موقف أبكاني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ذهبت في إحدى ليالي رمضان المباركة لأداء صلاة التراويح بالمسجد، وكان المسجد يمتلئ بالنساء، وحين أقام الإمام للصلاة اصطفت النساء واتجهت نحو القبلة، إلاّ امرأة مسنّة اتجهت إلى ناحية أخرى تماماً، فقلت في نفسي: لماذا تصر هذه السيدة على الصلاة في عكس اتجاه القبلة؟ ورأيت أن من واجبي إخبارها بالاتجاه الصحيح، ولكن ترددت قليلاً فإن بعض كبار السن لا تتقبل النصح بسهولة، وربما رفعت صوتها علي، ولكنّي قررت أن أحدثها وأجري على الله.

 

فذهبت إليها وقلت لها بلطف: يا أمي، ليس هذا هو اتجاه القبلة. فقالت لي بهدوء ورفق - على عكس ما توقعت -: والله ـ يا ابنتي ـ ما أدري فإني لا أرى!!

 

فأصابني قولها بقشعريرة، ثم وجهتها إلى الاتجاه الصحيح ورجعت إلى صلاتي وأنا أبكيº فإن الله - سبحانه وتعالى- وهبني نعمة البصر التي حرم بعض الناس منها، وأنا غافلة عن هذه النعمة ولا أؤدي شكرها، وظللت أبكي، وأخذت عهدا على نفسي بيني وبين ربي أن أسعى جاهدة لأداء حق بصري عليّ.

 

يقول الله - سبحانه وتعالى-: {إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلٌّ أُولئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً}، فكلنا مسؤولون عن جوارحنا هل استعملناها في الطاعة فنأخذ عليها الثواب والفوز بالجنة، أم استعملناها في المعصية التي توجب علينا العذاب؟

 

ولكي أستعمل بصري في الطاعة يجب علي:

1- غض البصر: يقول الله - تعالى -: {وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا}. وغض البصر يكون بكف النظر عن كل المحرمات والمنكرات.

 

2- نظر العبرة: يقول زين العابدين \"وأما حق بصرك: فغضه عما لا يحل ابتذاله، إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار\". ونظرة الاعتبار تكون في التفكر والنظر في السماوات والأرض وفي خلق الإنسان وفي الموتى وفي كل ما حولنا.

 

3- نظر العلم: وهو إمعان النظر لطلب العلم وتعليمه الناس فيقول الله - تعالى -: {إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء} فبالعلم تزيد الخشية والخوف من الله.

 

4- تحويل النظر إلى عبادة:

 

· فالنظر إلى الكعبة عبادة، ويزيد تلك الرؤية حسناً الدعاء بالمأثور حال النظر إليها.

 

· النظر إلى الوالدين نظرة الرحمة والعطف والتفقد لحالهما.

 

· النظر إلى المصحف عبادة.

 

· نظر الزوجة لزوجها، ففي الحديث: \"إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهم نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما\".

 

· البكاء من خشية الله: وهذا مما نغفل عنه بعض الشيء وننساه في مشاغل الحياة وكثرة المسؤوليات، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : \"عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله\".

 

5- النظر للغير: فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : \"وبصرك للرجل الرديء البصر صدقة\"، فهداية الطريق لمن لا يرى، والقراءة لمن لا يستطيع القراءة، تكون صدقة وزكاة عن العين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply