الدعاة . . واللبن المضاع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إن المتأمل لحال كثير من الدعوات والنداءات الإصلاحية أو السياسية أو الاجتماعية..سواءً كانت جماعات أو وحداناًº معرضة للنجاح، أو الفشل، أو الموت في مهده.

 

وكل واحد من أصحاب هذه الدعوات أو النداءات يبذل طاقته، وما أوتي من قوة لتحقيق بغيته، ويطمع ويحلم بالنجاح، وقطف ثمرة دعوتهº فمن مستعجل لقطف نتائج جهده، ومشاهدة سعيه على الواقع، ومن لا يعنيه معاينة جهود ثمرته، أو السماع بها ولو من بعدº لعلمه اليقين أنه لمن لوازم نجاح الدعوة أو الفكرة أن تُعاين تمشي على الأرض، ويستظل بظلالهاº لأنه سيأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي نبي وليس معه أحد، وكلاهما قد أدى ما عليه، وحاز السبق في دعوته، ولأنه قد تأتي أجيال قادمة ولو بعد سنين تنهل من ثمرة هذه الدعوة، وينير دربها تلك الرسالة التي سُلت السيوف من أجلها، وتستظل بظلال ذلك المنهج الذي عانت الروح المشاق من أجله.

 

ومن بدهيات التاريخ أنه لا يمكن تحقيق غاية من الغايات، أو مبدأ من المبادئ إلا بالثبات عليه، والمنافحة والذود عنه، والتضحية من أجله، وتحمل تبعات الصمود، وعدم النظر إلى بنيات الطريق.

 

ومما لا شك فيه أن نجاح الدعوة أو الإصلاح مرهون بأسس ومقومات النجاح، من بدأ الهم بالدعوة إلى ما بعد الانتهاءº إذ لا بد لأي مشروع أن يمر بمرحلة الهم ثم التفكير، ثم التخطيط الذي على إثره يبدأ العمل والتكوين، ومن ثم يتحوّل إلى عالم الوجود الذي يتطلب الفاعليه والإمساك بهº لأنه رأس مال الدعوة الناتج عن جهود معنوية وحسية استغرقت وقتاً ليس بالقليل.

 

وهذه الأسس لا بد من النظر فيها بين الفينة والأخرى: هل تم التقيد والامتثال بها، والسير على ما رسمته؟ وتمحيصها من الداخل، ونزع ما يعلق بها من شوائب.

 

وهذه الأسس والمقومات التي لا بد من تواجدها في الحركات الإصلاحية أو الدعوية أو السياسية... تزيد تارة في دعوة، وتنقص في أخرى، وبعضها يصلح في حركة، وآخر لا يصلح للحركة الأخرى فكل بحسبه.

 

معرفة طبيعة المستهدفين بالدعوة والطرح، وقابليتهم لهذه الدعوة من عدمها، وأي الأفكار والأطروحات يبدأ بها، والاستعداد بالأدلة والبراهين التي تساند الطرح (يا معاذ إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله...... ).

 

فليدخل مع الباب الذي يؤدي إلى نجاح دعوتهº لا مع الباب الذي يهتم برفع أسهم مؤيديه وكثرة الملتفين حوله أو استباق مصالح وأغراض شخصية (مطرزة بمصالح دينية، أو اجتماعية)، فيطرح بعض الأطروحات التي تدغدغ مشاعر السامعين، وتصرف الأعناق إليه حتى وإن كانت من متطلبات دعوته.

 

فلقوة تلك المصائب، وما حلّ بطرحه الذي على إثره تأخر مد دعوته يبدأ بإعادة حسابته، والنظر في صف أورقهº ومن ثم يتبنى آراء وأفكار، ويطرح طروحات تناهض ما سبق طرحه، وكان من قبل يتحاشاهاº بحجة سحب البساط من تحت الغير تارة، و بحجة أن هناك ثوابت ومتغيرات تارة أخرى.

 

التاريخ والواقع فيهما دروس وعبر فلا بد لصاحب الدعوة أن يستفيد من الدعوات والحركات الأخرى، سواءً كانت السابقة أم الحاضرة فيظفر بالإيجابيات ويتحاشى السلبيات من طريق إيصال الدعوة أو لغة الخطاب أو أسلوب الطرح إلا أن كثيراً من الإصلاحيين لم يستفد ممن حوله، وبدأ من حيث انتهى الناس.

 

ومما تطلبه المبادئ والمناهج السير ببطء، وعلى اطمئنان، مع صبر على قوارف الدهر صابر العارف البصير الواثق من الغاية المرسومة، فالذي لا يتم في الجولة الأولى أو الثانية يتم في الرابعة أو المئة، أو الألف، فالزمن ممتد والغاية واضحة.. وإن النجاح مع الأناة ببطئه خير من الإخفاق بالإسراع مع علمك أن الخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق، باقية بقاءه في الأرض.

 

وإن نسينا فإننا لا ننسى الثناء المفرط، والإطراء العاطفي، والمدح اللامحدود على فئام من الناس لاسيما الشباب منهم لوعيهم، وإدراكهم، وحسن تعاملهم مع كل جديد، ولقبولهم للحق من أين كان، ولردهم لغير الحق إلى صاحبه وعدم الأخذ به ولو كان من عِلية القوم وفقيههم، حبهم لسماع الحقيقة، قلنا ذلك لما أصغت الأذان إلينا، واشرأبت الأفئدة إلى ما نقول، ولقيت آراؤنا وأفكارنا قبولاً ورواجاً، وطار بطروحاتنا الركبان، أما في الأيام الأخيرة قَلبنا المجن ظهراً لبطن فبدأنا نسمع ونقرأ أن المفكر يجد صعوبة لطرح ما يكنه في ضميره من طروحات وأفكار وحلول لصعوبة تعامل المجتمع مع كل ما هو جديد وغريب، ولغة الحوار بعيدة المنال..

 

وفي الختام ليكن في مخيلتك أن المبادئ والعقائد والقيم لا يمكن المساومة عليها، أو التشكيك فيها، أو زحزحة الناس عنها بخطبة مرصعة بالألفاظ تلقى هنا وهناك، أو بمقال منمق بالعبارات يسطر بين دفتي كتاب أو صحيفة سيارة، أو بمداخلة على أحد القنوات الفضائية، أو بجرة قلم، فإن مفارقة كل معتاد ومألوف، والانتقال شديد على مَن رامَه، ولو كان باطلاً لاسيما إذا كان الانتقال دفعة واحدة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply