رسالة إلى كل شاب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

على الشباب المسلم على طريق الله- تبارك وتعالى- أن يكون قادرًا على تعميق إيمانه، والانتقال من مرحلة أكثر إيمانًا، وأن يضع أمامه النموذج الأمثل الذي رسمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لصحابته في المرحلة الأولى من الدعوة: مرحلة دار الأرقم، وهو واضح لا خفاء فيه، يملأ صفحات كتب السنة والسيرة.

 

ذلك أنه ليس للمسلمين اليوم من طريق صحيح إلا باتخاذ نفس المنهج الأسلوب الذي سار عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأن يكون كل مسلم قادرًا على أن يقول ما قاله والد الشاعر محمد إقبال له: \"اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك\"، وأن يكون كل تعامل الشباب المسلم مع المجتمع على ذلك النسق الذي رسمه النبي- صلى الله عليه وسلم - في الرفق في النصح، وفي سلامة الصدر، وفي حسن البادرة، وفي إيثار الكلمة الطيبة والإغضاء والتجاوز عن العثرات والأخطاء، هذا في أسلوب بناء الشخصية.

 

أما في العمل للدعوة الإسلامية، فإنه يجب أن يكون قادرًا على فهم كيف يتحرك العالم من حولنا، وما موقفنا نحن المسلمين منه، وما دورنا في العمل لتذليل سنن الكون لتحقيق دورنا، وتمكيننا من امتلاك إرادتنا.

 

وأن يكون هناك- أولاً- ذلك الإيمان الذي لا يتزلزل بأن الإسلام والإسلام وحده هو القادر على تصحيح مسيرة المسلمين ومسيرة البشرية كلها.

 

وأنه لم يعد هناك شك في هذا بعد أن سلم عباقرة الفكر الغربيون بذلك، وأعلنوا ذلك صراحة بعد أن تحطمت القيم التي نشرتها الحضارة الغربية وعجزت مناهجها وأيديولوجياتها عن أن تُدخِل على نفوس الناس شيئًا من الأمن أو السكينة أو الرحمة أو الإخاء.

 

هذا الإيمان الواثق بقدرة الإسلام هو مفتاح العمل الإسلامي الحقيقي، ومن هنا يكون التصدي للتيارات الوافدة التي تحاول احتواء الشباب المسلم ومحاصرته وإغوائه.

 

هذه التيارات تدور على محورين كبيرين:

الأول: دفع الشباب إلى مفاهيم منحرفة من حيث الغلو والحماسة المفرطة، وإخراج الشباب من طبيعة الإسلام المعتدلة السمحة.

 

الثاني: دفع الشباب إلى مفاهيم مغلوطة من حيث الاحتواء والترغيب وإغراؤه بالخروج من حظيرة الدين تمامًا.

 

ولا ريب أن المغريات كثيرة، وهي براقة لامعة، ولكن عمق الإيمان بالله والتقوى والخوف من المسئولية، كلها قادرة على أن ترد المسلم عن الوقوع في المآزق.

 

وعلى الشباب المسلم أن يكون موقنًا بأنه يملك أعظم المناهج وأقدرها على إسعاد البشريةº لأنها المنهج الرباني الذي وضعه الخالق الأعظم، العارف بأعماق هذه النفس الإنسانية وما يصلحها، وهو منهج طبقته البشرية أكثر من ألف سنة، وسعدت به، ويجب أن نكون على إيمان بأننا قدمنا للإنسانية عملين من أكبر الأعمال التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، فالإسلام والإسلام وحده هو الذي أخرج البشرية من عبادة الأوثان والأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، والإسلام هو الذي أخرج الناس من عبودية الملوك والأباطرة في حضارات الروم واليونان والفرس والهنود والفراعنة، وحررهم من الرق الذي كان قاعدة أساسية في كل هذه الحضارات.

 

إننا يجب أن نزدهر بتاريخنا ودورنا في بناء الحضارة وتقديم الإيمان والأمان للعاملين، وقد حفل تاريخنا بالمواقف الكريمة السمحة، وحفل أساسًا بأخطر من ذلكº وهو بيع الأنفس والأموال لله- تبارك وتعالى- في سبيل نصرة دينه وإعلاء كلمته، ويجب أن نكون على إيمان كامل بأننا مازلنا على هذه البيعة مع الله- تبارك وتعالى- ما حيينا، فالجهاد في سبيل الله هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامةº حماية لديننا وأرضنا، وإننا موكلون بأمرين: بالمرابطة في الثغور، وبإبلاغ العالمين هذه الدعوة إلى توحيد الله- تبارك وتعالى- وإن علينا أن نحرر كل شبر من أرض المسلمين اليوم مهما كلفنا ذلك من تضحية، وإن علينا التمكين لدين الله في الأرض وإقامة دولة الإسلام العالمية وإعادة الخلافة الإسلامية، وتحرير اقتصادنا من نفوذ الربوية العالمية، وإقامة السوق الإسلامية المشتركة، وتأكيد معنى الانتماء للإسلام، بمفهومه الجامع الذي يتقبل الوطنيات، والقوميات في دائرته، وحماية اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم، وأن نبدأ مناهجنا التربوية بالقرآن والسنة.

 

وعلينا أن نتقارب في المذاهب ونتلاقى، وأن نبعد عن الخلاف والفرقة، وأخطر ما يطلب منا أن لا نتعجل قطف الثمار قبل أن تنضج، وألا نقفز على سنن الله التي تحتاج إلى زمن حتى تصبح قادرة على تقبل الأصيل بعد أن طال الزمن بالأمة في ظل التبعية، وسنن الله لا يمكن مصادمتها لأنها غلابة، ولكن يمكن فعاليتها واستخدامها وتحويل تيارها، وكل شيء له أوان، وكل شيء بأجل مسمى، والإنسان لا يولد كبيرًاº وإنما بأطوار سبعة.

 

وهذا هو أسلوب النبي- صلي الله عليه وسلم- الذي استعمله، وليس هناك أسلوب غيره، وعلينا أن لا ننشغل بالفرعيات عن الأمور الكبرى، وأن يكون منهجنا الحوار بدلاً من الجدل، فما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل، وأن يكون منطلق الإصلاح من الواقع نفسه بعيدًا عن مواطن الخلاف، وأن نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، وعلينا بالصبر والثبات والصمود والمرابطة في وجه الحملات المثارة، وأن نؤثر دائمًا منهج الاعتدال والتوسط، والقدوة هي قاعدة العمل كله ونبراسه، وعلينا ألا نفصل بين التربية والسلوك، ولا بين المنهج والتطبيق.

 

وأخيرًا فلنؤمن بأن منهج الإسلام هو منهج العصر ومنهج الغد، وأن البشرية لن تجد أمامها سبيلاً إلا أن تذعن له، وتؤمن به، مهما طال بها زمن العقوق.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply