غزوة حنين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان فتح مكة أعظم فتح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فبهذا الفتح أحكم المسلمون السيطرة على الجزيرة العربية عموماً، وأصبحوا سادتها، ومن ثَمَّ انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين، خاصة هوازن و ثقيف فإنهما فزعتا من أن تكون الضربة القادمة من نصيبهم، فقالوا: لِنغزوا محمداً قبل أن يغزونا، واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة، وقرروا أن يكون مالك بن عوف - سيد بني هوازن - قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب المسلمين.

ثم بدأ مالك في إعداد العدة والتخطيط لخوض الحرب ضد المسلمين، وكان مالك شجاعاً مقداماً، لكنه سقيم الرأي، قليل التجربة، فقد جعل من ضمن خطته أن يخرج معهم النساء والأطفال والمواشي والأموال ويجعلوهم في آخر الجيش، ليشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وهذا من جهله، فإن الهارب من ساحة القتال لا يرده شيء وقد انخلع قلبه وخاف، ولكن أراد الله أن تكون نساؤهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.

 

ولما علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك خرج إليهم في أصحابه وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة، وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين، عشرة آلاف من الذين شهدوا فتح مكة، وألفان ممن أسلموا بعد الفتح من قريش.

ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة، وقالوا لن نغلب اليوم من قلة، لأنهم وهم قلة كانوا يكسبون المعارك، فكيف وهم اليوم يخرجون في عدد لم يجمعوا مثله من قبل، حيث بلغ عددهم اثنا عشر ألفاً، ولكن أراد الله لهم أن يعرفوا أن الغلبة ليست بالكثرة، قال - تعالى -: {ويومَ حُنَينٍ, إِذ أَعجبتكم كَثرَتكُم فلم تُغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأَرض بما رحُبت ثمَّ ولَّيتُم مُدبرين} (التوبة: 25).

وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم، فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل الوادي، وكان عددهم عشرين ألفاً.

وأقبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه حتى نزلوا بالوادي. وكان الوقت قبيل الفجر، والظلام يخيم على وادي حنين. وفوجئ المسلمون عند دخول الوادي بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان. فطاش صواب طائفة من الجيش، واهتزت صفوفهم، وفر عددٌ منهم. ولما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تراجع بعض المسلمين نادى فيهم بقوله:

 

أنا النبي لا كذب * * * أنا ابن عبد المطلب

وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - العباس أن ينادي في الناس، فقال: يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يا أصحاب الشجرة - أي أصحاب البيعة -. فحركت هذه الكلمات مشاعر الإيمان والشجاعة في نفوس المسلمين، فأجابوه: لبيك يا رسول الله لبيك.

وانتظم الجيش مرةً أخرى، واشتد القتال. وأشرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المعركة وقال (الآن حمي الوطيس) رواه مسلم - أي اشتدت الحرب -. وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون، وولوا الأدبار تاركين غنائم هائلة من النساء والأموال والأولاد، حتى إن عدد الأسرى من الكفار بلغ في ذلك اليوم ستة آلاف أسير، وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بفضل الله - تعالى - ورحمته، ومرت الأيام فإذا بوفد من هوازن يأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلن ولاءه للإسلام، وجاء وفد من ثقيف أيضاً يعلن إسلامه. وأصبح الذين اقتتلوا بالأمس إخواناً في دين الله.

 

وكانت حنين درساً استفاد منه المسلمون، فتعلموا أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، وأن الاعتزاز بذلك ليس من أخلاق المسلمين، وإنما الاعتماد على الله وحده، والثقة بنصره بعد فعل الأسباب، وأن ينصروا الله - تعالى -، فمن ينصر الله ينصره، قال - تعالى -:{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.(محمد: 7).والحمد لله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply