خزانات التفكير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن صناعة الأحداث البارزة في حياة الأمم والمجتمعات بحاجة إلى ثلة من المفكرين يتفرغون للتفكير، ولا شيء غير التفكير، لا من أجل تتبع الأحداث والاستجابة لمتطلباتها فقط، وإنما من أجل التفكير للمستقبل وصناعة الأحداث.

نعم، نحن بحاجة إلى خزانات للتفكير (Think Tanks)، لتقود الأمة وتسلك بها طريق النجاة، ومن غيرها ستتخبط وتتيه في طرق متشعبة وفق أهواء فردية وربما نفوس ضعيفة مريضة.

لا يليق بأمة جادة عازمة على النهوض أن تفكر بعقول غيرها ممن لا يرقبون فيها إلاًّ ولا ذمة، ولا يجوز لها أن تكون كريشة في مهب الريح حائرة.

كما يقبح بصناع التأثير ومهندسي الحياة أن تكون قراراتهم وتحركاتهم عبارة عن ردود للأفعال فحسب، إنما عليهم أن يأخذوا بزمام المبادرة، وأن يتأملوا الواقع ويستشرفوا المستقبل ومن ثمَّ يستعدوا لهما، ولا يكون ذلك خبط عشواء، وإنما يكون بأولئك الذين تفرغوا لهذه المهمة الخطيرة والتي لا يستخف بها من كان له وعي وعقل.

إننا بحاجة إلى عصارة فكر المفكرين، وإلى استثمار هذه العقول وجمعها في مجامع يمكن من خلالها طبخ القرارات الاستراتيجية، وإلى إدراك أن النهوض يحتاج إلى \"خزانات للتفكير\" لها احترامها وتقديرها ومكانتها الفعلية في صياغة الأحداث وصناعة التأثير وفي المساهمة في قيادة الأمة.

لذا يحسن بمن يريد أن يكون مؤثراً في هذه الحياة أن يعتني بعقله وتفكيره، وأن يعي الواقع الذي يعيشه ويفك طلاسمه، وأن يكون في يقظة دائمة، وأن يستخدم ذكاءه وفطنته، وأن يحذر من أن يعطي عقله إجازة مفتوحة، فنحن في عصر لا مكان فيه للحمقى ولا للأغبياء، ومن لم يتأمل الأمر بعيني عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقالته.

وصدق من قال:

فعقل المرء أحسن حليتيه * * *  وزين المرء في الدنيا الحياء

قال بعض الحكماء: من أيقظ نفسه وألبسها لباس التحفظ أيس عدوه من كيده له وقطع عنه أطماع الماكرين به.

وقالوا كذلك: اليقظة حارس لا ينام، وحافظ لا ينسى، وحاكم لا يرتشي، فمن تدرع بها أمن من الاختلال والغدر والكيد والمكر.

وقد سئل بعض الفقهاء عن الحيل في الفقه، فقال: علمكم الله ذلك فإنه قال: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث (ص: 44)، ذلك أن أيوب - عليه السلام - كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته، قيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله - تعالى - يضربها مئة جلدة، وقيل لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله - عز وجل - وعافاه ما كان جزاؤها من هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابَل بالضرب، فأفتاه الله - عز وجل - أن يأخذ ضغثاً وهو الشمراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد برت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، وكان يقول: \"الحرب خدعة\".

وكان يقال:ليس العاقل الذي يحتال للأمور إذا وقع فيها، بل العاقل الذي يحتال للأمور ألا يقع فيها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply