مع السيدة نفيسة بنت الحسن


  

بسم الله الرحمن الرحيم

 تثلج الصدر المتابعة الواعية، والمناقشة الهادفة، والنقد البناء، ومداولة الرأي على علم وبصيرة، فبعد أن   مضى مقالة مختصرة عن السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -جميعاً توالت اتصالات عدد من القراء الكرام من الإخوة والأخوات، يسأل بعضهم عن أقرب مصدر يوفر معلومات عنها وعن غيرها، وبعضهم يطرح ملحوظات بأسلوب مؤدب يظهر فيه قصد الخير، وتتجلى فيه الرغبة في الوصول إلى الحق، وتبرز فيه النصيحة بمعناها المشرق الجميل، ولا يخفى في بعضها اللوم الذي يجنح إلى شيء من الحدة، وأنا بذلك كله سعيد، منشرح الصدر، لأنه يحقق لنا على أرض الواقع ما قد أشبعناه في أقوالنا وكتاباتنا بحثاً وشرحاً من الدعوة إلى النصيحة الواعية، والنقد الهادف البناء، والتوجيه السليم، والحوار الذي يقصد به صاحبه معرفة الحق للوقوف عنده، ولا يقصد به اللجج والخصومة والجدال العقيم.

تنحصر ملحوظات الأحبة القراء حول المقال الماضي عن السيدة نفيسة فيما يلي:

1- ما مدى صحة ما ورد في كلامها عن فوائد السور القرآنية التي ذكرتها، وهل نقلت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم أنها قالته من اجتهادها وتلقاء نفسها، وإذا كانت في ذلك مجتهدة فكيف تجيز لنفسها الاجتهاد في أمور موقوفة على ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي دلنا فيما صح عنه على فوائد سور القرآن وآياته وفضائلها، وهو الذي شرع لنا ما نكرر قراءته منها فلا يجوز لنا أن نقرر في هذه المسألة شيئاً من تلقاء أنفسنا، وكيف أجيز أنا - كاتب هذه السطور - لنفسي نقل هذه النصائح عنها دون تثبت من صحة نسبتها إلى أفضل الخلق - عليه الصلاة والسلام -؟

2- من المعروف أن هنالك «ضريحاً» باسم السيدة نفيسة في إحدى الدول الإسلامية يزوره الناس - كغيره من الأضرحة - للتبرك به، والتقرب بصاحبته إلى الله - عز وجل - كما هو الشأن في كثير من الأضرحة المنتشرة - مع الأسف الشديد - في كثير من بلاد المسلمين.

3- هل خلت سير النساء الفاضلات من مثل هذه المواقف المشرقة التي وردت في سيرة «نفيسة بنت الحسن»؟ وإذا لم تكن سير الفاضلات قد خلت من ذلك فلماذا لم تختر غيرها للكتابة؟

4- إن طرح سيرة مثل هذه السيرة التي أقيم لها ضريح ترتكب عنده الأخطاء في العقيدة بدعم أصحاب تلك الاتجاهات التي يبالغ فيها غلاة الصوفية، ويجنحون بها عن الطريق المستقيم في عبادة رب العالمين.

هذه مجموعة الملحوظات التي وصلتني مهاتفة، أو من خلال الرسائل الهاتفية، وأثلجت صدري لأنها تدل على متابعة جادة، وحرص على الفائدة، والنصيحة والتوجيه.

ويسعدني أن أجيب عن هذه الملحوظات باختصار شديد.

أولاً: لم أنقل في المقال السابق قولاً نسبته السيدة نفيسة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما نقلت نصائح منها هي موجهة إلى من جالسنها من النساء اللاتي كن ينهلن من علمها، وهي كانت تدعوهن إلى الإكثار من قراءة القرآن، وتذكر لهن فضل ذلك وأنه يقرب من الله - عز وجل -، ويدخل الجنة - بإذن الله - إذا أخلص الإنسان نيته لربه وذكرت سور الإخلاص، وقل يا أيها الكافرون، والكوثر، وتبارك، والواقعة، مشيرة إلى أن قراءة هذه السور تحقق الإيمان الكامل والبراءة من الشرك، وقد ورد هذا المعنى في أحاديث رويت عن سورة «الكافرون» حيث روى أحمد بن حنبل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - انه قال عنها إنها براءة من الشرك، وأشارت نفيسة إلى أن سورة الإخلاص تعين المسلم على إخلاص نيته وتبعده عن وسوسة الشيطان، ولسورة الإخلاص من الفضائل والتذكير بوحدانية الله - عز وجل - وإفراده بالعبادة ما وردت به الأحاديث الصحاح، وإن كانت نفيسة لم تشر إلى شيء من ذلك، وفي سورة الملك، والواقعة، والفاتحة من الفضائل الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لا يتسع المجال لذكره هنا.

والمهم فيما روي عن السيدة نفيسة أنها كانت تنصح نصائح عامة، وتوصي بقراءة بعض سور القرآن التي ذكرناها دون أن تحدد عدداً أو وقتاً معيناً، ودون أن تسند شيئاً من ذلك إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ثانياً: السيدة نفيسة امرأة ذات علم ودين وصلاح، وهي من أحفاد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ولا يمنع وجود ضريح لها في بلد إسلامي من ذكر فضلها وصلاحها، فالذين يرتكبون الإثم هم الذين أقاموا الضريح وارتكبوا عنده المخالفات الشرعية، ولو أن نفيسة بعثت لكانت - كما أعتقد - أوَّل من يهدم الضريح، ويزجر من أقاموه، ولو أننا نتجنب ذكر بعض الفضلاء الكرام من الصحابة ومن بعدهم بسبب وجود أضرحة لهم أقيمت حينما انحرف بعض الناس عن العقيدة الصحيحة، لما ذكرنا سيرتهم العطرة المباركة، وبعضهم مبشر بالجنة مثل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وابنه الحسين وغيرهما.

ثالثاً: سير النساء الفاضلات من أمهات المؤمنين والصحابيات والتابعيات وغيرهن قبل الإسلام وبعده غنية غزيرة المادة، وما السيدة نفيسة إلا واحدة منهن، وفي كتب «أعلام النساء»، وما ورد في «أسد الغابة»، و«الإصابة» في القسم الخاص بالنساء، والروضة الفيحاء في تواريخ النساء وغيرها من سيرهن العطرة ما أنصح بقراءته ومراجعته.

رابعاً: وبناءً على ذلك فليس صحيحاً ما ذهب إليه بعض الإخوة من أن طرح سيرة السيدة نفيسة يدعم الذين انحرفوا عن المنهج الشرعي الصحيحº لأنه افتراض غير واقعي، وإنما هو ناشئ من المبالغة التي لا تخفى.

ومع ذلك كله فإن هذه الأساليب الحضارية في الحوار والنقد، تشعرنا بمدى الوعي الكبير الموجود في مجتمعاتنا المسلمة - والحمد لله.

 

إشارة:

وللكون ربُّ أمره فوق أمرنا ***بتدبيره خَفضُ الموازين والرَّفعُ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply