عقبات في طريق الدعاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

1- من المعوقات والعقبات التي تعترض من دعا إلى الله تبارك وتعالى-: الأذى والابتلاءº من قولٍ, أو فعلٍ,، قال - تعالى -: ((لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ)) (آل عمران: 186).

 

ومن ذلك أيضاً أن يستبطئ النصر والفرج، قال - تعالى -: ((أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) (البقرة: 214).

وقال - تعالى -: ((حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرٌّسُلُ وَظَنٌّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا)) (يوسف: من الآية110).

 

2- ومن المعوقات التي تحتاجُ إلى صبرٍ, ومصابرة، تكالب الأعداء، من ملل الكفر على الإسلام وأهله، وكيدهم لهذا الدين، وإنَّ ذلك كيدٌ عظيم، كما قال - تعالى -: (( وَإِن كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ)) (إبراهيم: من الآية46).

 

ومواجهته تحتاج إلى صبر، وإلى تمسك بالتقوى، كما قال - تعالى -: ((وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ)) (آل عمران: من الآية120).

 

والتقوى هي: التمسك بطاعة الله واجتناب معصيته، فإذا صبر المسلمون واتقوا وساروا على المنهج الحق، فإن الله - عز وجل - يحفظهم، ويدافع عنهم: ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبٌّ كُلَّ خَوَّانٍ, كَفُورٍ,)) (الحج: 38)

 

ولقد أوذي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وابتلوا بسبب طاعة ربهم في الدعوة إلى الله- تبارك وتعالى -فصبروا حتى نصرهم الله - عز وجل - وأيدهم، وليس النصر مقتصراً على الحياة الدنيا، بل أيضاً يوم يقومُ الأشهاد، فبعض الأنبياء قُتل، وبعض الأنبياءِ لم يُستجب له، وسينصرهم الله - عز وجل - يوم القيامة، كما أنَّ الله - سبحانه - نصر الأنبياء بمحمدٍ, - صلى الله عليه وسلم - وبأمته، فنوح - عليه السلام - أوذي أذىً شديداً، وبقي في قومهِ ألف سنةٍ, إلاَّ خمسين عاماً، وما آمن إلاَّ قليل، كما أخبر ربنا تبارك وتعالى، وقد ابتلي بوح - عليه السلام - بزوجته، وابتلي أيضاً بكفر ولده، وصبر - عليه السلام - لذلك أثنى الله - عز وجل - عليه، وجعله من أولى العزم من الرسل الذين أمر محمد- صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبرهم، وأن يقتدي بهم، كما ابتلي إبراهيم - عليه السلام - وأوذي أذى شديداً فابتلي من قومه، وابتلي عن طريق أبيه، ثم لمَّا قذفوه في النار، نصره الله - عز وجل - نصراً مبيناً: (( قُلنَا يَا نَارُ كُونِي بَرداً وَسَلاماً عَلَى إِبرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيداً فَجَعَلنَاهُمُ الأَخسَرِينَ)) (الأنبياء: 69- 70).

 

كما ابتلي موسى - عليه السلام - من طاغوت من أكبر الطواغيت الذين شهدهم التاريخ منذ أن خلقَ اللهُ الأرض ومن عليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنَّه فرعون، وما أدراك ما فرعون! إنَّ فرعون يتعلم منه الطواغيت إلى يوم القيامة طرق محاربة ما جاءت به الرسل - عليهم السلام -، لقد أوذي موسى وقومه أذىً شديداً، ((وَقَالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَومَهُ لِيُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ)) (لأعراف: 127).

 

فبماذا واجه موسى - عليه السلام - ((قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنَا وَمِن بَعدِ مَا جِئتَنَا قَالَ عَسَى رَبٌّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُونَ)) (الأعراف: 128، 129).

 

ولقد أهلك الله - عز وجل - عدوهم واستخلفهم في الأرض قال - تعالى -: ((فَانتَقَمنَا مِنهُم)) يعني من فرعون وجنوده.

 

((فَأَغرَقنَاهُم فِي اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ، وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكنَا فِيهَا وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنَى عَلَى بَنِي إِسرائيلَ)) (الأعراف: 136، 137).

 

بم؟ ما هو المؤهل؟

 وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنَى عَلَى بَنِي إِسرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرنَا مَا كَانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَمَا كَانُوا يَعرِشُونَ)) (الأعراف: 137).

وإذا أردت شيئاً من نبأ فرعون فاستمع إلى قول ربك جلا وعلا -: ((نَتلُو عَلَيكَ مِن نَبَأِ مُوسَى وَفِرعَونَ بِالحَقِّ لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ)).

 

 ((إِنَّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعاً يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ)) (القصص: 3- 6)

 

وإذا أعجبت أخي المسلم! فاعجب!! إنَّ الرجل الذي دمر الله فرعون على يديه: هو الرجل الذي تربى في قصر فرعون، فالله - عز وجل - ينصر أولياءهُ ويدمر أعداءه، وهذه سنته ((وَكَانَ حَقّاً عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ)) (الروم: من الآية47).

 

أما خاتم النبيين، وأشرف المرسلين محمد- صلى الله عليه وسلم - فقد أوذي في الله - عز وجل - وما يؤذي أحد، ولقد أخيف في الله - عز وجل - وما يخاف أحد، لقد آذوه في جسده الشريف، ولقد آذوه بأقوالهم وألسنتهم، لقد جاء عدو الله الفاسق عقبة بن أبي معيط، ووضع على عنقه- صلى الله عليه وسلم - الثوب وخنقه خنقاً شديداً، حتى جاءَ أبو بكر رضي الله - تعالى -عنه فدفعهُ عنه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقولَ ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم.

 

وجاءه هذا الشقي أيضاً وهو ساجد بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم - فوضع على ظهره الشريف سلا الجزور، فظل- صلى الله عليه وسلم - ساجداً حتى جاءت ابنته فاطمة - رضي الله عنها - فنظفت ظهرهُ، وأزالت ما به من أقذار.

 

هذا هو محمد- صلى الله عليه وسلم - أشرف الخلق، ولم تقنع قريش بذلك، فحاصروه - صلى الله عليه وسلم - في شعب أبي طالب هو ومن آمن معه، ومن نصره من أقاربه، حتى ولو كانوا غير مسلمين، حاصروهم في الشعب ثلاث سنوات.

 

وما أدراك ما هذا الحصار، إنَّهُ يقوم على دعامتين.

أولاهما: مقاطعةً اجتماعية تامة، فلا يتزوجوا ولا يتزوج منهم.

وثانيهما: مقاطعةً اقتصاديةً تامة، فلا يشتري منهم، ولا يباعون، ولا يسمح لهم أن يشتروا ممن يقدمُ على مكة متاجراً، حصار لم تعرف له الأرض مثيلاً، لم تصل إليه بعد شياطين الإنس والجن قبل قريشº ثم فرَّج الله - عز وجل - عن نبيه ويسر له أنصاراً وأعواناً، ويسر الهجرة إلى بلد ينتشر فيه نور الإسلام، ويكون قاعدة لدولة الإسلام، ثم ينصره الله- تبارك وتعالى -على قريش في سنوات قلائل، وكما آذوا المصطفى –صلى الله عليه وسلم- بأفعالهم، فقد آذوا بأقوالهم، ولقد أعملوا الامكا نية الإعلامية، التي يملكونها في تشويه صورة الرسول –صلى الله عليه وسلم-، قالوا: شاعر، كاهن، ساحر، وقالوا: إنَّه مفتر، وما جاء به سحر، حتى بلغ من شدة ادعاءاتهم وافتراءاتهم وأكاذيبهم، أنَّ الرجل إذا أراد أن يقدم مكة يضع في أذنيه قطناً حتى لا يستمع إلى محمد –صلى الله عليه وسلم-، وأذكر هنا قصةً واحدةً مما ذكره أهل السير:

 

انتقل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليعرض الإسلام على القبائل، فمر على قبيلة من قبائل العرب يقال لهم بني شيبان، هذه القبيلة تسكن على شواطئ نهر الفرات، أنَّها تجاور الفرس، فعرض عليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، ثم وعدهم أنَّهم إن أسلموا وأطاعوه، أنَّ الله - عز وجل - يُمكنهم من أهل فارس، ومن ملكهم، ونسائهم وأولادهم، فجاء عدوَّ الله أبو لهب، وإنَّها لعبرةٌ للمعتبر، أن يكونَ الذي يتحمل وزر تشويه دعوة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- هو عمه؟! فقال: ماذا قال لكم؟ قالوا: قال: كذا وكذا، فقال: إنه مجنون، إنَّه يهذي من أم رأسه، فيقول هؤلاء: لقد علمنا ذلك حينما ذكر ما ذكر من أمر كسرى ومعنى هذا: إنَّهم قالوا لقد علمنا أنَّهُ مجنون حينما وعدنا أننا نتمكنُ من أرض فارس، ونستعبدهم، ونأخذ أولادهم ونسائهم سبايا.

 

وتعجبني في هذا كلمة قالها أحد الدارسين لسيرة المصطفى–صلى الله عليه وسلم- إذ قال: إنَّ هؤلاء القوم كانوا من شدةِ ذلهم وخوفهم من كسرى، بحيث إنَّهم لا يصدقون أنَّه بالإمكان أن ينتصروا عليه، أو أن ينتصرَ العرب على الفرس والروم، ولكنه كان وعد الله.

 

وما أشبه الليلة بالبارحة، فإنَّ العرب اليوم لا يصدقون أبداً، ولا يخطر ببالهم أنَّهُ بالإمكان أن ينتصروا على أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، ومن قال بذلك ربما يقولون عنهُ كما قال أبو لهب، وكما قالت بنوا شيبان عن رسول الله r، ربما قالوا عنه: إنَّهُ مجنون.

 

ولقد أوذي أصحاب المصطفى الكريم –صلى الله عليه وسلم- حتى فرٌّوا بدينهم إلى أرض الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، أوذي بلال، وما حصل لبلا ل معروف مشهور، وأوذي خباب، حتى كانت توضع له قدور النحاس في النار حتى تلتهب، ثم توضعُ على ظهره فيشوي ظهره، ويسيلُ منه الودك وهو الدهن فجاءَ خبابُ بعد ما مسَّهُ من أذى هو وأصحابه إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو متوسدٌُ بُرداً له تحت ظل الكعبة. قالوا: يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فيقول - عليه الصلاة والسلام - بعد أن يجلس: ((إنَّ من كان قبلكم ينشر أحدهم بمنشار حديد، من مفرق رأسه إلى قديمه، ويمشطُ جسمه بأمشاط الحديد ما بين العظم واللحم، ما يصدهُ ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلاَّ الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) [1].

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply