اللهم أعز الإسلام والمسلمين ( قنوت النوازل )


بسم الله الرحمن الرحيم 

الصراع بين الحق والباطل دائم ما دامت السموات والأرض، والغلبة تكون تارة لأهل الباطل على أهل الحق امتحاناً من الله - تعالى - لعباده المؤمنين، وإملاءً للكافرينº كما حصل من هزيمة المسلمين في غزوة أحد، وجرح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه - رضي الله عنهم -º وفي ذلك يقول الله - عز وجل -: وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (141) {آل عمران: 141} ولكن العاقبة في النهاية تكون لأهل الحق على أهل الباطل كما هو وعد الله - عز وجل - في قوله - سبحانه -: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين 128 {الأعراف: 128}.

 

وفي هذا الصدد كانت الغلبة في كثير من البقاع لغير المسلمين، فساموا المسلمين في تلك الديار سوء العذاب، وأتوا عليهم بالقتل، والتعذيب، والتشريد، وأنواع النكال والعذاب، وقد شرع للمسلمين مع قتال الكافرين وجهادهم في مثل هذه النوازل الدعاء على الكافرين بالهلاك، وللمستضعفين بالنجاة، وهذه مقالة مختصرة في بعض أحكام قنوت النوازل الذي شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل تلك الأزمات.

 

القنوت: يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.

وقنوت النوازل: هو الدعاء في النوازل التي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدو، أو رفعه، أو رفع بلاء، ونحو ذلك.

قال النووي في شرح مسلم: \"والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو، وقحط، ووباء، وعطش، وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات\"(1).

 

أولاً: دليل المشروعية:

عن أنس - رضي الله عنه - قال: \"بعث - صلى الله عليه و سلم - سبعين رجلاً لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم: رعل وذكوان.. فقتلوهم فدعا النبي - صلى الله عليه و سلم - شهراً في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت\" (2) والحديث فيه قصة معروفة.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه و سلم - قنت بعد الركعة في صلاته شهراً: \"اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، الله أشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف\" (3).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: \"إن النبي - صلى الله عليه و سلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع.....الحديث\"(4).

وقنت الصحابة بعد النبي - عليه الصلاة و السلام -، فقد قنت أبو بكر في محاربة الصحابة لمسيلمة، وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنوت عمر، وقنوت علي عند محاربته لمعاوية وأهل الشام.

 

ثانياً: في أي الصلوات يشرع:

ثبت عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قنت في الصلوات الخمس. ففي سنن أبي داود وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: \"قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر في دبر كل صلاة، إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من العرب من بني سليم رعل وذكوان وعُصَيَّة، ويؤمن من خلفه\"(5).

وثبت قنوته في الظهر، والعشاء، والفجر، من حديث أبي هريرة(6).

وثبت قنوته في المغرب، والفجر، من حديث البراء(7) ومن حديث أنس(8).

وأكثر ما قنت في صلاة الفجر، وهذا يدل على التوسعة في مسألة القنوت في الفرائض، وأن الإنسان لو قنت في بعض الفرائض دون بعض، أو فيها كلها، أو في واحدة منها أن ذلك كله سائغ لا تضييق فيه.

قال ابن حبان: \"فإذا كان بعض ما وصفنا موجوداً. قنت المرء في صلاة واحدة، أو الصلوات كلها، أو بعضها دون بعض\"(9).

وقال النووي في شرح مسلم: \"باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة\"(10).

 

ثالثاً: القنوت في صلاة الجمعة:

اختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعة ولا أعلم في السنة أصلاً للقنوت فيها، والجمعة إحدى الصلوات الخمس في يوم الجمعة، فالأمر يحتمل، وقد نقل في الإنصاف عن شيخ الإسلام وجده المجد (ترك القنوت فيها).

وهكذا اختار الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - ونص كلامه: \"يقول العلماء أنه لا يقنت في صلاة الجمعة لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين ويدعي لمن يقنت لهم أثناء الخطبة\" ورجح في الشرح الممتع القنوت في الجمعة(11).

 

رابعاً: لمن يشرع القنوت:

القنوت مشروع لكل مصل كما قال شيخ الإسلام(12)º لكن ينبغي أن يكون منضبطاً فلا يقنت إلا في النوازل التي تنزل بالمسلمين، وينبغي مشاورة أهل العلم وعدم الاختلاف في ذلك.

 

خامساً: موضع القنوت:

الأمر في ذلك واسع فيجوز القنوت قبل الركوع وبعده في الركعة الأخيرة، وقد بوب البخاري باب القنوت قبل الركوع وبعده، لكن القنوت بعد الركوع أكثر في الأحاديث النبوية كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم.

سادساً: صفة القنوت:

يدعو الإمام جهراً وقد نقل الحافظ الاتفاق على ذلك(13)، ويؤمن من خلفه كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وتقدم، ويرفع يديه ويرفع المأمومون أيديهم، وقد صح هذا عن عمر(14).

وبعد الدعاء لا يمسح الإمام وجهه ولا المأمومون وجوههم وهكذا في كل الدعاء، وأحاديث مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ضعاف لا تقوم بها حجة، والأحاديث الصحيحة المتواترة في رفع اليدين ليس فيها مسح الوجه فلا يشرع هذا بل من البدع.

 

سابعاً: صفة الدعاء:

ينبغي أن يدعو بما يناسب النازلة وبما يفي بالمقصود.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:

1 أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.

2 أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً، وثانياً كما دعا عمر وعلي - رضي الله عنهم - لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعاء بدعاء يناسب مقصوده، والذي يبين هذا أنه لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت دائماً، ويدعو بدعاء راتب، لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قنوته مالم يداوم عليه، وليس بسنة راتبه، كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمستضعفين من أصحابه، ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم\"(15).

وقال الحافظ ابن حجر(16) ما نصه: \"لم أقف في شيء من كتب الفقهاء على ما يدعو به في القنوت في النوازل، والذي يظهر أنهم وكلوا ذلك إلى فهم السامع، وأنه يدعو في كل نازلة بما يناسبها\".

 

ثامناً: مسائل مهمة:

1 الصحيح استحباب الدعاء برفع الطاعون وأنه من جملة النوازل، وقد أطال البحث فيه الحافظ ابن حجر في كتابه الماتع بذل الماعون (ص315)، وهذا خلاف المشهور عند الحنابلة.

2 لا ينبغي للإمام إطالة الدعاء والإشقاق على الناس.

3 لا ينبغي للإمام الإتيان بالأدعية المسجوعة المتكلفة.

4 لا ينبغي للمأمومين العجلة بالتأمين قبل استكمال الدعاء، وقد روي أن معاذاً أبا حليمة قال في دعائه: \"اللهم قحط المطر فقالوا: آمين. فلما فرغ قال: قلت: اللهم قحط المطر. فقلتم: آمين. ألا تسمعون ما أقول ثم تؤمنون\"(17)أ.ه.

5 الصلاة على النبي - عليه الصلاة و السلام - مشروعة في القنوت، وقد جاءت في قنوت رمضان فقد كان أبو حليمة معاذ القاري يفعله وهو الذي رتبه عمر إماماً في التراويح إذا غاب أبي بن كعب(18). وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل بسند صحيح عن الزهري: \"كانوا يلعنون الكفرة في رمضان يشير إلى دعاء القنوت ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو للمسلمين\" ومن طريق وهب بن خالد عن أيوب نحوه وسنده صحيح أيضاً. (19).

6 أحكام قنوت النوازل وقنوت الوتر متقاربة إلا ما ثبت الفرق فيه فيشتركان مثلاً في الجهر بالدعاء، ورفع اليدين، والتأمين على الدعاء، ونحو ذلك، وقد عقد البخاري \"باب القنوت قبل الركوع وبعده\"، وذكر حديث أنس في القنوت في الفجر في أبواب الوتر (20).

7 هل اليدان تكونان مضمومتين أو مفرجتين حال الرفع؟ سألت شيخنا ابن باز - رحمه الله - عن ذلك فقال: تكونان مضمومتين، ونص عليه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع.

8 لا بأس من التنصيص على اسم أحد في الدعاء كما تقدم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد فعله أصحاب النبي - عليه الصلاة و السلام - من بعده. وقد عقد ابن أبي شيبه في مصنفه: \"باب في تسمية الرجل في القنوت\"(21)، وقال العراقي في طرح التثريب على فوائد حديث أبي هريرة....(الخامسة) فيه حجة على أبي حنيفة في منعه أن يدعى لمعين أو على معين في الصلاة وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة، وقال أيضاً...(السابعة) فيه جواز الدعاء على الكفار ولعنتهم، وقال صاحب المفهم: \"ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم\".

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية.. قال - تعالى -: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى\" من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون 159 {البقرة: 159}.

لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ومن بعده من الأئمة يلعنون الكفرة في القنوت وغيره، فأما الكافر المعين فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنّا لا ندري بما يختم له، واستدل بعضهم بهذه الآية: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 161 {البقرة: 161}، وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله - عليه الصلاة و السلام - في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله\"(22) قالوا: فعلة المنع من لعنهº بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم(23).

وقد قسم بعض أهل العلم هذه المسألة تقسيماً حسناً فقال:

اللعن بوصف عام مثل: لعنة عامة على الكافرين وعلى الظالمين والكاذبين.

اللعن بوصف أخص منه، مثل: لعن آكل الربا، ولعن الزناة، ولعن السراق والمرتشين. والمرتشي، ونحو ذلك.

لعن الكافر المعين الذي مات على الكفر. مثل فرعون.

لعن كافر معين مات، ولم يظهر من شواهد الحال دخوله في الإسلام فيلعن. وإن توفى المسلم وقال: لعنه الله إن كان مات كافراً، فحسن.

لعن كافر معين حي، لعموم دخوله في لعنة الله على الكافرين ولجواز قتله، وقتاله. ووجوب إعلان البراءة منه.

لعن المسلم العاصي معيناً أو الفاسق بفسقه، والفاجر بفجوره. فهذا اختلف أهل العلم في لعنه على قولين، والأكثر بل حكي الاتفاق عليه على عدم جواز لعنهº لإمكان التوبة، وغيرها من موانع لحوق اللعنة، والوعيد مثل ما يحصل من الاستغفار، والتوبة، وتكاثر الحسنات، وأنواع المكفرات الأخرى للذنوب. وإن ربي لغفور رحيم. أه (24).

قلت: مما يدل على عدم جواز لعن المعين المسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن في الخمر عشرة كما في الحديث الذي في السنن. ولما أتي بمن شرب فلعنه بعض الصحابة نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الكافر الحي المعين فقد منع بعضهم لعنه واحتجوا بقوله - تعالى -: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 161 {البقرة: 161} فلم يذكر لعنه إلا بعد موته(25).

 

تاسعاً: مدة القنوت:

يتبع حال النازلة وشدتها، واستمرارها، وقد قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً لما بلغه قتل أصحابه، فالنازلة قد انتهت لكنها شديدة(26).

 

_________________________

الهوامش:

1 شرح مسلم: (181/5) رقم: (1538).

2 متفق عليه: البخاري (6471)، ومسلم (677).

3 متفق عليه: البخاري (770 و961 و 6030)، ومسلم (675).

4 أخرجه البخاري: (4284).

5 أبو داود (1443)، وابن خزيمة (618).

6 البخاري: (764)، ومسلم (676).

7 رواه مسلم (678).

8 رواه البخاري (1001).

9 صحيح ابن حبان: (324/5).

10 كتاب المساجد ومواضع الصلاة (181/5).

11 انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين: (115/16).

12 (انظر: الإنصاف (136/4) وفتاوى ابن عثيمين(175/14).

13 فتح الباري: (491/2).

14 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (212/2)، وصححه البخاري في جزء رفع اليدين ص: (187).

15 مجموع فتاوى ابن تيمية: (109/23).

16 بذل الماعون في فضل الطاعون (ص334)، وانظر (مجموع فتاوى ابن عثيمين(182/14).

17 من مسائل أبي داود لأحمد.. ط رشيد ص: (69).

18أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي - عليه الصلاة و السلام - بسند صحيح كما قال الحافظ في نتائج الأفكار (156/2) وأبو حليمة اختلفوا في صحبته.

19انتهى من نتائج الأفكار (156/2).

20 البخاري: (340/1)، رقم: (956).

21 مصنف ابن أبي شيبة: (108/2).

22 صحيح البخاري: (6398).

23 تفسير ابن كثير: (202/1).

24(معجم المناهي اللفظية) للشيخ بكر أبو زيد.

25 انظر: تفسير السعدي: (187/1).

26 انظر: فتاوى اللجنة الدائمة: (49/7) ط بلنسية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply