تسلية للدعاة فقط


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(بين يدي الرسالة)

أيها المربي:

إنها كلمات اهديها إليك ورسالة إرسالها إليك لعلها تكون منفسا لك وحافزا لك على العمل في هذه المحاضن التربوية.

أيها المربي لابد أن نبدأ في تربيتنا من منطق الإخلاص لله وان ننهج في تربيتنا لمن حولنا منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تربيته لأصحابه - رضي الله عنهم - وان لا نضيق ذرعا بهروب من تحت أيدينا منا فهذه سنه الله في خلقه والله - سبحانه - له الحكمة البالغة، فهو يريد منا العمل ولا يريد منا النتائج.

 

أيها المربي:

يقول الله - سبحانه وتعالى - ((فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)) ويقول أيضا ((وما أكثر الناس ولو حرصت عليهم بمؤمنين)) ويقول كذلك ((وان تحرص على هداهم فان الله لا يهدي من يضل..... )). يقول ((انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)) ويقول أيضا ((إِن عَلَيكَ إِلَّا البَلَاغُ... )).

 

أيها المربي:

يقول الداعية المعروف الشيخ / ناصر العمر - حفظه الله - ((طريق الدعوة طريق شاق مليء بالعقبات والمحن والابتلاءات وقليل من الدعاة من يجتاز هذا الطريق وهو ثابت على دعوته ملتزما بمنهجه!! وكثيرا من الدعاة عندما يسير في الطريق ثم يجد أن الأعوام تمضي وهو لم يحقق شيئا مما يدعو إليه ثم يحاول مره أخرى ولا يرى أثرا مباشرا لدعوته تبدأ عنده الشكوك والأوهام فمرة يتهم نفسه وأخرى أتباعه ثم يصل في النهاية إلى أن هؤلاء القوم لا تنفع معهم دعوه ولا تربيه فيقول لنفسه \" كفاني ما كفاني وعليك بخاصة نفسك والسلام \"((((ويعذر نفسه بدليل قوله - تعالى -)))) (وليس عليكم هداهم) (1) وأيضا (ولا يضركم من ظل إذا اهتديتم) (2) فيفهمها فهما خاطئا)).

يضعها في غير موضعها وهنا ييئس من دعوة قومه ويقنط من هداية الله لهم ثم يعتزل الدعوة ويتركها وشانها.

ومن منشأ هذه النتيجة التي وصل إليها عدم إدراكه واستيعابه لحقيقة الانتصار وانه قد يكون صبره على قومه مع عدم استجابتهم أعظم أجرا وذخرا ونصرا له مما لو آمنوا بما يدعو إليه واتبعوه. (3)

وله في ذلك أسوة حسنه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم فكم من نبي دعا قومه إلى توحيد الله ولم يستجيب له احد أو يؤمن معه نفر قليل كنوح - عليه السلام - وغيره من صح عنه - صلى الله عليه وسلم - انه قال: ((يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه احد)).

 

أيها المربي:

إذا لم يستطيع الدعاة النصر فاحسب أنهم كانوا كما قال سيد قطب - رحمه الله - (أجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا.. عملوا وقبضوا الأجر المعلوم! وليس عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير فذلك شان صاحب الأمر ولا شأن الأجير. (4)

ويقول الداعية محمد الراشد - حفظه الله - في كتابه المنطلق (لا ينبغي لداعية أن ييئس إن لم يجد فضل وقت لقيام الليل يوميا والإكثار من ختمات القران فان ما هو فيه من تعليم الناس تربيه للشباب وخيرا واجزل أجرا وقدوته في ذلك السلف الصالح الذين كانوا يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها ويحتكون بالناس ولا ينتظرون مجيء الناس لهم لسألوهم انظر مثلا إلى الأعرابي الذي سال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أركان الإسلام فلما اخبره بها قال: لا أزيد عنها ولا انقص (كيف كان سؤاله بان قال لنبي صلى الله عليه ويسلم أتانا رسولك فزعم لنا انك تزعم أن الله أرسلك).

أتاهم ورسوله داعيا لأنه - عليه السلام - كان يرسل بعض الصحابة لتدعوهم إلى الإسلام ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية (ويقول والله لا نجاح في لدعوة إن أعطيناها فضول أوقاتنا ولم ننسى أنفسنا وطعامنا).

وقال أيضا: كان الإمام احمد - رحمه الله - (إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد سال عنه وأحب أن يعرف عن أحواله.. ولم يكن بالمنعزل الهارب من الناس ولا يكون داعية اليوم إلا من يفتش عن الناس ويبحث عنهم ويرحل للقاؤهم ويزورهم في مجالسهم ومن انتظر مجيء الناس إليه في بيته فان الأيام تبقيه وحيدا ويتعلم فن التثاؤب (لابد من الاتصال في بالناس لابد من ترك هموم الدنيا بضع ساعات في كل يوم تتجه فيها إلى الله داعيا أن يعين بك ضالا فتهديه بعد الله... ) ثم قال: الإسلام اليوم لا يحتاج مزيدا من البحوث في جزيئات الفقه بقدر ما يحتاج إلى دعاة يتكاتفون) (5)

ويقول عبد القادر الجيلاني - رحمه الله - (المتزهد المبتدئ في زهده يهرب من الخلق والزاهد الكامل في زهده لا يهرب منهم بل يطلبهم لأنه يكون عارفا لله - عز وجل - ومن عرف الله لا يهرب من شيء ولا يخاف من شيء سواه)

 

ويقول الراشد في المسار: يجب علينا في دعوتنا إلى الله أن نأخذ في الأسباب وأما الهداية فمن الله وعليه التكلان ويجب بنا أن نتوقع تساقط البعض أثناء المسير لئلا نيئس إذا حصل هذا التساقط ونصدم وعلى أن لا يلوم نفسه أن رأى رجوع من دعاهم على عق بيه وهروبهم بعد التعب معهم فان من الناس من حكم الله عليه بالضلال لذنب اقترفه أو لأمر أخر نجهل حكمة الله فيه ولئن رجع المدعو ناكصا فان داعيته يرجع بالأجر مليئا.... فاغرس غرسك أيها الموفق تجد لثمره إذا أثمر لذة على انك لست المؤلف ولكن الله ألف بينهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم.... الأنفال (6)

 

ويقول الأستاذ مصطفى مشهور ((لنثبت يا أخي على طريق الدعوة فلا تزال قدم بعد ثبوتها وتضل على الطريق ولا نمل السير كل وقت في كل مكان ولو كان الواحد وحده في أقاصي الأرض أو في أعماق السجون ومستشعرين معينه الله فهو نعم المولى ونعم النصير ولا تمل السير يا أخي لو تباعدت أمام ناظريك تباشير النصر وأثمار أعمالك وجهادك فالله - سبحانه - من رحمته بنا يحاسبنا على الأعمال والنيات ولا يحاسبنا على النتائج)). (7)

وقل اعملوا فسيجزي الله عملكم ورسوله.....

 

ويقول الدكتور عبد الودود شلبي (اذكر إنني ترددت كثيرا على مركز من مراكز إعداد المبشرين في مدريد وفي فناء المبنى وضعوا لوحة كبيرة كتبوا ((أيها المبشر الشاب نحن لا نعدك بوضيفة أو عمل أو سكن أو فراش وثير وأننا نذكرك بأنك لن تجد في عملك التبشيري إلا التعب والمرض كل ما نقدمه أليك هو العلم والخبز والفراش الخشن في كوخ صغير أجرك كله ستجده عند الله إذا أدركك الموت وأنت في طريق المسيح كنت من السعداء..... )). (8) قال البلالي معلقا على ما مضى: هذا يقال لمن هم على الباطل وليس لعملهم مهما كثر إلا النار ومع هذا كله فان هذا الكلام قد حرك المئات من المبشرين من أنحاء العالم من حمله شهادات الطب والصيدلة... لذهاب إلى الصحاري القاحلة والتي لا توجد فيها إلا الخيام والمستنقعات المليئة بالنتن والمكروبات والمكوث هناك السنين الطوال دون راتب لا حض عبارة دون راتب)) ودون منصب ولو أراد الواحد منهم العمل بمؤهله لربح مئات الآلاف من الدولارات ولكنه ضحى بكل هذا من اجل الباطل الذي يعتقد بصحته. أيجوز بعد هذا أن يتذرع بعض من لم تسري الدعوة في عروقه مسرى الدم وهو متكئ على أريكته بالحديث الضعيف \" روحوا القلوب ساعة فساعة \" ضعفه الألباني \" متخذا من هذا الحديث عذرا له لخلف عن الركب..... ) (9)

 

يقول الإمام حسن البنا - رحمه الله - \" أيها الأخوان المسلمون اسمعوها مني كلمة عالية داويه من فوق هذا المنبر: إن طريقكم هذا مرسم خطواته موضوعه حدوده ولست مخلفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها اسلم طريق للوصول اجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال وخير له أن ينصر عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات ومن صبر معي حتى تنموا البذرة تنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ولن يفوننا وإياه اجر المحسنين وأما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة \" (10)

 

ويقول الإمام الاصفهاني - رحمه الله - \" من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة حب الهوينا يكسب التعب وقيل: أن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب)(11)

فالذي ينغمس بالعمل التربوي والدعوى ويكون صادقا مع الله يتلذذ بالحركة فتنسيه التعب فالسعادة ليست بالسكون والخمول بل في الحركة في الميدان والعمل لهذا الدين وكما قيل: في الحركة بركة، وقال ابن القيم - رحمه الله - من اثر الراحة فأتته الراحة.... )) وسؤل الإمام احمد - رحمه الله - متى الراحة قال: الراحة يوم أن تضع قدمك في الجنة.... ).

 

-----------------

1) البقرة صـ272ـــــ

2) المائدة صـ105ـــــ

3) حقيقة الانتصار صـ12ـــــ

4) معالم في الطريق صـ181ـــــ

5) المنطلق صـ120ــــ

6) المسار صـ161ــــ

7) طريق الدعوة صـ140ــــ

8) في محكمة التاريخ صـ80 ــــ

9) المصطفى من صفات الدعاة صـ312ــــ

10) مجموعة الرسائل صـ127ــــ المؤسسة الإسلامية

11) الذريعة إلى مكارم الشريعة صـ268ــــ

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply