حينما يكون الاستغفار .. ذنباً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تلفتت في وجل، ثم ارتعشت شفتاها بتوتر، وقالت:\"أستغفر الله! إن فلانة لتثير حنقي جدًا، تتقصدني في حديثها دائمًا، ولا أدري هل هي – أستغفر الله – تريد احتقاري، أم – لا عاقبني الله – تريد أن تظهر أنها أحسن مني، على كل حال هي – عسى الله ألا يؤاخذنا- لا تستحق أن أهديها أغلى حسناتي، ولولا أن ليس من عادتي الطعن في أعراض الناس لقلت لكم عنها أشياء مهولة، وأستغفر الله وأتوب إليه..\"!

كم نسمع كثيراً في مجالسنا مثل هذه الكلمات، لمن تفري لسانها في الخلق غيبةً وبهتانًا، وقد اتشحت بمسوح الزهد وظهرت بمظهر الورع، معلنة باستغفارها وجلها وإشفاقها من عثرات اللسان وزلاته، وما علمت هذه المسكينة أنها قد وقعت في الحمى وتعدت إلى الحرام، وصار هذا الاستغفار حجة عليها، تنبئ عن إقدام على الذنب بقلب بارد، عالم بحرمة ما اقترفته مستغفرة باللفظ فقط مما جنته.

ولو أن هذا الاستغفار الذي أنتنت حروفه لما ضمنته قذر الغيبة وأوحالها، خرج ذكرًا صافيًا من فؤادها وغرس جذوره طاعة مخلصة في نفسها، لكان لألفاظه نور متلألئ يجر أذياله هيبة وخشوعًا، والتجاءً إلى الله ودموعًا، فيثبت الله قلبها ويعينها على الطاعة، وعلى الصبر عن محارم الله، ويوفقها إلى حفظ لسانها من سقط الكلام وفضوله.

إن الاستغفار ذكر لا يقوم إلا على افتقار القلب إلى الله، وشعوره بمدى حاجته إلى عفوه وتوبته ومغفرته، ليمحو عنه أثقال الذنوب التي أرهقت كاهله وقبضت على نفسه، فكيف يكون هذا الذكر العظيم في ثنايا الخطايا مدرجًا، وبين كبيرة وموبقة مترددًا؟!

\"إذا اشتهيت الكلام فاصمت، وإذا اشتهيت الصمت فتكلم\"، هذه حكمة عظيمة عظيمة، تنير السبيل لمن اختلج الحرام في صدرها وأرادت له نطقًا، ومن غيرها انتقاصًا وانتقامًا، ولنفسها إظهارا وشرفًا، وتظن أنها إن ضمنت حديثها ذكر الله وزخرفت أقوالها باستغفاره، ستحمي الضمير والقلب من ضنك الخطايا وعذاب الإثم!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply