العالم الذي رحل بصمت . . . محمد مال الله الخالدي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن فقد العلماء مصيبة من أعظم مصائب الدهر ويعظم الشعور بالمصيبة بقدر عظم المفقود ويشتد الولع والوله بقدر المتعلق بالمفقود فهم ورثة الأنبياء ومصابيح الدجى وكيف لا يكون فقدهم مصيبة ورحيلهم رزية، وقد قال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - \"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق في الأرض عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا \"

لقد تجددت أحزان أمتنا الإسلامية بفقدان واحد من علمائها الزاهدين المحتسبين الذي وهب حياته للعلم والتأليف والدفاع عن التوحيد وعن العقيدة السلفية السليمة.

مات والأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى علماء من أمثاله وإلى علومه النادرة التي ليس لها مثيل وها قد مضى شهر على وفاة الشيخ محمد مال الله عبدالله الخالدي - رحمه الله تعالى -رحمة واسعة، لقد مات الشيخ مبكرا وهو في الأوج من شبابه عن عمر ناهز الثالثة والأربعين وخلّف وراءه سبعة أطفال أكبرهم عبد الرحمن الذي لم يتجاوز الحادية والعشرين ومعاذ وسفيان ومروان وثلاث بنات حفظهم الله - تعالى -من كيد الأعداء الحاقدين وأهل الضلالة، لقد كان من العلماء اللذين لم يظهروا في الصورة وكان يعمل ويكتب في صمت وكان يكره حب الظهور والرياء.

مولده:

ولد الشيخ محمد بن مال الله بن عبد الله الخالدي في مدينة المحرق في منطقة حالة أبي ماهر

 

أصله:

من قبيلة بني خالد في نجد من قبيلة بني خالد فخذ المهاشير وهاجر أجداده إلى البحرين منذ زمن بعيد واستقروا فيها..

 

تخرّج من مدرسة الهداية الخليفية في المحرق وبعث إلى الأزهر لتكملة دراسته لأنه كان من العشرين الأوائل على البحرين ولكن ظروفه لم تسمح بسفره بعد أن توفي والده قبل السفر بعدة أيام فقد تأثر بفكر الشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين - رحمهما الله - تعالى -والشيخ ابن جبرين والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد حفظهم الله - تعالى -ثم عمل في وزارة العدل والشؤون الإسلامية وفي الثمانينات أصبح خطيبا لمسجد (الخير) في مدينة حمد ثم أصبح خطيبا لجامع (فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنها) في مدينة حمد، ثم أصبح مأذونا شرعيا في أواخر الثمانينات رغم صغر سنّه لقد كان في العشرينات من عمره عندما أصبح خطيبا وكان ذو شخصية قوية، لقد كان شديد الذكاء قوي الحفظ فصيح اللسان خفيف الظل كريما سخيا رقيق القلب يحب المزاح والتلطف في الكلام، كان حنونا جدا على أهله وعطوفا بارا بوالدته ومحبا لها كثيرا ولقد بكته أمه كثيرا بعد وفاته، جاءته مكالمة هاتفية قبل وفاته بشهر تخبره بأن أمه في المستشفى بين الحياة والموت فحزن كثيرا عليها وصمّم على أن يذهب لوداعها مع انه كان لا يستطيع المشي إلا قليلا بعد أن أصيب بجلطة دماغية جعلته عاجزا عن المشي إلا بصعوبة، لقد أخذه ابنه عبد الرحمن بالكرسي المتحرك إلى المستشفى لوداعها ظنا منه انه لن يراها مرة أخرى فأخذ يقبّلها وتقبله وقالت له أنها راضية عنه من قلبها لأنه أفضل أولادها إلى قلبها ولأنه بار بها وسبحان الله فشاء القدر أن تشفى أمه قبل وفاته بعدة أيام بعد أن شفت من داء القلب وكانت قد أصبحت عمياء لا ترى أي شيء وبعد أن أجريت لها العملية في عين واحدة أصبحت ترى قليلا. لقد فرحت جدا عندما شاهدت وجه ابنها لأول مرة قبل أن يموت بعد أيام طويلة وليالي من العمى والظلام فقالت له (أنا سعيدة لأنني أشاهد وجهك لأول مرة منذ زمن بعيد.. لقد اشتقت إلى رؤية وجهك كثيراً) فكانت هذه آخر مرة تشاهد فيها وجه ولدها - رحمه الله تعالى -، نسأل الله العظيم أن يلهمها الصبر على مصيبتها لقد توفي لها تسعة أولاد حتى الآن وقد أصيبت بالعمى بسبب كثرة الدموع والحزن عليهم. وفي العام الماضي توفت كبرى بناتها وفي هذا العام توفى أعز أولادها إلى قلبها فشاء القدر أن تعيش هي وتخرج من المستشفى ويموت هوبعد أن ذهب إلى وداعها..

كان - رحمه الله - من الشخصيات النادرة التي تجعلك غير قدير البتة على الوفاء بحقوقها العامة لا في الحياة ولا في الممات.. لقد كان غزير الآثار لقد ألّف أول كتابا له وهو في العشرين من عمره بعد أن قرأ كثيرا وتأثر كثيرا بعلم ابن خاله الشيخ عبد الله السبت - حفظه الله - تعالى -في الكويت وتعلم العلم الغزير منه وساعده كثيرا في تعلم العقيدة السلفية السليمة وكان أول شخص ينشر العقيدة السلفية السليمة في البحرين وأنشأ مع الشيخ خالد آل خليفة أول مكتبة سلفية أثرية في البحرين (مكتبة ابن تيمية)

وتأثر كثيرا بمؤلفات الشيخ إحسان الهي الذي كان يكتب عن عقيدة الشيعة وبدعهم وضلالهم وسار على نهجه ودربه لقد أكمل مشواره بعد أن قتل الشيخ إحسان الهي

في باكستان من قبل الرافضة حسبنا الله ونعم الوكيل رحم الله الشيخ إحسان رحمة واسعة اللهم اجعله من الشهداء وادخله فسيح جناتك.

لقد بقي الشيخ محمد مال الله المدافع الجريء عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمنافح بكل سلاح مباح عن عقيدة التوحيد وعن التفاسير السليمة للتاريخ والدفاع عن حمى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

وكان له كثيرا من المحاضرات في المعاهد والجامعات في كثير من الدول الإسلامية رغم مرضه وعجزه الا انه كان يستقبل كثيرا من طلبة العلم والباحثين في المعاهد والجامعات

للاطلاع على الكتب والمخطوطات التي يقتنيها أو للسؤال عن قضية من القضايا أو حادثة من الحوادث التاريخية أو المناقشة فيما كتبه من المخطوطات وكان صدره يتسع لهؤلاء جميعا رغم مرضه ومعاناته وإعاقته ولم يكن يحجر عن طلبة أي شيء مما يقتنيه ولم يتردد في مساعدة أي شخص في البحث في أي لحظة من ليل أو نهار.

في آخر زيارة له في المملكة العربية السعودية ذهب إلى الرياض قبل أن يشتد عليه المرض كان يحرص على زيارة العلماء جميعا وقد وفقه الله لزيارة شيخه الحبيب إلى قلبه الشيخ ابن جبرين - حفظه الله - تعالى -وأهدى إليه كتابه (أيلتقي النقيضان وحوار مع القرضاوي)

وفرح الشيخ كثيرا بما كتبه وبارك له بعد أن راجعه وشجعه على طباعته وكان العلامة ابن جبرين كلما زاره طلبة العلم من البحرين يسألهم عن صحة أبا عبد الرحمن ويثني عليه ويوصيهم عليه، وكذلك ذهب لزيارة الشيخ الفوزان وأهدى إليه الكتاب وكذلك الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - وشافاه.

لقد تعرض الشيخ محمد مال الله في حياته لكثير من المحن والمؤامرات والدسائس الكيدية المحبوكة من قبل الرافضة حتى اتهم بعدة تهم وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، وبعد محاولات كثيرة من قبل المشايخ وأهل العلم أفرج عنه بعد خمس سنوات بواسطة أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان - رحمه الله تعالى -وغفر له.

لقد تعرض الشيخ في السجن لأمراض عديدة بسبب الحرارة الشديدة وعدم وجود المكيف وكان مصاب بالسكر فزاد عليه المرض وكان يشكو من ألم في بطنه بسبب الفشل الكلوي بعد خروجه من السجن وأصيب بالجلطة الدماغية مرتين ثم أصيب بتضخم في القلب والتهاب الرئتين وفشل كلوي حاد وكل هذه الأمراض سببت له سكته دماغية وكانت النهاية.

ولم يكن أحد يعرف بمرضه حتى أقرب الناس إليه وكان دائم الحمد لله وكان يشكو بثّه وحزنه إلى الله - سبحانه - بعد أن صادروا ممتلكاته وفصل من العمل وجلس يعمل بصمت في البيت ومات في بيته على فراشه - رحمه الله تعالى -رحمة واسعة وجزاه الله أجرا عظيما على صبره وبلواه.

قبل وفاته بمدة قصيرة وقع بين يديه كتاب من أهل البدع والضلالة الرافضة فيه كثير من السب والطعن وتكفير العلماء مثل الشيخ بن باز - رحمه الله - والشيخ بن عثيمين - رحمه الله - والشيخ صالح الفوزان ونقص في أسماء الله - تعالى -وصفاته فاشتد غيظا عليهم وصمم رغم مرضه الدفاع عن العقيدة وعن أسماء الله الحسنى وصفاته والدفاع عن العلاّمة بن باز وبن عثيمين والفوزان في آخر كتاب ألفه قبل وفاته بمدة قصيرة اسمه (الدفاع عن العقيدة وعن العلامة بن باز - رحمه الله - والرد على جهالات المرتزقة) وهو الآن تحت الطبع في المملكة العربية السعودية.

وقد أخذ الشيخ محمد إلى الرياض لعدة أشهر إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي على نفقة الأمير عبد العزيز بن فهد جزاه الله خير الجزاء وبارك فيه لعلاجه من جلطة في المخ وتحسنت حالته ولكن بعيد مدة قصيرة أصيب بفشل كلوي حاد ولم يكن يشكو لأحد عن مرضه - رحمه الله -.

وتوجد عند الشيخ مكتبة فريدة من نوعها فيها كتبا كثيرة متنوعة في جميع مجالات الأدب والدين والسياسة وجميع الثقافات وعلم النفس والكثير من المخطوطات ونصف كتبه كتب الرافضة أنفسهم ومراجعهم جمعها من كل أنحاء العالم من ثلاث وعشرين سنة لقد جاءته قبل وفاته مغريات كثيرة لشراء كتبه ومكتبته لتكون وقفية لكن رفض وقال عندما أموت سوف أجعلها مكتبة وقفية خاصة لوجه الله (رغم ظروفه المادية الصعبة لقد كان عزيز النفس عفيفاً)..

بعد أن زاره عدة من المملكة العربية السعودية قبل وفاته بمدة قصيرة، وصاهم بأن تكون كتبه وقفية في المملكة لأنهم يقدرون العلم والعلماء وكان يحبهم كثيرا وكان لهم أفضالاً كثيرة عليه ولا ينسى ذلك حتى بعد مماته ولأنه يوجد كثيرا من طلبة العلم اللذين درسهم في حياته وعلمهم كيف يسيروا على نهجه ويدافعوا عن أهل السنة والجماعة والصحابة، - رحمه الله - عاش غريبا في بلاده ومات غريبا ولم يعرفوا قدره فطوبى للغرباء … وبشرى لأهل العلم بهذه المكتبة العلمية الوقفية النادرة ليستفيدوا من الكتب الموجودة فيها بأنه تجرى الإجراءات الآن من قبل بعض المشايخ والعلماء في السعودية الشقيقة من أجل إنشاء مكتبة قيمة تسمى باسم الشيخ محمد مال الله الخالدي - رحمه الله تعالى -، نسأل الله أن يبارك جهود القائمين عليها.

رحم الله الشيخ أبا عبد الرحمن لم ينقطع عن طلبة العلم وزواره أبداً حتى في اللحظات الأخيرة من حياته وأثناء المعاناة الشديدة مع المرض واحتضاره، لقد زاره عدة طلبة من الخارج قبل وفاته بعدة ساعات ليلاً …آخر شخص زاره الساعة التاسعة والنصف مساءً يوم الجمعة وتوفى في نفس اليوم الساعة الرابعة فجراً.

 

رحمك الله يا شيخي الفاضل.. لقد كنت أنا آخر شخص زارك قبل وفاتك وكنت تمزح معي وتبتسم رغم معاناتك وتعبك ولم أكن أعلم بأنك في آخر لحظاتك بيننا، عندما صعقت بخبر وفاتك صباحاً عقد الحزن لساني فلم أستطع أكتب أو أقول كما ينبغي يا شيخنا الجليل.

مؤلفات الشيخ - رحمه الله تعالى -:

1. حكم سب الصحابة / أول كتاب كتبه في العشرين من عمره.

2. الخميني وتزييف التاريخ.

3. الشيعة والمتعة.

4. موقف الشيعة من أهل السنّة.

5. مطارق النور تبدد أوهام الشيعة.

6. موقف الخميني من أهل السنة.

7. الشيعة وتحريف القرآن.

8. الخميني وتفضيل خرافة السرداب على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

9. مفتريات الشيعة على أبي بكر - رضي الله عنه - والدفاع عنه.

10. مفتريات الشيعة على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والدفاع عنه.

11. مفتريات الشيعة على عائشة - رضي الله عنها - والدفاع عنها.

12. مفتريات الشيعة على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - والدفاع عنه.

13. مفتريات الشيعة على معاوية - رضي الله عنه - والدفاع عنه.

14. مفتريات الشيعة على خالد بن الوليد - رضي الله عنه - والدفاع عنه.

15. الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب تحقيق وتعليق محمد مال الله.

16. الشيعة وصكوك الغفران.

17. الشيعة وطهارة المولد.

18. احتفال الشيعة بمقتل عمر رضي الله عنه.

19. الإمامة في ضوء الكتاب والسنّة (جزءان).

20. الشيعة وطرق الأبواب الخلفية بين الحل والتحريم (تحت الطبع).

21. أيلتقي النقيضان.. حوار مع الشيخ القرضاوي (طبع في الكويت).

22. براءة أهل السنة من تحريف القرآن (تحت الطبع).

23. براءة أهل السنة من تحريف الآيات (تحت الطبع).

24. الرد على الرافضة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب تحقيق وتعليق محمد مال الله (تحت الطبع).

25. أخبار الشيعة وأحوال رواتها للألوسي.. تحقيق وتعليق محمد مال الله (تحت الطبع).

26. الانحطاط في المجتمع الأمريكي / تحت الطبع.

27. لله ثم للتاريخ /للموسوي.. تحقيق وتعليق محمد مال الله الاسم المستعار عبد المنعم السامرائي.

28. الشيعة وتفضيل قبر الحسين على زيارة بيت الله الحرام /محمد مال الله الاسم المستعار عبد المنعم السامرائي.

29. الدفاع عن العقيدة وعن العلاّمة ابن باز والرد على جهالات المرتزقة / محمد مال الله تحت الطبع.

ولم أكتب أسماء بعض الكتب لأنها فقدت ولم يعيد طباعتها ولا توجد نسخة منها عند أهله

بعض كتب الشيخ قد كتبها بأسماء مستعارة مثل عبد المنعم السامرائي وذلك بعد أن نصحه بعض مشايخ السعودية وعلمائها خوفاً عليه من مؤامرات الرافضة وكيدهم.

 

اللهم يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمه رحمة من عندك فلقد علمنا شرعك وتوحيدك وبادلنا النصح سرا وعلانية، ارحم أهله وامرأته وأولاده، اللهم ارحم عيونهم الباكية ودموعهم الشاكية واحفظهم من كيد الأعداء ولا تشمّت بهم عدوا ولا صديقا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

رحمك الله يا محمد مال الله الخالدي

08:30:46 2016-02-19

رجلا لن يتكرر .. غفر الله لك ياشيخنا محمد مال الله الخالدي انت فخر للاسلام والمسلمين