لتبدأ من جديد


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مالي أرى الحزن أطفأ الكثير من بريق عينيك، يوماً ما كانتا تشعان أملاً، فلماذا خبت تلك الأشعة؟

 

أتظن أن أجهزة استقبالي قد عجزت عن تحليل شفرات صمتك؟..لعمري إنه أقوى من أي حديث ترسله الآن، أتراك تدثرت به هروباً، أم ظننت أنك عدمت قول الخير، تخشى أن تتفلت منك مفردة توشي بما يعتلج في صدرك، أم أنك كالتي ساكنة في صمتها... أبين ممن ينطق.

 

أنت لست راضياً عن شيخوخة فتور باغتتك دون سبق إصرار منك أو عمد، يعتريك إحساس عنيف ألمه أنك بدأت خطوات في طريق الفشل، لنفترض، فلم لا تبدأ من جديد؟

 

أتظن أن في هذه الحياة فاشلاً، وناجحاً؟.. لا، ولكن هناك من يحاول، وآخر يقعد ويستسلم، أغمرك أسى عميق ممن أصابه العجب، لا الثقة بالنفس، يرى نفسه ثابتاً، ولعل المسكين في الهواء معلقة أقدامه، قد وجه إليك من سهام إبليس ما أفقدك توازنك، وأضعف مناعتك فتسلل الإحباط على حين غرة منك، وانتشر بليل في أعماق نفسك..

 

لماذا استقبلت رسائله السلبية دون محاولة للرد؟.. قم، وثق بالله، وخاطبه بهدوئك الذي عهدته منك دوماً... لعل له قلب، أو يلقي السمع وهو شهيد، أيقظه هو من غفلته، كن محدثاً إيجابياً، فلك من السند والدليل ما يعضد فقهك، ويقوي حجتك، واطرق مكامن الخير في نفسه بقولك أخي.. هي لحظة، أنت ملكتها وهي ملكتني، أنت احتويتها وهي احتوتني، ما كان بقوتك، وما كان بضعفي، ولكنه (فضل الله يؤتيه من يشاء)، فلا تجلدني بسياط عقلك عسى الله أن يعافيني، وعد علىّ من فضل زادك ولو في دعائك، وأبق لـ(وتلك الأيام نداولها بين الناس) في النفس موضعاً، لعل في هذا الكون من يحب الله سماع أنين شكواهم، فإن استجاب فبفضل ربي، وإلا فسيكفيه الله - تعالى -، فإذا فرغت، فانصب لنفسك، تفرس فيها بهدوء، لا تتعجل حتى لا تتفلت منك، ولتقف على ما كان منها من نقص وسلبيات خارت معها قواك، وحالت بينك وبين إعادة الكرّة بعد الكرّة في طريق النجاح، لا تخالها دعوة مني لتبرير ما مضى من أخطاء، لا، ولكني أحاول معك تفسيرًا، ولا أظن - ولأنك بشر- أنك بالغ إلا بعد أن تنزع فتيل كاتم الصوت الذي أحكمت تثبيته على آهاتك، وأنين عمرك زمناً طويلاً،

 

هيا، انهض، اصرخ، ولكن على أوراقك، أطلق دموعك من أسرها، اجعلها مداداً لحروفك، على أوراقك.. لا مصادرة لضميرك المتكلم بآخر غائب يتحدث عنك، أبداً لن يحدث، فاطمئن، وقلِّب صفحاتك في هدوء، ولتكتب في أولها.. كيف كانت بدايتك، فللراشد في رقائقه (إن الفترة بعد المجاهدة من فساد الابتداء)، و(إنما تتولد الدعوى من فساد الابتداء، فمن صحت لله بدايته، صحت نهايته، ومن فسدت بدايته فربما هلك)، يقول الراشد (بل يهلك في الأغلب)، ولن نقره على ذلك، رغم أنه مشاهد ومستقرئ، ولنختطف ومضة أمل من قوله - تعالى -: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)، فلندع ما فات دون تهوين، وليكن نبع خبرة، وتوقي زلل، وعدم تكرار خطأ، ولنعش مضارعاً مشرقاً، ولنخطط لمستقبل أكثر إشراقاً، تكون معه مدارسة الأخطاء للاستفادة، وتراكم النافع، لا للتقريع، وجلد الذات.

 

ولتبدأ من جديد، ولتنظر إلى أناملك إذا ارتعشت، وإلى حروفك إذا اضطربت، فاعلم أن هناك شريكاً، فصحح نيتك، وأعلِ همتك، لتستقم طريقك، فما كان لله ثبت، وثبتت معه كل خلاياك، فلا تقيمن بعد اليوم حجة على نفسك، وبيديك.

 

الآن، تهفو إلى شيء من الراحة في ظل شجرة عريقة، نسبك مثلها، ممتد في شعاب هذا الزمان، ولنيل شيء من الزاد، ولا بد، فالطريق طويلة شاقة، ولنرى ماذا فعل أنبياء الله ورسله حين مسهم (اللمم) من الخطأ، وكيف استقبلوا الرسائل الربانية تحث فيهم التصحيح، وإكمال المسيرة، ولكل نتائج مقدمات وأسباب، فدوام ملك داود وشدته، وإنعام الله - تعالى - عليه بسليمان، كان بعد خطوات إيجابية، وعدم استسلام لظن اعتراه، فإذا هو المنيب الصادق، بعد استغفار وركوع، ولم يفرح يونس - عليه السلام - بإيمان المائة ألف، وقرَّت بها عينه، إلا بعد ممارسة الإيجابية في أعلى صورها، فاعتصام بالتوحيد، وتسبيح، و(إني كنت من الظالمين)، ويعقوب حين اشتد حبه ليوسف وأخيه، فإذا بالابتلاء الشديد لتصحيح المسير، والذي كان بأخذ الميثاق، والدعوة للذهاب، والتحسس، والتشبث بالأمل (إني لأجد ريح يوسف) وليصبح حقيقة يتبوأ بها مكانه على العرش، والحبيب - صلى الله عليه وسلم -، لما عوتب في الإذن والعبوس، ما زاده هذا إلا إيماناً بدعوته، وتسليماً لأمر الله - تعالى -في إبلاغها.

 

فيا رفيق الدرب... قم، واهتك ستر الغفلة - فهذه لا حرمة لها - بأوبة صادقة إلى الله - تعالى -، ولا تكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، واحذر من سطو مسلح، يصوب نحو عقلك، يتولى كبره شيطان عاجز، ينفث غي روعك، ألم تكن يوماً ما كذا وكذا، يكفيك ما قدمت، آما آن لك أن تستريح

 

أتراك تستجيب؟

ألا تحن لذرات تراب لطالما بللتها بدموعك في ليل ساكن، يئن آخره من شدة شوقه إليك؟

 

ألا تشتاق لثوانٍ, لطالما لملمتها بين كفيك - تسألك ألا تشردها- وأنت تمدهما تضرعاً لخالقك، في دعوات تردد صداها في هذا الكون همست بها عبراتك قبل نبراتك عند إفطارك؟

 

ألا كنت رحيماً بابتسامات - خفت- ولطالما علت وجوهاً حين كانت تنعم بمحياك الطلق، فلكم شاركتهم، ودعوتهم، وكنت سبباً في هدايتهم؟

 

هل سيطمئن قلبي أنك وعيت رسالتي، وفطنت لحاجة أمتك إليك؟

 

ينصت فؤادي لهمسات منك حائرة، نعم ستحتاج أن تترك الكثير لله - تعالى -، فكلنا بشر، تحوم حولنا فتن وشبهات، وتجذبنا شهوات، ولكن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ألم تكن جميلة وأنت ترددها مراراً وتكراراً!

 

كم كانت عذبة بين شفتيك!

 

ومن ندى حروفها، أي ابتسامة كانت دوماً تضيء ثغرك!

 

والآن... أدركت أنها ما جاوزت بصرك إلى بصيرتك، لمَّا واجهتها زلزلت كيانك، وعصفت بذراتك، أطرقت بطول صمت، ألهب خديك حر دموعها، وتجرَّعت في أعماقك مرارة صبرها، وليس الخبر كالمعاينة، ولكنك حتماً ستصل، فما كنت يوماً ضعيفاً، ولن تكون، وكيف تكون، وما زال ميراثك عن نبيك محفوظاً، فقط انقله وتفسيره وأحكامه، من رفوف مكتبتك، وأعد له السكنى في قلبك وعقلك وروحك.

 

فيا من، ورغم حدود الزمان والمكان تعانقت أرواحنا، لأنها تعارفت فائتلفت، وفي عمر الزمان يوماً، ما تناكرت فاختلفت، وما رامت الباطل يوماً فافترقت، وإنما عرى موثقها عقيدة التوحيد فاجتمعت وما انفصمت،

 

 (إذا)... رقّ لحروفي قلبك،

 

وارتاحت عندها نفسك،

 

فإني أسائلك عندها (جواب الشرط)، دعوة منك صادقة، لا ترسلها إليّ أحرفاً مكتوبة، ولكن أطلق بالسحر سهمها، معنونة باسمي إلى خالقك، فلعلي أشد احتياجاً منها إليك،

 

لعلي كنت أخاطب نفسي!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply