تذكرة للشباب في وجه الشهوات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله حق حمده و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و نشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنَّ إلا و أنتم مسلمون. أما بعد، فإن الله - تعالى -يقول في محكم كتابه: (وأما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى) ذكر الإمام القرطبي في تفسيره أن الآية نزلت في مصعب بن عميرº وقى رسول الله - صلى الله عليه و آله و سلم - بنفسه يوم أُحُد حتى تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقصُ في جوفه وهي السهام، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متشحطاً قال: (عند الله أحتسبك) و قال لأصحابه: (لقد رأيته و عليه بردان ما تُعرَفُ قيمتهما وإن شراك نعليه من ذهب). لماذا حديث نهي النفس عن الهوى اليوم.. الشباب يقولون: تتحدث عن الأسرة و نحن في جبهات مشتعلة مع نفوسنا في وجه طوفان فساد من حولنا.. أفما من تذكرة؟ فإنَّا نخشى أن لا نصل إلى الأسرة التي تتحدث عنها إلا و قد تصدعت قلوبنا وخارت عزائمنا، وتبددت قوة نفوسنا فما يبقى منا قليلٌ و لا كثير.. و صدقوا فإن أهل الفساد لا يدعونهم حتى يفتنوهم عن دينهم (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وصدقوا فإن أهل الشهوات لا يدعونهم حتى ينحرفوا (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)

، وفي طريق السالك أئمة هدى كلُّ منهم له جولات في فقه النفوس، ومنهم الإمام الجيلاني قدس الله سره، وهو يقول ما مؤداه: \"كل شئ تعتمد عليه وتثق به دون الله فهو صنمك، لا ينفعك توحيد اللسان مع شرك القلبº لا تنفعك طهارة القالب مع نجاسة القلبº الموحد يضني شيطانه و المشرك يضنيه شيطانه، الإخلاص لبٌّ الأقوال و الأفعال لأنها إذا خلت منه كانت قِشراً بلا لب، القشر لا يصلح إلا للنار، اسمع كلامي و اعمل به فإنه يخمد نار طمعك و يكسر شوكة نفسك، لا تحضر موضعاً تثور فيه نار طبعك فيخرب بيت دينك و إيمانك، يثور الطبع و الهوى و الشيطان فيذهب بدينك و إيمانك و إيقانك، لا تسمع كلام المنافقين المتصنعين المزخرفين، العلم يؤخذ من أفواه رجال الحق، لو كان لك خاطرٌ صحيح عرفتهم و صحبتهم، إنما يصح الخاطر إذا تنور القلب بمعرفة الله - عز وجل -، لا تسكن لخاطركº حتى تصحَّ المعرفة و يتبين لك منه الخير و الصحةºغضَّ بصرك عن المحارم و أمسك نفسك عن الشهوات وعود نفسك أكل الحلال و احفظ باطنك بالمراقبة لله - عز وجل - و ظاهرك باتباع السنة و قد صار لك خاطر صحيح مصيب وتصح لك المعرفة بالله - عز وجل -\". (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا * ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلاً * و إن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً * ولولا إن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً)، ولا يبخل علينا الإمام ابن القيم - رحمه الله - بما أكرمه الله به من علم آفات النفوس فيقول لك: \" دافع الخطرةَ فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها فإن لم تفعل صارت عزيمة و همة فإن لم تدافعها صارت فعلاً فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها، واعلم إنَّ مبدأ كل علم اختياري هو الخواطر و الأفكار فإنها توجب التصورات و التصورات تدعو إلى الإرادات و الإرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العادة فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر و الأفكار و فسادها بفسادها، واعلم أنَّ الخطرات و الوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيؤديها إلى التذكرº فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة فتؤديها إلى الجوارح و العمل فتستحكم فتصير عادة فرَدٌّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها و تمامها \". (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد * و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت عنه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * و جاءت كل نفس معها سآئق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطآءك فبصرك اليوم حديد)º ذكر العلامة المناوي في الفتح القدير نقلاً عن الشيخ ابن عربي - رحمه الله - قوله: \"كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به و ما يفعلونه و يقيدونه في دفتر، فإذا كان بعد العشاء حاسبوا نفوسهم و أحضروا دفترهم و نظروا فيما صدر منهم من قول و عمل و قابلوا كلاً بما يستحقه، إن استحق استغفاراً استغفروا أو التوبة تابوا أو شكراً شكروا ثم ينامون، فزدنا عليهم في هذا الباب الخواطر فكنا نقيد ما نحدث به نفوسنا و نهم به و نحاسبها \". فرحمه الله - ما كان أحزمه في حساب نفسه (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك * كلا بل تكذبون بالدين * و إنَّ عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون) 7 ثم يعلمك الإمام المحاسبي - رحمه الله - مما علمه الله فيقول لك: \" و اعلم أن كل عقل لا يصحبه ثلاثة أشياء فهو عقل مكيد: أي مغلوب بالشهوة: إيثار الطاعة على المعصية، و إيثار العلم على الجهل، وإيثار الدين على الدنيا \". (إنَّ هؤلاء يحبون العاجلة و يذرون وراءهم يوماً ثقيلاً * نحن خلقناهم و شددنا أسرهم و إذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً * إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى الله سبيلاً) 8، و بصرت رابعة - رحمها الله - بك بكاد نفسك تجمح فأرسلت لك بيتين لها يذكرانك: تعصي الله و أنت تظهر حبـه   هذا لعمري في الفعال بديع       لو كان حُبَّكَ صادقا ً لأطعته   إنَّ المُحٍ,بٌّ لمن يحبٌّ يطيع      (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)9. ورآك يا ابن الإسلام فقيه الأندلس الإمام ابن حزم، و قد كانت في نفسك وشوشات الشباب و نداءات الهوى فخشي عليك من شهوة طاغية يفلسفها لك شيطان خبيث يرديكº فكتب إليك يذكر لك قصة فتى حبس مع ذاتِ جمال يوما فكان منه ما جعله من أصحاب يوسف - عليه السلام -! يقول ابن حزم بأن شابا من أهل قرطبة و كان آية في الحسن زاهداً عابداًº زار أخاً له في الله يوماً فدعاه إلى المبيت عنده، ثم اضطر صاحب البيت للخروج فذهب على أن يعود مسرعاًº فعرض له ما أخرهº فأغلق الحراس أبواب الدروبº فما استطاع الرجوع إلى منزله.. فلما علمت الزوجة فوات الوقت و أنه لا يمكن لزوجها أن يرجع.. تزينت وتعطرت وقادها الشيطان، وكانت جميلة فاتنة فبرزت إلى الشاب الصالح ودعته إلى نفسها، ولا ثالث لهما إلا الله - عز وجل -º فضعفت نفسه و كاد يقع فيما حرَّم الله.. فرجع إلى نفسه فألجمها.. والمرأة شديدة الإغواء له.. ثم وصل إلى حد لم يعد يستطيع أن يصبر فيه.. وما بقي من مهرب وغلب خوف الله - عز وجل - قلبهº فمد أُصبُعَهُ إلى السراج يقول: يا نفس إن كنت تصبرين على مثل هذا يوم الحساب فافعلي ما شئتº فاحترقت أُصبُعَهُ و أذهل المرأة عن نفسها. (و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشيِّ يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا * وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنَّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) 10، ورآكِ ابن القيم يا ابنة الإسلام، رآكِ والأرض تدك من حولك ليتحطم فيك الخلق و الدين.. يريد الخبثاء أن يحيلوك مادة للدعاية وسلعة للتجارة ورقيقاً أبيض.. يريدون أن يخدعوك فَيُغَلَّفُ لك الفجور بالأدب و الانحراف بالفن و الانغماس في الطين و الوحل باسم الواقع.. ووراءهم جيوش من مخربين و مفكرين، نهاية ما عندهم إسلام بلا التزام.. اسم بلا مسمى.. جسد بلا روح.. أمة بلا فضيلة.. حياة بلا فطرة.. فكر يسكر و يعربد به الماركسي و الملحد و الوجودي و المتصهين و المتغرب.. فكر هو نتاج الصليبية الدولية الحاقدة، والماسونية العالمية الخبيثة و أخلاق يهود المنحطةº فكر يحطم الدين و الخلق و الإيمان والحياء.. فكر لا يعرف خالقاً و لا رباً و لا بعثاً و لا نشوراً، وانظروا في المدارس الفكرية التي تحيط بكم في كل بلاد المسلمين فكل فكر رأيتموه قفز على ما قرره وأثبته كتاب الله - تعالى -فهو فكر مخرب وكم من رجل أو امرأة يتحدثون ويتحدثون عن الإسلام ألف عام و عام ما تسمع من كلامهم دعوة إلى خشية من هذا الخالق العظيم ولا دعوة للحياء من رب هذا الوجود و لا دعوة إلى أن يقول العباد كلهم: لا إله إلا الله في المحراب والمسجدº في السياسة و الاقتصادº في المجتمع و الحضارة، وفي كل جنبات الحياة. يتفلسفون و يتشدقون و يتفيقهون و يخربون و يدمرون ثم يحشرون أنفسهم حشرا تحت ألوية الدعاة و المفكرين و المسلمين.. ماذا ينشرون؟ ينشرون فكراً فلسفته طرح الانهزام في كل صف و الإرجاف في كل نادٍ, و الدس الخبيث الماكر في الدرس و اللقاء و الندوة، رآكِ ابن القيم يا ابنة الإسلام فما هاب كل مكرهم فإنَّ الحقَّ أبلج لا يخفى على أحد.. فانصرف عنهم ليخاطب فطرة فطرها الله فيكِ.. يخاطبك لا خطاب المتفلسفين و المتفيهقين و المتفيهقات.. بل حديث الإيمان و القلب و الروح.. يذكر لك قصة صغيرةº لكِ فيها يا ابنة الإيمان عبرة و أي عبرة نقلها لكِ من كلام الواعظ ابن الجوزي - رحمه الله -، فافتحي قلبك لمعناها.. وذلك أن امرأة جميلة كانت بمكة وكان لها زوج فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحداً يرى هذا الوجه و لا يفتتن به؟ قال: نعمº قالت: من؟ قال: عبيد الله بن عمير [وكان من سادات عباد و زهاد زمانه] قالت: فإذن لي فيه فلأفتننهº قال: قد أذنت لك. قال: فأتته كالمستفتية فوقف معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجهٍ, مثل فلقة القمر حسناً وجمالاً و بهاءًº فقال لها: يا أمة الله استتري، فقالت: إني قد فتنت بك، قال: إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك، قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك، قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرٌّك أن أقضي لك هذه الحاجةº قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: فلو دخلت قبرك و أجلست للمساءلة أكان يسرٌّك أني قضيتها لكº قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم و لا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرٌّك أني أقضيها لك، قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: فلو أردت الممر على الصراط ولا تدرين تنجين أولا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك، قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: فلو جيء بالميزان و جيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك، قالت: اللهم لا، قال صدقت، قال: فلو و قفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك، قالت: اللهم لا، قال: صدقت، ثم قال لها: اتقي الله فقد أنعم عليك و أحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة و الصوم والعبادةº فكان زوجها يقول: مالي و لعبيد بن عمير أفسد علي امرأتيº كانت في كل ليلة عروساً فصيرها راهبة (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات و الصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيما)11. وقد فتن رجل بامرأة فراودها عن نفسها فتمنعتº ثم ضاق ما بيدها و صارت في حال شديدة من الفقر فأتاها فقالت له: بشرط أن نكون في مكان لا يرانا فيه أحد.. فخرج بها إلى الصحراء.. فلما همَّ بها قالت له: أما وعدتني أن لا يرانا أحد فقال لها: وكيف يرانا أحد وما ثمة إلا الكواكب.. فشهقت باكية وقالت: يا غافل فأين مكوكبها.. أين الحق - عز وجل -.. أين خالقها وبارئهاº فقام مذعوراً وأناب إلى الله - تعالى -.. ويقول العلامة الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - موصياً: إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله فإن لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال فإن لم ترجع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس فإذا لم ترجع فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان. وصدق الهادي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذ يقول: (و الله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أُصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) 12. اللهم إنَّا نعوذ بك من منكرات الأخلاق و الأعمال و الأهواء، اللهم إنَّا نسألك حبك و حب من يحبك و العمل الذي يبلغنا حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من نفوسنا و أهلينا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم إنَّا نسألك موجبات رحمتك و عزائم مغفرتك و السلامة من كل إثم و الغنيمة من كل بر و الفوز بالجنة و النجاة من النار من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply