من حاجات النفس الإنسانية ( الرحمة )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وتعني عطف المربي ولينه، وشفقته على الناس وإحساسه بمعاناتهم وحاجاتهم ومشكلاتهم النفسية وتقديره لذلك عند التوجيه والتكليف وعند التعامل والمحاسبة، بحيث يستطيع أن ينظر إلى المتربي من خلال قدراته وطاقاته، فلا يحمله ما لا يطيق، ولا يخاطبه بما لا يفهم، ولا يعامله بفوق مرحلته العمرية ولا يحاسبه على ما لا يكون في وسعه.

 

ولقد نوه الله - تعالى - بهذه الخصائص النفسية التي تجمعها صفة (الرحمة) وجعلها من أهم سمات النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث جعله جزء لا يتجزأ من أنفس المؤمنين، يرحمهم ويعلم حالهم ويعيش طبعهم، ويقدر مشاعرهم ويصعب على نفسه ما فيه العنت والمشقة والأذى النفسي على أصحابه وأمته قال - تعالى -(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وقال - سبحانه - (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) وقال - سبحانه - (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فقد بين الله - تعالى - أنه جبل نبيه على الرحمة واللين والشفقة لذلك فقد تأثر به الناس وأقبلوا عليه حتى أحبته نفوسهم حباً قدمته على أنفسها وما تملك.

 

ويوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهمية هذه الحاجة في التعامل مع الآخرين وعظم أثرها في نفوسهم وخاصة مع الصغار فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعطف عليهم ويداعبهم وربما تجوز في الصلاة وهو يريد الإطالة، مراعاة لحالهم وحالة أمهاتهم النفسية رحمة بهم منه - صلى الله عليه وسلم -.

 

ومن التوجيهات النبوية المباشرة والعملية ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه – قال: {أبصر الأقرع بن حابس النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقبل الحسن أو الحسين فقال: إن لي من الولد عشرة ما قبلت أحدا منهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من لا يَرحَم لا يُرحَم) وفي رواية (أو نزع الله الرحمة من قلبك)، فعندما تنزع الرحمة من النفس يصبح القلب قاسياً، مسلوب الشفقة مما يفسد حاله ويجلب عليه الكثير من الآلام والمتاعب النفسية والعصبية، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم – يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي).

إذن فالرحمة من الحاجات الأساسية التي حثت عليها التربية النبوية ونبهت على أهميتها النفسية للمربي والمتربي على حد سواء.

 

وقد أكد علماء النفس الحديث أن فقدان هذه الحاجة يورث كثيراً من المشكلات النفسية القاسية كالقلق والاضطراب وسوء التوافق والإحساس بالوحدة والحرمان، وإذا كان الفقدان في الصغر أثر ذلك على مظاهر السلوك عن الكبر كما أكدت الدراسات النفسية أن كثير من الانحرافات والجنوح الذي يظهر عند الأبناء في الكبر يرجع في الأصل إلى ما تعرضوا إليه في صغرهم من الحرمان من هذا الجانب العاطفي (الرحمة).

 

ولا شك أن الجهل بمثل هذه التعليمات النبوية قد أوقع الكثير من الأسر في إشكالات نفسية واجتماعيه عصيبة من جهة تربية أبنائهم واستقامة أحوالهم وصلاحهم لما لها من أهمية بالغة في البناء النفسي السليم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply