ماذا تعرف عن الغيرة ؟ (1 - 3)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسيكون الحديث معكم في المقالات القادمة بإذن الله - تعالى -عن موضوع الغيرة فنسأل الله - تعالى -التوفيق والسداد.

 

أولاً: تعريف الغيرة:

بفتح الغين، مصدر غار يغار غَيراً و غَيرة، وهي تغير القلب وهيجان الغضب بسبب خوف صاحبها من مشاركة غيره فيما يعتقد أنه من حقه.

فالغيور يكره مشاركة غيره فيما به الاختصاص، والغيور يخاف من أن يحتل غيره مكانه.

والغيرة إحدى المشاعر الطبيعية عند الإنسان: كالحب والألم والغضب وغيرهاº ولذا فإنها لا تعتبر مرضاً، وليست انحرافاً نفسياً مادامت لم تخرج عن وضعها الطبيعي.

والغيرة صفة موجودة في الرجال والنساء، و ليست قاصرة على النساء فقط.

والغيرة تختلف باختلاف مسبِّبها، ويختلف وصفها بالمدح أو الذم تبعاً لذلك، كما سيأتي.

 

ثانياً: أقسام الغيرة:

تنقسم الغيرة من حيث مسبِّبُها إلى ثلاثة أقسام:

1- غيرة محمودة.

سببها أمر يحبه الله، سواء غار لله أو غار لنفسه، وهذا مثل:

أ- الغيرة إذا انتهكت محارم الله.

فهذا المرء سواء كان رجلاً أو امرأة يغار ويغضب عندما يرى أن حرمات الله انتهكت، فغضبه هذا وتحرك قلبه بالغيرة سببه إيمان هذا الشخص عندما رأى المنكر مثلا، ولا شك أن هذا الفعل منه يحبه الله، ولا شك أيضاً أن هذه الغيرة إنما تكون لله، وهذه الغيرة محمودة، بل هي صفة للمؤمن، ويثاب عليها في الحديث المتفق عليه - واللفظ لمسلم ((إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله)).

و من لا يغار إذا انتهكت محارم الله فليس في قلبه إيمان

ب- الغيرة على العرض:

الرجل يغار على أهله فلا يرضى فيهم الخبث ولا يرضى فيهم الفاحشة، ولا شك أن الفاحشة أمر يبغضه الله، ولذا فإن منعها أمر يحبه الله، فإذن غيرة هذا الرجل يحبها الله لأنها تمنع من الفاحشة، لكن ربما يكون هذا الرجل إنما غار لنفسه و ليس لله، مثل غيرة العرب فقد اشتهرت عنهم الغيرة حتى و هم جاهليون فغيرتهم ليست لله.

 

ومع ذلك نقول إن هذه الغيرة محمودة و لو لم يثب فاعلها. في الحديث الذي رواه النسائي - واللفظ له - وأحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم 2398 ((إن من الغيرة ما يحب الله - عز وجل -، ومنها ما يبغض الله - عز وجل - إلى أن قال: فأما الغيرة التي يحب الله - عز وجل - فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله - عز وجل - فالغيرة في غير ريبة)).

 

2- غيرة مذمومة.

سببها أمر يبغضه الله، وهذه مثل الغيرة الزائدة من الرجل على أهله حتى يصل به الأمر إلى التجسس والاتهام بالخيانة، ونحو ذلك من غير ريبة ولا تصرفات توجب الشك.

3- غيرة لا توصف بمدح و لا ذم.

وهي التي يكون سببها طبيعياً ولا تؤدي إلى أمر يحبه الله ولا إلى أمر يبغضه الله، وهذه كغيرة المرأة على زوجها الغيرة المعتدلة التي لم ينتج عنها آثار ضارة بالغير ولم ترتكب فيها محرماً.

وحديثنا في هذه المقالات لن يتعرض للقسم الأول الذي هو القسم المحمود و إنما سيقتصر على القسمين الآخرين و بالأخص القسم الثاني الذي هو الغيرة المذمومة.

 

ثالثاً: أين يقع الخطأ في الغيرة؟:

الغيرة أمر فطري فطر الناس عليه، و هي تختلف بحسب ما يهيجها، ولكن أين يقع الخطأ في الغيرة، متى نستطيع أن نحكم على الغيرة بأنها خاطئة أو بأنها مذمومة؟

 

نستطيع ذلك إذا توفر واحد من ثلاثة أشياء:

أ- إذا زادت الغيرة عن معدلها الطبيعي

فأصبحت المرأة التي تغار على زوجها كالرقيب عليه، تنكد عليه عيشه، و تكدر صفو حياته، تسأل عن مواعيده، و تفتح رسائله، و تقرأ الرسائل الواصلة إليه في الجوال، تغار عليه من كل شيء من أصدقائه من أخواته من أمه من محارمه بل حتى من بناته.

 

وكذلك الرجل الذي يغار على زوجته غيرة زائدة في غير ريبة فمتى زادت الغيرة عن معدلها الطبيعي أصبحت كابوساً يخنق الرجل و المرأة معاً، أصبحت معول هدم لرباط الحب و المودة بين الزوجين.:

ب- إذا قلت الغيرة عن معدلها الطبيعي

كما أنه من الخطأ في الغيرة أن تزيد على معدلها الطبيعي فكذلك من الخطأ في الغيرة أن تقل عن معدلها الطبيعي، كما نرى من بعض الرجال الذي لا يغار على امرأته، يراها تتبرج و تخرج إلى السوق، تكلم الأجانب من غير حاجة، يرى منها تساهلاً في التستر عن إخوانه فلا يبالي بذلك، بل قد يصل ببعضهم أن يعرف أن ابنته تعاكس شاباً أو يعاكسها شاب ولا يحرك ذلك فيه ساكناً، و لا شك أن الذي لا يغار على أهله و يقر فيهم الفاحشة و لا يأبه لذلك لا شك أن هذا ديوث و قد جاء في الحديث ثلاثة لا يدخلون الجنة ((العاق لوالديه والديوث والرَّجُلة)) أخرجه البزار1875 وحسنه الألباني في الصحيحة برقم 1397.

كذلك بالنسبة للمرأة التي ترى زوجها يعاكس ويغازل ولا يحرك ذلك فيها ساكنا.

ج- إذا كانت الغيرة في غير موضعها:

إذا كانت الغيرة في موضعها و في معدلها الطبيعي فهذه غيرة طبيعية فطرية، لكن عندما تكون الغيرة في غير موضعها، فإن هذا خطأ في الغيرة، الرجل الذي يشك في امرأته من غير سبب غيرته في غير موضعها.

الشاب الذي يغار من زميله لأنه أوسم منه غيرته في غير موضعها، لكن لو غارت الفتاة من زميلتها لأنها أوسم منها فهذه غيرتها في موضعها، و كذلك لو غار الشاب من زميله لأنه أقوى منه فهذا غيرته في موضعها.

ولا يلزم عندما نقول إن هذه الغيرة في موضعها أن هذه غيرة صحيحة فربما تكون الغيرة في موضعها لكنها غيرة مذمومة أو يترتب عليها أمر محظور.

 

رابعاً: من الذي يغار؟

نتصور خطأ أن الغيرة محصورة في المرأة فقط، وهذا غير صحيح فالرجل يغار والشاب يغار و الطفل يغار بل حتى ذكر الحيوان يغار و لنبدأ بذكر أصناف الغيورين:

أولاً: الرجل على زوجته:

الرجل يغار على زوجته، يغار عليها من الرجال الآخرين، لا يريد و لا يرغب في أي تصرف يشعره بأنه ربما زاحمه رجل أخر في حياة امرأته، فتراه يمنعها من التبرج أثناء الخروج إلى السوق و يمنعها من النقاب أثناء الخروج من البيت، و يأمرها بستر جسمها كاملاً و يأمرها بلبس القفازين و الجوارب، ويمنعها من مشاهدة الرجال الأجانب، فيمنعها من مشاهدة التلفاز أو الفيديو أو القناة الفضائية إذا خرج فيها رجل ولا سيما إذا كان هذا الرجل وسيماً أو قد تجمل وتزين قبل خروجه في التلفاز.

 

بل ربما أغلق الجهاز إذا رأى من زوجته حرصاً على مشاهدة هذا الرجل أو ذاك، وعندما يغار الرجل على امرأته من الرجال الآخرين فهذا أمر طبيعي بل مرغوب فيه بل هو دليل على المحبة.

لكن أحياناً تزداد هذه الغيرة عند بعض الرجال فيغار عليها من كل شيء، حتى إن بعضهم يغار على زوجته من ابنه الأكبر الذي هو ابنها أيضا فإذا رآها تمازح ابنها أو تضحك معه أو تخدمه بسرور غار وضاق صدره وتحركت الغيرة في قلبه قد يكتمها ولا يقول شيئاً لأنه لا يعرف ماذا يقول وقد لا يصبر فيتكلم ولا يذكر أنه غار من ابنه بل يلبس هذه الغيرة لباساً آخر فينهى زوجته - أم الابن - عن فعلها ذلك بسبب أن هذا قد يثير شهوة الابن أو أن هذا ربما يدلع الابن أو أحياناً ينهر الأم بحجة أنها اهتمت بالابن أكثر منه وهو في الحقيقة لا يريد هذا وإنما حرّكته الغيرة.

 

كذلك يغار عليها من محارمها فهو لا يريدها أن تضحك مع أخيها أو عمها أو خالها ولا سيما إذا كان يقاربه أو يقاربها في السن.

وأحياناً يزيد الرجل في غيرته و يخرج عن الحد الطبيعي فيوصله ذلك إلى الشك فيها و اتهامها بالخيانة، و لا شك أن هذا مرض له أسبابه.

 

وأكثر من يمثل ذلك صنفان:

الأول: مدمن الكحول حيث يرمي زوجته بالخيانة و يرى أنها تعمل المنكرات مع الرجال الآخرين.

الثاني: من له سابق تجربة في الخيانة، فالشاب الذي كان يعاكس ويغازل وربما يقابل النساء ويمهدن له الطريق في ذلك يبتلى حينما يتزوج بهذه الغيرة غير الطبيعية فإذا سمع جرس الهاتف تحرك قلبه و ظنه معاكساً على موعد مع زوجته.

وإذا أنزل زوجته في مكان كسوق نسائي مثلاً راقبها لأنه يشك أنها ربما خرجت لتركب مع معاكس.

ولو خرجت زوجته ليلاً من غرفتها ولو لقضاء حاجتها فانتبه لذلك ارتبك وهب مسرعاً يبحث عنها و هكذا.

وربما أغرت الغيبة في غير الريبة الطرف المغار عليه بارتكاب المحظور.

((وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)) رواه مسلم.

 

الثاني: الصديق على صديقه:

قد تكون الغيرة أحياناً من الصديق على صديقه أو من الصديقة على صديقتها فإذا رآه يسير مع غيره أو يخرج مع غيره أو يصاحب غيره تضايق و تبرم وضاق صدره.

 

فهو يريد منه أن لا يسير إلا معه ولا يضحك إلا معه ولا يخرج إلا معه ولا يصادق أحداً غيره.

وهذه الغيرة في هذه الحالة دليل على التعلق بهذا الشخص المغار عليه فهي حينئذ من الحب في غير الله.

 

الثالث: الطفل من إخوانه و أخواته:

تبدأ الغيرة عند الطفل من السنة الثانية، و لا سيما مع قدوم مولود جديد، فيبدأ يعبر هذا الطفل الغائر عن غيرته بضرب المولود الجديد و دفعه عن حضن أمه.

 

وربما الاحتجاج على وجوده بينهم كقوله أرجعيه إلى المستشفى إذا كانت ولدته في المستشفى لا نريده، وربما إتلاف حاجاته.

ثم يتطور الأمر إلى إحداث الضجة و الفوضى والجلبة في البيت بغية لفت الأنظار إليه، و ربما عمل على إغاظة من انصرف عنه كنوع من الدفاع عن النفس لكي ينصرف عن المغار منه، و ربما أبدى شيئاً من التسامح مع المولود الجديد أو أظهر شيئاً من الحب له لكن في باطنه أشياء وأشياء، وربما يعبر عن غيرته بالصمت وقد يعود إلى التبول اللا إرادي أو مص الأصبع أوالتأتأة في الكلام كأنه يعيد نفسه إلى الماضي ليقلد هذا الصغير الجديد الذي حاز على الاهتمام، فإن كان الطفل الغائر أكبر من هذا السن فإنه يعبر عن غيرته بالشجار مع الإخوة أو كثرة الاستهزاء و السخرية من الطفل المغار منه،

 

وربما يبدأ بالتجسس على المغار عليه والوشاية به عند الأب أو الأم، إذا رأى هذا الطفل الغائر أن هذه لم تجدِ أو هو لم يفعلها لمنعه منها فإنه ربما لجأ إلى الأساليب الاستعطافية كالتمارض و رفض الأكل، و ربما وصل به الأمر إلى الأمراض الجسمية كالقيء والاضطرابات المعوية والصداع وفقدان الوزن، وربما يصل الأمر به أيضاً إلى الاكتئاب بل أحياناً قد يشعر بالخيبة والخجل والشعور بالظلم، فيلجأ إلى أحلام اليقظة ويجنح إلى الخيال للهروب من الواقع أو ينطوي و ينعزل عن الآخرين.

ولعلنا إن شاء الله نذكر في طرق الوقاية بعض ما ينبغي فعله من قبل الوالدين لتجنيب الطفل هذه الغيرة أو تقليل تأثيرها عليه.

 

الرابع: الغيرة عند المرأة:

إذا ذكرت الغيرة تبادر إلى الذهن المرأة، فالمرأة هي صاحبة الغيرة و فارستها ولعل سبب ذلك عاطفة المرأة حيث تتمتع المرأة بعاطفة جياشة تغطي أحياناً على عقلها، بحيث تتصرف أحياناً تصرفات تمليها عليها عاطفتها ولو لم يؤيدها العقل، هذا من حكمة الله - سبحانه وتعالى-فلو لم تكن كذلك لما تحملت متاعب الحمل والإرضاع و ما بعد الإرضاع، ولما صبرت على أولادها و لا على زوجها عموماً نرجع إلى الغيرة فأقول المرأة تغار سواء كانت زوجة أو أماً أو أختاً، فالأخت تغار من زوجة أخيها وأحياناً تنشب بينهما المشكلات بسبب هذه الغيرة وذلك لأن الأخت تشعر أن الزوجة أخذت أخاها بالكامل وأنه انصرف عنها و عن أخواتها وعن أمها وعن البيت كله بسبب هذه الزوجة، و لذا تجدها أحياناً تتبرع بالنصح لأخيها: إياك أن تسيطر عليك هذه - تقصد زوجته - تريدك لها وحدها، لا تريدك أن تعامل أمك و إخوانك بالأفضل، وأحياناً تتهم زوجة أخيها بتهم باطلة عند أخيها، فتارة تقول زوجتك تتعمد إغاظتنا لأنها تلبس الملابس الفلانية أو لأنها تتحدث بالطريقة الفلانية أو تجلس الجلسة الفلانية، و تارة تتهمها بأنها لا تعمل إذا جاءت إلينا إن كانت في بيت وحدها أو تتهمها بأنها لا تعمل أو تضيع الوقت في غرفتها لئلا تعمل إن كانت معهم في بيت واحد، وأحياناً تستخدم أسلوب السخرية والاستهزاء فتعيرها بالألقاب السيئة تعيرها بسمنها أو بنحافتها أو بقصرها أو بطولها أو بكلامها أو بذوقها ونحو ذلك وأحياناً تعيرها و تتنقصها عند أخيها دون أن تسمع وذلك لكي تسقطها من عينه، وأحياناً تتخذ أسلوب الاستفزاز لأخيها فتبدأ بتعييره أنه تغير منذ تزوج وأن فلان السابق الحبيب مات وأن الزوجة مسيطرة عليه توجهه حيث شاءت و أنه لا يرد لها طلبا و أنه يفضلها على أمه و إخوانه، وأنها أنسته كل شيء و أعمته عن كل شيء و هكذا.

وما يقال عن الأخت يقال عن الأم تماماً و تزيد الأم أحياناً أنها تتعمد إحراج ولدها بوضعها المقارنة بينها و بين زوجته سواء كانت المقارنة اللفظية أو المقارنة الفعلية فهي أحياناً تحب أن تسمع منه أنه يحبها أكثر من زوجته و تتخذ لذلك أساليب متعددة كالاسترحام و الاستعطاف بأن تظهر له باللفظ أنه يحب زوجته أكثر منها و تقول الشكوى إلى الله و هي تريد أن تسمعه ينفي ذلك و تارة باتهامه بتنفيذ طلبات زوجته وعدم تنفيذ طلباتها و هكذا.

 

وأحياناً تتعمد أن تطلب منه طلباً إذا رأت زوجته طلبت هذا الشيء أو طلبت غيره، فمثلاً إذا علمت أن زوجته طلبت منه أن يذهب بها إلى السوق طلبت هي منه كذلك أو طلبت أن يذهب بها إلى مكان آخر فقط لكي تثبت لنفسها و تثبت لزوجة ابنها أن ابنها لا يزال يحبها و أنه يفضلها على زوجته.

 

قد تصل الغيرة أحياناً إلى طلب الأم من ابنها طلاق زوجته دون أن تبدي الأسباب لذلك.

والزوجة تغار على زوجها بل هذه الغيرة هي لب الغيرة عند النساء فالزوجة تغار على زوجها من أمه و أخواته أو محارمه ولا سيما المقاربات لها في السن.

 

فهي أحياناً تغار عليه من أمه إذا رأته يصرح بحبها أو يقبل رأسها أو يقوم بخدمتها، أو يذهب إلى زيارتها يومياً إن كانت في بيت آخر، وتتهمه بأنه يهملها ويهمل حاجاتها بسبب انشغاله بأمه وربما تعمدت أن تطلب منه طلباً إذا رأت أمه طلبت منه ذلك فلو قالت أمه أريد أن تذهب بي إلى زيارة فلانة لقالت وأنا أريد زيارة كذا أو الذهاب بي كذا، و لو لبى طلب أمه لقالت أمك حينما أرادت شيئاً بادرت وأنا منذ كذا و كذا وأنا أطلب و لم تلبي طلبي وهكذا، و تغار عليه من أخواته إن رأته يضاحك إحداهن أو يمازحها أو يوصلها إلى بيتها أو يهديها هدية، و ربما أخرجت غيرتها بقالب النصح وقالت لا ينبغي أن تتصرف هذا التصرف مع فتاة تتصرف معها وكأنها زوجتك ثم تلوم أخته عنده دون أن تسمع و تقول ألا تستحي تفعل معك هكذا، كان ينبغي أن تستحي ولو كنتُ مكانها لما تجرأت أن أضحك مع أخي هكذا.

 

وربما وصل الأمر بها إلى أن تشوه سمعتهن عند أخيهن وتتهمهن بعدم الاستقامة أو بعدم حبهن لأخيهن وعدم احترامهن له وربما استشهدت ببعض الوقائع العفوية لتؤيد كلامها،

وربما اتهمته أحياناً بالميل إليهن وعدم حبها بل أحياناً تغضب عليهن إذا طلبن من أخيهن شيئاً وربما قالت لهن إذا أردتن شيئاً منه اطلبن ذلك مني وأنا أقوم بتوصيله إليه.

وعموماً كل ما قيل في حق الأخت وغيرتها من زوجة أخيها وما قيل في حق الأم وغيرتها من زوجة ابنها يقال أيضاً عن الزوجة وغيرتها من أم زوجها وأخواته.

بل أحياناً تصل الغيرة إلى حد أن الزوجة تغار من بنتها على أبيها ولا سيما إذا كانت كبيرة أو خصها بمزيد حب أو كانت هذه البنت متعلقة بأبيها وتحبه، فتجد الزوجة تغار من بنتها ربما تسكت في البداية،

لكنها لن تصبر وستغار وربما أظهرتها بنهر البنت والإغلاظ لها كأن تقول عيب يا بنت ونحو ذلك ولو جادلها الأب وقال لها كيف تغارين من ابنتك لنفت ذلك وقالت ومن قال لك أني أغار منها وإنما فقط أنا أريد تأديبها،

وربما أحياناً تعبر عن غيرتها بتوجيه العتاب إليه وربما قالت أرى البنت أخذت قلبك، يا ليتني كنت هي ونحو ذلك من الألفاظ.

وربما غارت الزوجة على زوجها من أصدقائه و تضايقت من حبه لهم و كثرة تردده عليهم و حسبت الدقائق عندهم بالساعات و ربما تضايقت من تصرفاته معهم فإذا ضحك مع واحد منهم قالت الله أكبر الضحك لغيرنا ونحن لنا العبوس، فإن تأخر عندهم قالت الله أكبر ساعات الحبيب دقائق ونحن تتضايق من الجلوس معنا، فإن رفض لها طلباً في يوم من الأيام قالت لو كنت واحدا من أصدقائك لنفذت طلبي بسرعة البرق و هكذا.

 

والزوجة تغار على زوجها من النساء الأخريات سواء كن زوجات له أو كن نساء أجنبيات، فإن ذهبت معه إلى السوق فعينها في عينه هل نظر إلى تلك المرأة أو هاتيك هل أعجبته هذه المتبرجة، هل سمع صوت هذه وهي تبايع صاحب المحل، بل أحياناً تدفعها الغيرة إلى إنكار المنكر وبغلظة هي لم تنكر لله وإنما تصرفت بسبب الغيرة ولذا من الطبيعي جداً أن تجدها تلوم المتبرجة حينما ترى أن زوجها ربما ينظر إليها أو ترى أنها أعجبت زوجها فتذهب إليها وبصوت عال وبغلظة تنكر عليها فعلها، ومن هذا القبيل حينما ترى زوجها يشاهد الدش أو الأفلام عبر الفيديو فهي لم تغضب لله وإنما تغضب بسبب غيرتها.

وبسبب الغيرة تتهم الزوجة زوجها بأنه يحب مشاهدة النساء الأخريات حتى وهي تعلم أنه ربما كان من الأتقياء الفضلاء روي أن عمر جاءه جابر بن عبد الله ليشكو إليه أمر زوجته فكان مما قال عمر والله إني لأخرج للحاجة فإذا رجعت قالت إنما خرجت لتنظر فتاة بني فلان - رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/303 حديث رقم13272 ـ و هرم بن حيان حينما رجع من صلاة العيد ((قالت له زوجته كم من غادة جميلة رأيت اليوم فقال لها و الله ما نظرت منذ خرجت إلا في إبهامي)).

 

ولذا فالمرأة الغيور ربما أقلقت زوجها بل ربما كرهها من أجل زيادة غيرتها لأن هذه الغيرة تجعلها تتصرف أحياناً تصرفات لا يرتضيها إذا دخل البيت يرتاح يريد الاستقبال الجيد والوجه البشوش واجهته بالأسئلة أين ذهبت لماذا تأخرت مع من تكلمت، من قابلت.

 

ماذا يريد بك فلان، ما الذي بينكما، حتى إنها ربما تجسست عليه وربما فتشت في أوراقه و اطلعت على رسائله و قرأت رسائل جواله و تعمدت الاستماع إلى مكالماته، بل إذا شكت في ضيف قادم ربما تصنتت عليه تسمع ماذا يقول و هل محور كلامهما عن النساء عن الزواج أم ماذا؟

أما غيرة المرأة من ضرتها أو من ضراتها فهذا محور الغيرة وقطبها فإذا كانت الغيرة عند المرأة هي لب الغيرة فإن غيرة المرأة من ضرتها هي لب غيرة المرأة، و تختلف هذه الغيرة شدة وعكسها باختلاف النساء و باختلاف العوامل المؤثرة في الغيرة.

كما أن النساء يتفاوتن من حيث التعبير عن الغيرة تفاوتاً كبيراً فبينما نجد بعض النساء تعبر عن غيرتها بالبكاء فقط أو بالحزن القلبي أو بالضيق نجد أن هناك من وصل الحد بها إلى قتل الزوج أو قتل الضرة أو محاولة قتلهما أو قتل أحدهما.

وسيأتي إن شاء الله الكلام عن ذلك عند الحديث عن أسباب الغيرة و أيضاً عند الحديث عن التعبير عن الغيرة.

إذن الغيرة تحصل من كثيرين كما ذكرنا و يمكن أن نعمم فنقول إنها تحصل من كل ساعيين لكسب حب شيء واحد و الاستحواذ عليه و الانفراد به.

يتبع بإذن الله تعالى.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply