تاريخ يجمع بين الحقيقة والأسطورة ... سريلانكا .. دمعة عين الهند


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لخص الرومانسيون قصة تاريخ جزيرة سريلانكا تلخيصاً خيالياً عندما وصفوها (بدمعة عين الهند) ذلك أن وجه شبه القارة الهندية العظيمة في خيالهم كان قد ذرف دموع الفرح، فتجمدت دمعة من تلك الدموع في الهواء، ثم سقطت في البحر لتصبح جزيرة سريلانكا.

أما السيلانيون فيعتقدون أن جزيرتهم هي (جنة عدن) الحقيقية، ويستدلون على هذا الاعتقاد بجبل في هذه الجزيرة يسمى (جبل آدم) المقدس الذي يبلغ ارتفاعه 2224 متراً.

فبلوغك هذا الجبل في رحلة شاقة على متن عربات تجرها الثيران سيمكنك من مشاهدة مجموعات من الحجاج البوذيين والهندوس والمسيحيين وهم يتسلقونه لبلوغ قمته، أما الامتداد الضيق من الصخور والجزر الصغيرة الفاصل بين سريلانكا والهند، فهو كل ما تبقى من الأرض التي كانت تربط بينهما قبل ملايين السنين، لكن السيلانيين يعتقدون أن هذا المضيق هو جزء من (جسر آدم) وأن الله كسره إلى قطع هي هذه الصخور والجزر الصغيرة عقب طرد آدم من (جنة عدن) حتى لا يطمع في العودة إليها مرة أخرى!

 

الأسطورية الهندوسية:

لكن ماذا تقول الأسطورة الهندوسية عن بداية تاريخ الوجود البشري في هذه الجزيرة؟ تجيب على هذا السؤال الأسطورة المأخوذة من سجل الأساطير الهندوسي المعروف باسم (راميانا) والتي يعود تاريخها إلى 5000 سنة، بأن ملكاً اسمه (روانا) كانت له عشر رؤوس، وأنه أراد أن ينتقم من شقيقته فسافر إلى الهند على متن عربة ذات أجنحة تسمى (داندومنورا) حيث خطف (سيتا) زوجة ملك آخر اسمه (راما)، غير أن هذا الأخير استطاع أن يسترد زوجته بمساعدة الإله القرد هنومان (إله الهندوس المشهور) عقب معركة بين الملكين.

وقد حصلت بعض المعالم السريلانكية أسماء هذه الشخصيات الأسطورية، فقد أطلق اسم الملك (روانا) على شلالات روانا، وأطلق اسم (سيتا) على مصباح سيتا، الواقعين في جبل، ولا يزال هذان المعلمان يجتذبان أعداداً ضخمة من سياح الجزيرة وزوارها.

وقد عرفت سريلانكا عند العرب والغربيين الذين وصلوا إليها قديماً أطلقوا عليها أسماء متنوعة مثل: تابروبين وسيلان وسرنديب وزيلون.

السنهالا هم شعبها الأول:

لكن من هو الشعب الذي استوطن هذه الجزيرة بصورة رسمية منذ ظهورها؟

تقول إحدى الأساطير السريلانكية: إن الشعب السنهالا (اسم يعني في اللغة المحلية: الحية الضخمة) ينحدر من سلالة أسد يدعى (سنها) كان قد تزوج ملكة فأنجبت منه ولداً سمي (سنهابهاو) الذي أصبح ملكاً، فأنجب هذا الملك بدوره ولداً اسمه (فيجيايا) في سنة حوالي 544 قبل الميلاد وجعله أميراً وولي عهده.

ولما ترعرع هذا الأمير هاجر من الهند مع حاشيته التي بلغت 700 مرافق في اليوم الذي توفي فيه الرب بوذا إلى سريلانكا ليصبح أول ملك عليها، ولعل هذه الأسطورة التي ترجع أصل السنهالا إلى (الأب الأول الأسد) هي التي تفسر وجود صورة الأسد في علم جمهورية سريلانكا.

وقد كان الأمير فيجيايا شاباُ عاصياً متمرداً على توجيهات والده نفاه إلى إحدى المناطق الساحلية المعروفة باسم (تامبامبامي) نسبة إلى رمالها ذات اللون النحاسي.

وكانت في هذه الأرض امرأة اشتهرت بسحرها وجمالها، فلما علمت به أميراً، حاولت أن تخضعه بسحرها، ولكنه فاقها دهاء فتزوجها وجعلها ملكة وأنجب منها الأبناء الذين تفرعت منهم سلالة السكان الأصليين الذين امتزجت بهم بعض الشعوب القادمة من شمال الهند المعروفة باسم: الهندو أريان، حسب ما جاء في بعض الدراسات التاريخية، ومن هنا ظهرت اللغة المعروفة باسم: الراقراطية، وهي عبارة من لهجات ولغات هندية، تطورت لتصبح ما يعرف اليوم باللغة السنهالية.

أما من حيث المعتقد الديني في جزيرة سريلانكا، فقد بينت بعض الدراسات التاريخية أن تاريخه يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد عندما زارها (ماهندا) المبجل ابن أشوكا إمبراطور الهند، وأقنع ملكها آنذاك (ديفان) بالبوذية فاعتنقها هذا الأخير، وأصبحت إلى اليوم الديانة الغالبة بنسبة 70% إلى جانب أقلية هندوسية ومسلمة ونصرانية.

كيف وصل الإسلام إلى جزيرة سيرلانكا؟

لقد ارتبط وصول الإسلام إلى جزيرة سيرلانكا بوصوله إلى كل من الهند وإندونيسيا عن طريق التجار العرب الذين كانوا على صلة بهذه المنطقة حتى قبل ظهور الإسلام، وكانوا يطلقون على هذه الجزيرة اسم (سرنديب).

وقد انطلقت المصادر التاريخية من هذه العلاقات التجارية التي كانت تربط بين التجار العرب وشبه القارة الهندية ليستدلوا بها على أن جزيرة سريلانكا عرفت الإسلام خلال القرن الهجري الأول، غير أن انتشاره الفعلي فيها لم يعرف إلا في بداية القرن الثاني الهجري.

ولم تكن روافد الإسلام محصورة في التجار العرب فحسب، بل شملت كذلك حتى المسلمين التاميل، الهنود القادمين من الهند، والمسلمين القادمين من إندونيسيا.

والمعروف أن الوجود الإسلامي في جزيرة سريلانكا قبل الاحتلال الغربي لها كان قوياً بدليل أن ملوكها السابقين كانوا يتخذون بعض مستشاريهم من العرب والمسلمين.

ولم تتراجع قوة الإسلام فيها إلا بعد احتلالها من قبل الاستعمارين البرتغالي ثم الهولندي اللذين فسحا المجال أمام البعثات التنصيرية المدعومة مادياً وسياسياً.

ورغم هذا التحدي الذي واجهه الإسلام فيها، إلا أنه ظل ينتشر بجهود فردية من دون دعم مادي أو سياسي، فقد كانت نسبة المسلمين حتى في عهد الاحتلال حوالي 7% من مجموع السكان ولكنها ارتفعت في السنوات الأخيرة لتصل إلى 9% حسب إحصاء 1989.

 

سريلانكا والاحتلال الغربي:

لم تكن سريلانكا كذلك لتسلم من أطماع الغربيين الذين دأبوا على غزو الشعوب البعيدة واستغلال ثرواتها المختلفة، فقد تعاقب عليها كل من الغزاة البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين.

كان البرتغاليون أول من وصل مدينة كولومبو عام 1505، وعندما شاهدهم سكانها أول مرة سارع بعضهم إلى إخبار الملك بقدوم غرباء يلبسون لباساً من حديد (الدروع) ويأكلون الحجارة (الخبز) ويشربون الدم (الخمر) ويحملون عصياً تصدر أصواتاً كصوت الرعد (البنادق)، وأن هؤلاء الغرباء يريدون مقابلته. فلما سمع الملك بأوصافهم سمح لهم بلقائه، ولكنه أمر حراسه المرافقين لهم بأن يسلكوا بهم طريقاً ملتوياً طويلاً لإيهامهم بأن مقر إقامته في (كوتو) العاصمة آنذاك التي تبعد عن كولومبو بحوالي ثلاثة عشر كيلو متراً بعيدة جداً، ومن هنا ظهر المثل السريلانكي القائل: (كأخذ البرتغاليين إلى كوتو) وأصبح إلى يومنا هذا يضرب مثلاً في إضلال المسترشد.

وقد تمكن البرتغاليون من تثبت وجودهم في هذه الجزيرة، وإقامة علاقة متينة مع بعض زعمائها للسيطرة على تجارة التوابل التي كانت بيد تجار عرب، وهم الذين كانوا سبباً في دخول الكاثوليكية الرومانية إلى هذا البلد، التي لا تزال سائدة في فئة من السيلانيين الذين عرفوا بالجمال والفتنة وحب المرح، ولم تمض إلا فترة على الوجود البرتغالي في هذه الجزيرة حتى رحل الهولنديون بها ودخلوا في منافسة تجارية وعسكرية أحياناً مع منافسيهم انتهت بسيطرتهم على تجارة التوابل خصوصاً محصول القرفة، وظل هذا الوضع سائداً إلى عام 1796 حيث انتهى الوجود الهولندي على يد البريطانيين الذين سيطروا عليها إلى حين حصولها على استقلالها.

وقد حدثت تطورات اقتصادية في حياة سريلانكا خلال هذه الفترة الاستعمارية حيث انتعشت زراعة التوابل وتجارتها، ثم زراعة البن الذي استبدل به الشاي السيلاني الذي اشتهرت به سيرلانكا، كما استفادت من بناء شبكة من السكك الحديدية عبر جميع أنحاء مناطق الجزيرة الرئيسية.

 

سريلانكا الجزيرة السياحية:

لكن النظرة الحالية التي تغطت على حياة سريلانكا في عصرنا الحضر أنها جزيرة سياحية تتمتع بكل عوامل الجذب السياحي من مناظر طبيعية ساحرة، وأماكن نادرة لا تزال تحافظ على طبيعتها البدائية، وشواطئ جميلة يطل على جنوبها سور من أشجار النخيل الباسقة، ناهيك عن المنتجعات الجبلية كمنطقة (نوارا أيلي) أو منقط (كاندي)، أو مستوطنات الحيوانات البرية في (يالا) إلى جانب المآثر التاريخية والعادات والتقاليد المتنوعة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply