتقاد أن ذلك سنة واردة.

2- صلاة الألفية وتسمى أيضا صلاة البراءة.

3- صلاة أربع عشرة ركعة أو اثنتي عشرة ركعة أو ست ركعات.

4- تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، أو بقراءة بعض السور بعدد مخصوص كسورة الإخلاص أو تخصيصها بدعاء يسمى: دعاء ليلة النصف من شعبان.

5- اعتقاد أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر. وكل هذه بدع ينبغي الحذر منها حتى لا يحرم المسلم من المغفرة في هذه الليلة بسبب تلبسه بهذه البدع. ولنجعل لأنفسنا قاعدة وهي أن ننظر في كل فعل أو قول ونقول هل ثبت عن رسول الله فإذا وجدنا دليلاً من كتاب أو سنة أو عمل صاحب من الصحابة، عملنا به فهو من الدين وإن كان هذا القول أو الفعل لم يرد عن رسول الله ولا عن أصحابه فلنحرص عن البعد عنه ولا نعبد إلا الله - تعالى -. وتأمل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحذر فقال (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أيها الأخوة الكرام هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ليلة رحمة ومغفرة والواجب على المسلم أن يستعد لها قبل أن يحل ضيفاً فيها وذلك بإخلاص التوحيد لله وكذلك المتابعة لرسول الله والبعد عن البدع وتصفية القلب من كل عداوة لأحد من المسلمين. أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يجعلنا من أهل التوحيد وممن يقتدي بخير الأنام وأن يخلصنا من كل غل وحسد وشحناء. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply