على خطى عمر رضي الله عنه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 \"عمر بن الخطاب\" ذلك الصحابي الجليل، والرجل العظيم، الذي بلغت عظمته الآفاق، وانتشرت سيرته العطرة لتُطرب الآذان، وتُدهش أولي الألباب..ذلك الصحابي الذي سأل رسول الله {ربه أن يعز به الإسلام حين قال: \"اللهم أعزَّ الإسلام بأحد العمرين\"، واستجاب المولى له وعمَّت العزة والرفعة في الأمة الإسلامية منذ أسلم عُمر، وكان دائماً يقول: \"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله\".

كم تُعجبني سيرة عمر بن الخطاب وكم تأسرني قوته في الحق، حتى إنه سُمِّي \"الفاروق\" لتفريقه بين الحق والباطل، وأن الشيطان إذا رآه سالكاً فجاً سلك فجاً آخر خوفاً منه.

ودائماً ما أشبّه والدي - يرحمه الله - في قوته في اتباع الحق بسيدنا عمر - رضي الله عنه -.

فقد كان أبي - يرحمه الله - حازماً في كل أموره مرضاة لله - سبحانه وتعالى -، كلمته واحدة، وآراؤه ثابتة وأفكاره واضحة، واعتقاداته جازمة.. لا يخشى إلا ربه ولا يخاف أحداً غيره.

وقد ربَّانا والدي على الأخذ بالعزيمة في اتباع الحق والتزامه، فمذ كنا صغاراً علمنا أن كلمته مسموعة واعتقاداته من الصعب عليك أن تغيرها.

أذكر أن صديقة لي أهدتني صوراً مجسمة لشخصيات كرتونية وكان عمري لا يتجاوز الإحدى عشرة سنة، فما كان مني إلا أن وضعتها على مكتبي فرحةً بها، ودخل أبي ذات يوم يزورني في غرفتي فهاله ما رأى وقال: \"أتضعين صوراً ههنا تحجبين بها الملائكة أن تدخل بيتنا؟! \" ورفع يده إليها فوراً وأزالها، وغضبت غضباً شديداً ولم أقتنع يومئذ برأيه ولا اعتقاده، ولكن أجدني الآن لا أستطيع أن أعلق أو أضع صورة \"لإنسان أو غيره من الكائنات الحية\" خوفاً من أُحرم من دخول الملائكة بيتنا.

كان عمر - رضي الله عنه - يقول: \"لست بالخب ولا الخب يخدعني\" والخب: \"هو الماكر المخادع\"، وكان أبي هذا حاله، فقد أوتي من الذكاء البدهي ما يستطيع به التمييز بين طيب الكلام وخبيثه.

كان عمر - رضي الله عنه - يقول لأحد أبنائه إذا اشترى شيئاً اشتهاه، \"أو كلما اشتهيتم اشتريتم\"؟ وكان هذا هدي أبي - رحمه الله - كما أسلفتُ في مقال سابق، فقد كان يدعونا إلى الاقتصاد وعدم الإسراف رغم سعة الرزق.

كان عمر - رضي الله عنه - شديد الغيرة على نسائه حتى إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عندما رأى قصره في الجنة غضّ طرفه عنه عندما تذكر غيرته على نسائه، وكان أبي - يرحمه الله - شديد الغيرة علينا.

وكان عمر - رضي الله عنه - في حزمه وصلابته في الحق إذا اقتربت منه وجدته يحوي قلباً حنوناً، وطرفاً دامعاً، وضميراً حياً.. يخاف إن تعثرت بغلة في طريقها أن يسأله الله - عز وجل - \"لِمَ لم تُمهد لها الطريق\"؟، ويرأف لحال الأرملة والمرأة العجوز ويحلب الشاة ويقمٌّ البيت لها ويسعى في حوائج أمته وهو يومئذ أمير المؤمنين..

وكان أبي - يرحمه الله - لا يختلف عنه، فكلما اقتربنا منه أكثر علمنا أن حنانه فائض، ورحمته بنا وشفقته علينا تفوق كل تصور، لكنه لا يحب أن يبيِّن لنا ذلك \"لحاجة في نفسه\" وكان يرأف لحال المسكين ويرق قلبه للفقير وتنهمر الدموع من عينيه من خشية الله العلي القدير.

تمثل سيدنا عمر - رضي الله عنه - قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: \"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير\".

وأجد أبي في قوته في الحق يتمثل أيضاً هذا الحديث، فالحق يحتاج إلى قوة لتحميه، والعدل يفتقر إلى قوة لإقامته، وشرعنا يحتاج إلى قوة لتحكيمه، وأمتنا بحاجة لرجال أشداء أقوياء لا يخافون في الله لومة لائم ليعيدوا أمجادنا وليحيوا عزائمنا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply