دين الحق والخير والجمال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الإسلام دين الحق والخير والجمالº لأنـه حـق كـلـه، وخير كله، وجمال كلهº فلا باطل فيه، ولا شر فيه، ولا قبح فيه. وأما ما عداه فيـخـتـلـط فـيه الحق بالباطل والخير بالشر، والجميل بالقبيح. وهو دين الحق والخير والجمالº لأنه يوائـم بـيـن هـــذه القيم الثلاث، ويجعل كلاًّ منها ـ كما ينبغي أن يكون ـ معاضداً للآخر ومعيناً عليه، بـيـنـما يجعلها غيره من المذاهب والحضارات والنِّحَل متشاكسة متضاربة، يهدم بعضها بعضاً. يـرون ـفي جمال الفنون مسوِّغاً لاتخاذها وسيلة إلى قول الزور، وهدم الفضيلةº وفي جمال التعبير ـ شــعــراً كـان أم روايـــة ـ مـــــا يجعل من حق القائل أن يختلق الأباطيل ويروِّج للشرور، ويجاهر بالفسوق.

والإســلام دين الحق والخير والجمالº لأن المعبود الذي يدعونا إليه هو الحق، وهو فاعل الخير، وهو الجميل الذي لا يضاهي جمالَه جمالٌ.

فالله  - تعالى - هـو الحق الأعلى الذي لا يقارِب أحقيتَه حقُّº فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو الخالق لكل شيء.

وربنا - تعالى - خيرٌ مَـحــضٌº فـالـخير كله بيديه، والشر ليس إليه. وربنا  - تعالى - جميل يحب الجمال.

والرسول الذي أرسله إلينا حق، نعرف نسبه، ومولده، ونشأته، وصفاته، بل نعرف عنه مــــا لا يعرف أحد عن بشر سواهº فهو ليس كأولئك الذين يعتقد بعض أصحاب الديانات فـيـهم، وهم لا يملكون دليلاً تاريخياً حتى على وجودهم، ودعك من سيرتهم. وكان رسولنا مـتـصـفـاً بكـل صـفــات الـخـيـر، حـتـى قــــال عنه ربنا ـ  سبحانه - : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ, عَظِيمٍ,))[القلم: 4]، وحتى قالت عنه زوجه التـي عـرفــت مـداخله ومخارجه: كان خلقه القرآن(1). كان صادقاً، أميناً، وفياً، كريماً، رحيماً، شجاعاً، صـبـوراً، دوَّاراً مــــع الحق حـيـث دار، لا تـأخـــــذه في الله لومة لائم. وكان جميل الصورة، جميل الروح، جـمـيـل الحديث. وكان لذلك رجـــلاً مهيباً. والقرآن الكريم الذي أنزله ـ - تعالى -ـ كتاب يقول الحق، ويهدي إليه، ويأمر بالخير وينهى عن الشر، ويعبر عن كل ذلك بلغة هي الذروة العليا من الجمال: ((بالحق أّنزلناه بالحق نزل)) [الإسراء: 105].

((الـم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِّلمُتَّقِينَ))[البقرة: 1، 2].

((لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ ولا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ, حَمِيدٍ,)) [فصلت: 42].

((إنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقوَمُ)) [الإسراء: 9].

((وتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقاً وعَــدلاً)) [الأنعام: 115]. (صـــدق في الأخبار وعدل في الأوامر والنواهي).

((اللَّهُ نَزَّلَ أَحـسَـنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مٌّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقشَعِرٌّ مِنهُ جُلُودُ الَذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وقُلُوبُهُم إلَى ذِكرِ اللَّهِ)) [الزمر: 23].

فهو ليس كالكتب الدينية التي يشك أصحابها في أصولها، وفي ترجماتها، وفي معانيها.

وبما أن هذه القيم الـثـلاث مـجـتـمـعـة في الإله المعبود، وفي الرسول المبعوث، وفي الكتاب المنزل، فإن أحسن أحوالها أن تكون كذلك متداخلة في حياة البشر.

ولذلك نجدها متداخلة موصوفاً بعضها ببعض في كتاب ربنا وسنة رسولنا: فمكارم الأخلاق توصف بالجمال. ((فَصَبرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ الـمُستَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) [يوسف: 18]، ((فاصبر صبرا جميلا)) [المعارج: 5].

والـقــول يوصف بالحسن وهو مفهوم جمالي وبه يوصف الفعل: ((ادفع بالتي هي أّحسن)) [المؤمنون: 96]، ((وقـــولوا للناس حسنا)) [البقرة: 83]، ((وجادلهم بالتي هي أّحسن)) [النحل: 125].

ولا تناقض بين الانتفاع بالشيء وتذٌّوق جماله، بل إن هذا الذي ينبغي أن يكون: ((والأَنعَامَ خَـلَـقَـهَــــا لَكُم فِيهَا دِفءٌ ومَنَافِعُ ومِنهَا تَأكُلُونَ (5) ولَكُم فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسرَحُونَ (6) وتَـحـمِــــلُ أَثقَالَكُم إلَى بَلَدٍ, لَّم تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إنَّ رَبَّكُم لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7))) [النحل: 5 - 7].

 

((قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُـبَـيّـِن لَّـنـَــــا مَا لَونُهَا قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ صَفرَاءُ فَاقِعٌ لَّونُهَا تَسُرٌّ النَّاظِرِينَ)) [البقرة: 69]

((أَمَّن خَـلَـــقَ السَّمَوَاتِ والأَرضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهجَةٍ, مَّا كَانَ لَكُم أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلُونَ)) [النمل: 60].

وتـأمــل هــــذه الآية الكريمة التي يأمرنا الله  - تعالى - فيها بالنظر إلى ثمر النبات وينعه: ((انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثمَرَ ويَنعِهِ إنَّ فِي ذَلِكُم لآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يُؤمِنُونَ)) [الأنعام: 99]. والنظـر إلى الثمر والـيـنـع لا ينفك عن رؤية ما فيه من بهجة وجمال. فكما أن خلقه آية، وما فيـه من غذاء آية، فـجـمـالــــه أيضاً آية لقوم يؤمنون. وانظر كيف جمع ـ  سبحانه  ـ بين الأمر بالنظر إليه، والأمر بإيتاء زكاته: ((كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَومَ حَصَادِهِ))[الأنعام: 141].

والمحظوظ من كانت له زوجة تجمع بين حسن الخلق وجمال المنظر: إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله(2).

وكما أن هذه القيم يوصف بعضها ببعض فإن ديننا يجعل بعضها وسائل لبعض.

فالدعوة إلى الخير لا تبنى إلا على الحق، ولا تكون إلا مقرونة بالحسن والجمال: فـالـقـصـص الـقـرآني أحسن القصص محتوىً وأسلوباً، لكنه كله مبني على الحق، لا على الخيال. إنه يـقـــــرر واقعاً ولا يختلق باطلاً ليتوسل به إلى عِبرٍ, أخلاقية أو دينية: ((نحن نقص عليك أّحـسـن القصص)) [يوسف: 3]. ((لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأُولِي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفتَرَى ولَـكـِـن تَـصـدِيــقَ الَذِي بَينَ يَدَيهِ وتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ, وهُدًى ورَحمَةً لِّقَومٍ, يُؤمِنُونَ)) [يوسف: 111].

والـدعــوة إنما تكون بالكلام الجميل الذي تأنس به المسامع وترتاح إليه القلوب: ((وقولوا للناس حـسـنــا)) [البقرة: 38]، ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أّحسن)) [النحل: 125].

لكن بعض إخوانـنـا ـ عفا الله عنهم ـ جعلوا الدعوة إلى أعظم حق وأفضل خير: عبادة الله وحده، والاستمساك بسنة نبيه ـ جعلوها مرتبطة بأنواع من الجفاء والغلظة التي تنفر منها طباع الكرام. ألم يـتـأمـلـــوا قول الله ـ  تعالى ـ لرسوله: ((فَبِمَا رَحمَةٍ, مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم ولَو كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَـضٌّــوا مِــن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم واستَغفِر لَهُم وشَاوِرهُم فِي الأَمرِ)) [آل عمران: 159].

يا لله! فكـأن الله  - تعالى - يقول لرسوله الكريم: إنك لو أبقيت على كل ما فيك من خصال الـخـيـر، ولــو بقيت تدعو إلى ما تدعو إليه من حق، لكنك كنت مع ذلك فظاً غليظ القلب لانـفـض مـن حـولك هـؤلاء الذين هم الآن معك. لماذا يا ترى؟ لأنهم أناس كرماء يحترمون أنفسهم، ولا يرضون لهـا أن تذل حتى من رجل في مثل شخصية الرسـول. وما كل الناس كذلكº بل إن منهـم مـن لا يبقى ويطيع إلا مع الإذلال والهوان. ألم يقل الله  - تعالى - عن قوم فرعون: ((فاستخف قـومــــه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين)) [الزخرف: 45]. وصدق القائل:

إذا أنت أكرمتَ الكـريم ملكتَه  * * * وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمـردا

ودعوة الحق إنـمـــا يـصـلـــح لها هذا النوع من كرام الناس. إنهم هم الذين يصدقون فيها ويتحملونها بقوة وشجاعة. فـلـيـكـونـوا هم إذن طَلِبَتَنا حين ندعوº ولندعهم لذلك بطريقة تليق بهم، فتجمعهم حولنا ولا تنفرهم منا. أما اللئام الذين يرضون بالهوان فلا خير فيهم، ولا رجاء منهم.

وقابل هؤلاء أناس تذرعوا بلين الـكــــلام وخفض الجانب ليوقعوا الناس في مهالك الشرك والابتداع. والسعيد من وفقه الله  - تعالى - للدعوة إليه بالتي هي أحسن.

الجمال إذن محمود ومرغوب فيه، وهـــــــو قرين الحق والخير. فأما حين يكون مَظِنَّةً لأن يُتَّخَذَ وسيلة لهدم المكارم فإن الإسلام يمنع الاستمتاع به. ولذلك فإنه يحرم النظر إلى بعض الصور الجميلة، والاستماع إلى بعض الأصوات الجميلة حين يكون ما فيها من جمال ذريعة إلى شرك أو هدم مكارم. ولهذا حرم النظر إلـى زيـنــة الـنـســـــاء لغير محرم أو زوجº لأن الاستمتاع بجمالهن قد يكون وسيلة إلى هدم الفضيلة. وأباحه للمـحــــارمº لأن هــذه العلة منتفـيـة في حقهم، وأباحه للأزواج، بل ودعاهم إليهº لأنه استمتاعٌ حلال، وقد يـكـــون وسيلة إلى الامتناع عن الحرام.

وكذلك الأصوات الجميلة قد يرتبط جمالها بخاصةٍ, فيها، أو في المستمتع بها، تثير مشاعر الرذيـلـــة، أو تكون ملهية عن فضيلة. فخضوع النساء بالقول قد يثير الطمع فيهن وإن كن أزواج نبـي، ولـذلـك مُـنـِـعـــنَ منه: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ, مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وقُلنَ قَولاً مَّعروفاً)) [الأحزاب: 32].

وقل مثل ذلك عن المعازف وأنـــواع من الغناء. قال  - تعالى -: ((ومِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيـثِ لِـيُـضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلمٍ, ويَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مٌّهِينٌ)) [لقمان: 6].

وقال ابن مسعود  - رضي الله عنه - : هو ـ والله ـ الغناء.

فالحمد لله الـذي هـدانــا للـحـــق، وسهَّل لنا سبل الخير، ومتعنا بجمال الكلام، وجمال الخلق، وجمال المعاني.

 

-------------------------------------------------

(1) رواه أحمد، ح، 33460.

(2) رواه ابن ماجة، ح/ 1847.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply