خطر الاستهزاء بالدين وأهله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله - تعالى - في السرّ والعلن، يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

أيها المؤمنون، ننقلكم اليوم إلى تبوك لنعيش أجواء غزوتها وما صاحبها من أحداث، حيث نعيش أحد تلك الأحداث التي نزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله والحجارة تنكيه، وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي يقول: ((أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)).

إنها ظاهرة الاستهزاء والسخرية، تلك الظاهرة القديمة الحديثة، التي كانت ـ وما تزال ـ أحد أسلحة أعداء الأنبياء والرسالات، ولقد حذرنا القرآن الكريم من هذه الظاهرة في مواضع عدة بصور وأساليب متنوعة:

فتارة يبين أن ديدن الكفار هو الاستهزاء من المؤمنين، فيقول: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدٌّنيَا وَيَسخَرُونَ مِن الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 112]، ويقول: إِنَّ الَّذِينَ أَجرَمُوا كَانُوا مِن الَّذِينَ آمَنُوا يَضحَكُونَ وَإِذَا مَرٌّوا بِهِم يَتَغَامَزُونَ [المطففين: 29، 30].

وتارة بإخبار المولى - عز وجل - أن أول عمل يقوم به المكذبون للرسول الاستهزاء والسخرية، قال - تعالى -: يَا حَسرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأتِيهِم مِن رَسُولٍ, إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُون [يس: 30]، وقال - تعالى -: قَالَ المَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ, وَإِنَّا لَنَظُنٌّكَ مِن الكَاذِبِينَ [الأعراف: 66].

وتأمل ـ يا رعاك الله ـ شأن زعيم المكذبين فرعون إذ يقول - سبحانه -: وَنَادَى فِرعَونُ فِي قَومِهِ قَالَ يَا قَومِ أَلَيسَ لِي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحتِي أَفَلا تُبصِرُونَ أَم أَنَا خَيرٌ مِن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف: 51، 52]، وقال - تعالى -مخاطبًا نبيه: وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا [الأنبياء: 36].

عباد الله، إن هذه الظاهرة قد أذكاها أعداء الله المعاصرونº جاء في برتوكولات حكماء صهيون: \"وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين غير اليهود في أعين الناسº وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤودًا في طريقنا\".

وذكر الشيخ عبد الرحمن الميداني في كتابه أجنحة المكر الثلاثة أن من وسائل أعداء الإسلام تشويه صورته في نفوس المسلمين بعدة خطط، منها:

- مقابلة بعض أحكام الإسلام وتشريعاته بالاستهزاء والسخرية، ووصف المتمسكين بها بالرجعية والتأخر.

- احتقار علماء الدين الإسلامي وازدراؤهم، ثم تقديم جهلة منحرفين إلى مراكز الصدارة.

وذكر مؤلف كتاب المشايخ والاستعمار أن الأعداء استخدموا جميع الوسائل، وتكاتفت جهود الصليبية واليهودية ومن تبعها للإجهاز على علماء القرآن في قلوب أمة القرآن.

ومن صور الاستهزاء في هذا العصر ما ينشر ويذاع عبر بعض وسائل الإعلام العالمية والصحف من همز ولمز وسخرية بالدين وأهلهº فمن ذلك:

ـ الاستهزاء بشعائر الإسلام الظاهرةº كاللحية وتقصير الثوب والسواك ونحو ذلك.

ـ الصور الكاريكاتيرية العابثة التي تهزأ من الدين وأهله.

ـ المسلسلات التي تظهر رجل الدين بمظهر المغفل الذي لا يفقه شيئًا، حيث جرت العادة في تلك المسلسلات إذا احتيج إلى رجل دين في المسلسل يتم اختياره بمواصفات معينة، بحيث يكون مغفلاً ساذجًا لا يفهم ما يقال وينفذ ما يطلب منه.

عباد الله، بقي أن تعلموا أن الاستهزاء بالدين إذا كان المستهزئ غير جاهل بالحكم ويقصد ذات العبادة فإنه يكون مرتدًا عن الإسلام، دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة.

فمن ذلك قول الله - تعالى -: يَحذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُل استَهزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخرِجٌ مَا تَحذَرُونَ وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ لا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم [التوبة: 64-66]. هل تعلمون ـ يا عباد الله ـ ما الذي قاله المنافقون؟! إن الذي قالوه لا يصل إلى عشر معشار ما يقال عن دعاة الإسلام وعلمائه في بعض وسائل الإعلام المعاصرة، لقد قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء.

قال الجصاص: \"إن الاستهزاء بآيات الله أو بشيء من شرائع دينه كفر من فاعله، يستوي في ذلك الجاد والهازل\"، وقال أبو بكر ابن العربي: \"لا يخلو أن يكون ما قالوه ـ أي: المنافقون ـ جدًا أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة\"، وقال محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: \"السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر، لا فرق بين الجاد والهازل والخائف إلا المكره\"، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: \"من استهزأ ببعض المستحبات كالسواك والقميص الذي لا يتجاوز نصف الساق والقبض في الصلاة ونحوها مما ثبت من السنن فحكمه أنه يبين له مشروعية ذلك وأن السنة دلت على ذلك، فإذا أصر على الاستهزاء بالسنن الثابتة كفر بذلك\"، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: \"وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار والأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من الدين، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم أنه يكون كافرًا مرتدًا عن الإسلام، يجب قتله لقوله: ((من بدل دينه فاقتلوه))\".

عباد الله، إذا ظهر لنا ذلك فحري بكل عاقل حريص على دينه أن يبتعد عن كل سخرية واستهزاء بأهل الخير والصلاح، أو بأي شعيرة من شعائر هذا الدين، وينبغي أن يكون بينه وبين ذلك خطوط حمراء لا يقترب منها.

وإن مما يجب التنبيه عليه بهذه المناسبة ما شاع بين أوساط الشباب من تبادل لطرائف ونكت عبر رسائل الاتصال المحمولة، بعضها يتعلق بالدين وأهله. ألا فليحذر أولئك الشباب من ذلك، ويناصحوا من وقع من أقرانهم في هذه المصيبة لئلا تزل بهم الأقدام، ويقعوا في سخط العظيم العلام.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم وَمَا أَنزَلَ عَلَيكُم مِن الكِتَابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ [البقرة: 231].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply