قطيعة الرحم ( 1 - 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مظاهرها وآثارها:

قطيعة الرحم آفة ابتُلي بها نفر من العاملين، وكان لها دور كبير في الإسهام فيما تعاني منه الأمة المسلمة اليوم من الفرقة والقطيعة. وحتى نتطهر من هذه الآفة، ونتحصن ضدها، فإننا سنعرض لها من هذه الجوانب:

أولاً: تعريف قطيعة الرحم والمظاهر الدالة عليها:

لغة: قطيعة الرحم مركب إضافي مؤلف من كلمتين:

أ-  قطيعة: تأتي القطيعة على معان، نذكر منها:

1- الفصل، والإبانة، تقول: قطع الشيء قطعاً: فصل بعضه، وأبانه، وقطع الثمر: جزَّه.

2- الترك، والهجر، تقول: قطع الصدق: تركه، وهجره، وقطع رحمه: هجرها، ولم يصلها. (1)

ولا تعارض بين المعنيين، إذ القطيعة: الهجران، والترك، أو الصد على سبيل الفصل والإبانة.

ب الرحم: تطلق الرحم على معان، نذكر منها:

1- موضع تكوين الجنين، ووعاؤه في البطن.

2- القرابة غير العصبة، وغير ذوي الفروض، كبنات الإخوة، وبنات الأعمام. (2)

3- القرابة مطلقاً، أعم من أن تحرم بينها المناكحة، أو لا تحرم.

ولعل التعريف الثالث أولى، لأنه الذي يتفق مع جوهر الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة، والتآلف، لا إلى الفرقة: والتباغض.

 

قطيعة الرحم اصطلاحاً:

هي هجر الأقارب هجراً يتمثل في عدم البرِّ بهم، والإحسان إليهم، وتوفير ما هم بحاجة إليه، بل ربما إيذائهم باليد أو باللسان، أو بهما معاً دون توقف، أو انقطاع.

 

ثانياً: مظاهر قطيعة الرحم:

ولقطيعة الرحم مظاهر تعرف بها، منها:

1- الإيذاء باللسان من: الغيبة، والنميمة، والإشاعات، وإفساد ذات البين، والسب، والشتم، واللمز، والتنابذ بالألقاب، ونحوها.

2- الإيذاء باليد من: الضرب، والحرمان من العون المادي، والمعنوي.

3- عدم تحمل أذى ذوي الأرحام، اللساني، واليدوي.

4- عدم العفو عن أخطاء ذوي الأرحام، ومسامحتهم.

5- حجب المعروف عنهم من: السؤال، والمواساة وقت الشدة، والتهنئة بالنعمة، والزيارة، وإبراز فضلهم، ومكانتهم والابتسام في وجوههم، والإفساح في المجلس، وهلم جرا.

 

ثالثاً: آثار قطيعة الرحم وعواقبها:

لقطيعة الرحم آثار ضارة، وعواقب وخيمة تتمثل في:

أ - على العاملين: أما آثار قطيعة الرحم على العاملين فكثيرة نذكر منها:

1- حلول اللعن الإلهي: ذلك أن الله لا يثني على قاطع الرحم، ولا يدنيه منه، ولا يصيبه برحمته بحال.

قال - تعالى -: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار (25) (الرعد).

2- الحرمان من العون والتأييد الإلهي: ذلك أن الله - سبحانه - أمضى سنته بوصل من وصل رحمه، وقطع من قطع هذه الرحم، ولا معنى لقطيعة الله للعبد سوى الحرمان من العون، والتأييد: وقد وردت النصوص بذلك، إذ يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله\".

وإذ يقول: \"إن الله - تعالى -خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك\"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم 22 أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى\" أبصارهم 23 أفلا يتدبرون القرآن أم على\" قلوب أقفالها 24 (محمد)(3).

وإذ يقول - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: \"قال الله- تبارك وتعالى -أنا الله، أنا الرحمن، خلقتُ الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته\"(4)

3- نزع البركة من الرزق، والعمر: ذلك أننا موعودون من ربنا حين نصل رحمنا بالبركة في الرزق، والبركة في العمر، فإذا ما كانت قطيعة كان العقاب بنزع البركة منهما معاً. إذ يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ في أثره، فليصل رحمه\".

والواقع يصدق ذلك، إذ رأينا قاطع الرحم يتنكر له أرحامه ويتركونه وحده في العراء، فيعتدي عليه الآخرون، وقد يسلبونه ماله، فيعيش في ضيق، وفقر، كما يعيش مكدود البال والخاطر فيضيع عمره بدداً بلا طائل، ولا فائدة.

4- عدم قبول العمل: خلق الله الإنسان، وفيه من الضعف ما يجعله ينهار أمام الإغراءات والشهوات، كما خلق فيه من القوة ما يمكنه من المقاومة لو أراد، وحين يقاوم المرء نفسه، ليصلح من شأنه، ويسدد مسيرته، وتبقى له أخطاء، فإن هذه الأخطاء لا تحول دون قبول الطاعات أو الصالحات، إلا خطأ قطيعة الرحم، فإنه يمنع قبول أي طاعة، أي عمل صالح.

يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم\".

5- تعجيل العقوبة في الدنيا: ذلك أن كل ذنب يقتضي حلول العقوبة، إن عاجلاً، أو آجلاً، إلا ذنب البغي، وقطيعة الرحم، فإن الله يعجل عقوبتهما في الدنيا شفاء لصدور ذوي الأرحام من ناحية، وتحذيراً للآخرين من التورط في قطيعة الرحم من ناحية أخرى، إذ يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر من البغي، وقطيعة الرحم\". (5)

6- الحرمان من الجنة: ذلك أن الله جعل الجنة دار المثوبة، والمكافأة في الآخرة لمن آمن وعمل صالحاً، ومن قطع رحمه لم يعمل الصالحات، بل ربما استحل ذلك فيكفر والعياذ بالله، فيكون مصيره الحرمان من الجنة، إما على الدوام أو لفترة تتناسب مع هذا الجرم، ثم يكون العفو، ودخول الجنة، يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يدخل الجنة قاطع\".

7- كراهة ذوي الأرحام للقاطع ودعاؤهم عليه، والتخلي عن نصرته: ذلك أن حَجب البر والمعروف عن ذوي الأرحام، بل أذاهم، والإساءة إليهم يحملهم على كراهية القاطع، ودعائهم عليه، ودعوتهم مجابة، للحديث: \"الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله\"(6)، بل إنهم ليتخلون عن نصرته، ومؤازرته، فينال الناس منه.

8- فقد القاطع ثقة الناس، واحترامهم: ذلك أن الناس يثقون بمن يعطف على أهله، ويحترمونه، فإذا قطع رحمه سحب الناس ثقتهم به، واحترامهم له من باب: أنه إذا لم يكن فيه خير لقراباته، فلا خير فيه لأحد أبداً.

9- القلق والاضطراب النفسي: ذلك أن قاطع الرحم مرتكب كبيرة من الكبائر، ومثل هذا يسودٌّ قلبه على مدار الأيام، وسواد القلب مرضه، وقلقه واضطرابه، وصدق الحق - سبحانه - إذ يقول: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى\" 124 (طه)، وإذ يقول: ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا 17 (الجن).

ب - على العمل الإسلامي: وأما آثار قطيعة الرحم على العمل الإسلامي فتتمثل في:

1- تمزيق وحدة المجتمع والأمة: ذلك أنه إذا تقطعت الأرحام، فقد تمزَّقت وحدة المجتمع والأمة وإذا تمزَّقت وحدة المجتمع، والأمة، صار من السهل على الأعداء النيل من كرامة المجتمع، والأمة بالسيطرة على الأرض، وأخذ الثروات، والعمل على تغيير الهوية، والثقافة.

2- كثرة التكاليف، وطول الطريق: وحين ينال الأعداء من كرامة المجتمع والأمة، ويعمل أبناء هذا المجتمع، وهذه الأمة على التخلص من هؤلاء الأعداء، فإنهم يعانون من كثرة التكاليف جهداً ووقتاً ومالاً فضلاً عن طول الطريق.

 

------------------

الهوامش

(1) المعجم الوسيط 2-745 746، الصحاح في اللغة والعلوم ص 935.

(2) المعجم الوسيط 1-335، الصحاح في اللغة والعلوم ص 373.

(3) الحديث أخرجه البخاري في: الصحيح: كتاب الأدب: باب من وصل وصله الله ص1048، رقم 9587، وكتاب التفسير: سورة محمد: باب \"وتقطعوا أرحامكم\".

(4) الحديث أورده المنذري في: الترغيب والترهيب 3-340، من حديث أنس مرفوعاً، وعقب عليه بقوله: \"رواه البزار، وإسناده حسن\"، والهيثمي في: مجمع الزوائد 8-151.

(5) أخرجه الترمذي في السنن، كتاب صفة القيامة.

(6) سبق تخريجه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply