دعوة ونداء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

 ((المص. كتاب أنزل َ إليك فلا يكن في صَدركَ حرَجٌ منهُ لتنذرَ به وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونهِ أولياء قليلاً ما تذكرون))  [الأعراف: 1ـ3]..

 

 مع هذه اللحظات المظلمة من حياة الأمة المسلمة، لا يختلف اثنان على أن الخطر محدق وأنَّ النوازل منذرة بعذاب شديد من عند الله.

 

 ولا يختلف المؤمنون الصادقون أبداً على أن الله حق عادل لا يظلم أبداً، وأن ما نلاقيه هو بما كسبت أيدينا نحن المسلمين.

 

 وإذا غفلنا عن العبر والدروس كلها من تاريخنا الطويل، فلا يعقل أبداً أن نغفل عن العبر التي يقدمها القرن الأخير، القرن العشرون، وما لاقاه المسلمون من فشل بعد فشل، وما لاقته الأمـة كلها من فواجع وأهوال، وهزيمة بعد هزيمة، ذلك كله بما كسبت أيدينا.

 

 وإنّ الكبر الذي في النفوس، الكبر الذي يزينه الشيطان للكثيرين، والعصبية الجاهلية لأوثان شتى، أوثان من عرض الدنيا، ومن أهوائنا ومصالحنا الشخصية، ومن إقليمية وقومية وعائلية، ومن حزبية انحصر فيها الولاء حتى مزقتنا، وأوثان من شهوة المال والسمعة وحب الدنيا، هذه كلها أعمت أبصارنا عن أن نرى أخطاءنا وعيوبنا، وأقعدت عزائمنا عن معالجة العيوب والأخطاء، حتى تراكمت العيوب وأقامت حاجزاً عالياً يحجب الرؤية العادلة ويخنق الكلمة الأمينة.

 

 لذلك نوجه الدعوة والنداء إلى المؤمنين الصادقين، ليلتقوا في لقاء كريم، في لقاء المؤمنين، ليلتقوا على حـق بين لا يصح الخلاف فيه في دين الله، وعلى أسس محددة يأمر بها الله - سبحانه وتعالى -، وعلى نهج مفصل يقوم على ذلك كله، وعلى قاعدة عامة رئيسة يجب أن نتعاون فيما أمر الله أن نتعاون فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما أذن الله لنا الخلاف فيه.

 

 وإن أول الأمر أن ننبذ تلك الأوثان كلها، والعصبيات كلها، حتى يكون ولاؤنا الأول ولاءٌ خالصاً لله وحده، نقياً صافياً، تثبته الكلمة والموقف والسلوك، وعهدنا الأول هو عهدنا الثابت مع الله، عهداً بيناً فصله منهاج الله. وأن ينبع من هذا الولاء الأول الخالص لله والعهد الأول كل موالاة وكلُ عهد بين المؤمنين، وكلُ مودة وأن تعود الروابط روابط إيمانية يصوغها منهاج الله قرآناً وسنة ولغة عربية ويصوغها الإيمان والتوحيد في واقعنا، وأن توضع المناهج العملية التطبيقية لبناء ذلك وتكوينه وصياغته، ولتنميته وحمايته.

 

 وإن الأمر الثاني بعد الإيمـان والتوحيد والمناهج التطبيقية لبنائه في النفوس، هو التزام منهاج الله قرآناً وسنة ولغة عربية، التزاماً عملياً منهجياً لا التزام شعار، التزام علم وتدبر وتصديق وممارسة إيمانية في الواقع، وأن تقوم المناهج التطبيقية لتحقيق ذلك في واقع المسلمين، كما كان في مدرسة النبوة، حتى لا تظل قضايانا الإيمانية شعارات ومزايدات في أمواج يدفعها التنافس على الدنيا، حتى نتبع في ذلك كله أمر الله وما أنزله إلينا ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم...))، وحتى لا نتبع من دونـه أولياء أبداً.واتباع الذي أنزل من عند الله لا يتم إلا بصدق الإيمان والتوحيد، وبصدق العلم بمنهاج الله، وبفهم الواقع الذي نعمل فيه، وبسلامة الممارسة الإيمانية.

 

 والأمر الثالث الذي ندعو إليه هو أن يصاحب دراسة منهاج الله دراسة الواقع الذي جهلناه طـويلاً، وأن تكون دراسة الواقع دراسة منهجية من خلال دراسة منهاج الله، قائمة عليه ملتزمة به، نرد الواقع كله إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - رداً أميناً يقوم على صدق الإيمان والتوحيد، وعلى صدق العلم بمنهاج الله، وأن تقوم المناهج التطبيقية التفصيلية لتحقيق ذلك في واقع الأمة، تحقيقاً عملياً، حتى لا تظل قضايانا الإيمانية تموج في شعارات وزخارف لا نجد رصيدها الحق في الواقع.

 

 والأمر الرابع هو الممارسة الإيمانية التي يجب أن تخضع للأسس الثلاثة السابق عرضها، من خلال التدريب المنهجي والإعداد والبناء المنهجي، في مدرسة الدعوة الإسلامية لتأخذ الممارسة الإيمانية شمولها وامتدادها في واقع الأمة ولتأخذ سائر خصائصها الربانية.

 

 وإننا نؤمن أنها مسؤولية كل مسلم يلتزم بذلك، ثم يدعو بيته وأسرته حتى يلتزموا، ثم يكون كل مسلم مسؤولاً وعوناً صادقاً على جمع كلمة الأمة كلها على هذا الحق الذي يأمر به الله، دون أن يعطله الضعفاء والحائرون وأعداء الله المفسدون في الأرض، ثم تنطلق الأمة المسلمة الواحدة كلها لتدعو الناس جميعاً إلى الإيمان والتوحيد.

 

 وإننا نؤمن أن هذه الجهود كلها يجب أن تنتظم في نهج مفصل محدد، يرسم الدرب ويبين معالمه، ويحدد الأهداف التي يقود إليها الدرب، حتى لا تنفصل الأهداف عن الدرب، وحتى يجتمع الدرب والأهداف في نهج واحد يقوم على الأسس الأربعة السابق ذكرها.

 

 وإننا نؤمن أن هذا النهج يجب أن يبين تفاصيل الميزان الذي يوزن به الرجـال والناس، وأن يبين منازل المؤمنين، ليقف المؤمنون عند منازلهم العادلة، وعلى قدر وسعهم وطاقتهم، وعلى قدر مسؤولياتهم وأماناتهم، وبذلهم وعطائهم على أساس من منهاج الله، وميزانه، لا على أساس الهوى والمصالح.

 

 وإننا نؤمن أن هذا النهج يجب أن يكون نامياً متطوراً مع الأيام، لا يتوقف نموه وتطوره، ولا يتعجل الخطوات والمراحل، حتى لا تضطرب مسيرته، وتختلط أهدافه.

 

 وإننا إذ نقدم هذا النهج نظرية مع قاعدتها الصلبة وركنيها الأساسين وأسسها وعناصرها، فإننا نقدم كذلك تفصيلات كل جزء من هذه النظرية العامة مع مناهج تطبيقية ونماذج عملية في عدد من الميادين، لتنطلق المسيرة في أمة واحدة، تستكمل في مسيرتها النهج النامي مع البذل والسعي والعطاء بدون توقف أثناء المسيرة.

 

 من أجل هذا كله، ومن أجل المسيرة في بناء الأمة المسلمة الواحدة نوجه هذه الدعوة وهذا النداء، إلى جميع المسلمين في أنحاء المعمورة، نرجو بذلك طاعة الله خاشعين له تائبين إليه، ناصحين لله ورسوله وللمؤمنين ولعامة المسلمين وأئمتهم ولأنفسنا.

 

 نوجه هذه الدعوة وهذا النداء ليأخذ التعاون، الذي أمر الله به، صورته الجادة الصادقة، لنعذر أنفسنا بين يدي الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا زخرف ولا أهواء، إلا من أتى الله بقلب سليم صادق.

 

 نوجه هـذه الدعوة وهذا النداء إلى \" لقاء المؤمنين الصادقين المتقين العاملين \"، إلى نهجه ودربه وأهدافه، موجزين ذلك كله في كتاب \" النهج والممارسة الإيمانية \" وكتاب \" موجز النظرية العامة في الدعوة الإسلامية والنهج العام وأساس لقاء المؤمنين \".

 

 إننا نؤمن بأن كل جماعة إسلامية لن تستطيع وحدها أن تبلغ ما تعلنه من أهداف في أجواء الشقاق والتدابر، والضعف والهوان، وسيصاب الجميع بالهزيمة والخسران، وأعظم أسباب الخسران هو عدم رضاء الله وغضبه وعقابه وعذابه. وإننا نؤمن أن ساحة العمل الإسلامي تتسع لكل الطاقات الصادقة، والقدرات المؤمنة، لجميع العاملين الصادقين الذين يرجون الله والدار الآخرة، الذين يكون ولاؤهم الأول الصادق لله، وعهدهم الأول الصادق مع الله، وحبهم الأكبر لله ولرسوله، هو سبب لقائهم ومصدر قوتهم ورباط جمعهم، حتى لا يبقى تنافـس على عرض من الدنيا زائل من شهوة المال أو السمعة أو الجاه أو الأهواء، وحتى لا يبقى إلا تنافس في طرح المناهج التطبيقية الجامعة، وفي صدق النية، وفي صدق الزاد، وفي صدق البذل والعطاء لله ورسوله، ومعالجة الأخطاء وتنمية الجهود وتزكيتها على درب الجنة يطرق أبوابها العاملون الصادقون الباذلون المتقون.

 

 من أجل ذلك يجب التحرر من كل الأهواء التي تتعارض مع هذا الولاء وهذا العهد وهذا التصور للتعاون والعمل، حتى لا يسقط في الطريق وأثناء المسيرة أحد تاركاً أخاه وسط الطريق، لا يعينُه إلى الوصول إلى الهدف الأكبر والأسمى الجنة. \".... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه \".

 

 من أجل ذلك لا بد من الوضوح والجلاء، والفهم المتبادل والمعرفة الواسعة الواضحة، واتباع جميع الوسائل التي تبني الثقة واليقين والاستمرار جميعاً في المسيرة دون انقطاع.

 

 إلى هذا كله نوجه \"الدعوة والنداء\" في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة المسلمة، ليلتقي المؤمنون الصادقون في \" لقاء المؤمنين \" والذي يجمع هو الكتاب والسنة والنهج الواضح المفصل القائم عليها، ووضوح الدرب والأهداف.

 

ذكرى وعِتاب:

أبياتٌ من الشِّعـر أطلقها مُدَوِّيةً في أُذُنِ كلِّ مسلـم يخشى الله واليوم الآخر، وقد امتدَّت الأحداث والفواجع في ديار المسلمين، قتلاً وتدميراً وتشريداً وتجويعاً واغتصاباً، على مكر من الأعداء مازال يمتدٌّ ويتَّسع، وتتكشَّفُ خَبيئة كيده يوماً بعد يوم، حين تزول البسمة الماكـرة عن وجهه، وتبرز الأنياب والأظافر والمخالب، وكلٌّ أسلحة الهلاك! دروس وعبر، وفواجع ونذر، فهل نعتبر، ونصحو من غفوتنا.

 

ذكرى وتذكير، ودعوة ونداء، كلمات موجزة عن سعي جاد لتذكير القلوب، وجمع النفوس، معذرةً إلى الله - سبحانه وتعالى -، دون يأس أو كلل أو ملل، وإنما هي ثقة متينة بالله ورحمته، إذا تابعنا التذكير والدعوة، والنداء والنصيحة، مادام الصراط المستقيم مشرقاً بنور الحق، مستقيما فلا يضلٌّ عنه صادق، وواحـداً فلا يُختَلَفَ عَلَيه، يجمع المؤمنين في الأرض أُمـة مسلمة واحدة، إلاّ إذا غَلبَ الهوى والخلاف!

 

عقـودٌ كثيـرة مضت وأنا أُؤَكِّد هذه الدعوة الإيمانية الشرعية، الدعوة إلى لقاء المؤمنين على أُسسٍ, ربّانية، ونهج عام واحد، يرسم الصراط المستقيم الذي بيَّنه الله لنا وفصّله وأمرنا باتباعه، ليجمع المؤمنين صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. فلماذا تاه المسلمون عنه فتفرقوا، واختلفوا عليه فتمزقوا، ثم ضعفوا وهانوا؟ !

 

عقـودٌ كثيـرة وأنا أُذكّر بخطر النهـج المتبع في قضية فلسطين، في نصح وتذكير، ودراسات وكتب، ولقاءات ومؤتمرات، وسفر وتجوال.

 

 دعــوة ونـــــداء

 

أَخي رُوَيـدَكَ! بي مما يَحلٌّ بنـا  **  همُّ يَطُـولُ وبي مِن قومِنـا عَجَبُ

 

همُّ يَكادُ مَعَ الأهـوالِ يَـذهَبُ بي **  وغَضبةٌ لم تَزَل في الصَّدرِ تَضطربُ

 

ضَجَّت شِعَاراتُنـا في كلِّ نـاحِيَةٍ, ** ولم تضجَّ بِنا السـاحـات و الهضبُ

 

يَكادُ بنيـاننـا يَنهـارُ مِن وَهَـنٍ, ** والناس في غفـوة الأحلام قد ذهبوا

 

ما بـالنـا افتَرَقَت سـاحاتنا شِيعَاً ** يكـاد يَطحَنُهم مِن خُلفهِم حَرَبُ

 

كلُّ يُقيـمُ عَلى أحـلامِـهِ وثَنـاً ** يَظلٌَّ في وهمِهِ يَرجـو ويَـرتَقِبُ

 

الجاهليّـة مَـدَّت مِـن مَخالبهـا ** فَقُطّـع الرّحِمُ الموصُولُ والسَّبَـبُ

 

* *

 أَخي ! مَددتُ يَدِي بالأمس مرتَجياً **  عَوناً على الحقَّ! نِعمَ السعيُ والطَّلَبُ

 

رَجَوتُ لَو يَلتَقي حَشدُ الدعاة على ** صَـفًّ ويَنهـضُ بُنيـانٌ لنا أَشِبُ

 

ولو تَلُـمٌّ عُـرَا الإيمـانِ فرقَتنـا ** وعروةُ الحقَّ و التوحيـدِ مُنتَسَـبُ

 

أَشَاح و انفَضَّ مَن أمّلتُ نصَرتَهُم ** وأدبَروا في دُرُوبِ الخُلفِ و احتَجبُوا

 

كـلُّ يظنٌّ هَـواهُ الحقَّ، يَدفَعُـه ** وهمٌ يُزَيَّـنُ فيـه النّصرُ و الغَلـبُ

 

حتى جَنَوا غصَصـاً تَدمَى و فاجعةً ** وَفتنَةً لـم تَـزَل تَعلُـو و تَلتَهبُ

 

وذلّةً لم تَـزَل تُحنِـي أُنُوفَهُـمُ ** إِلى التٌّرابِ و تحنِيهـم بها الكُـرَبُ

 

هَمسٌ يَدُور ونجوَى لا وَفاءَ بهـا ** كم فرّقَ المسلمين الظنٌّ و الكـذبُ

 

* *

 و فوَّتوا فُرَصـاً كانـت نجاتُهُـمُ ** فيها فما عادَ يُجدي اللّومُ و العَتَبُ

 

لله أشكُو الذي نَلقَاه! ما يئِسَـت ** نفسي ولا وَهَنَ البـذلُ الذي يجبُ

 

ولا العَزَائِـمُ هَانتُ وهي صادقـةٌ ** لله يـدفَعُها الترغيـبُ و الرّهَـبُ

 

خوفـاً مِنَ الله، أشواقاً لجَنَّتِـهِ ** تَكَشَّفَـت عندها الأَستَارُ و الحُجُبُ

 

فانهض لنجمَع مِن أَشتاتنا أَمَـلاً ** وتَـوبَـةً عَلَّنا نَدنُـو و نَقـتَرِبُ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply