الدعوة إلى الله ضرورة بشرية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإنسانية اليوم، تعاني من مصائب لا حصر لها، في كل جوانب الحياة: الروحية والسياسية والاقتصادية.

وهذه هي حال الناس في كل وقت أو زمن يقُصى فيه حكم الله عن الأرض وتستبد فيه الجاهلية، وهذه هي حال الناس عند ما تغيب خير أمة أخرجت للناس، وتتخلى عن مكانها الذي وضعها الله فيه وتستبدل به آخر الركب. ولقد انقطعت النبوة، ولكن بقيت الرسالة الخالدة وبقي كتاب الله فيه النور والشفاء لكل مشكلات الأمم: \"ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل \"(1). \".. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم \"(2).

وبقيت سنة رسول الله - الوحي الثاني - وبقيت هذه الأمة التي ورثت علم الأنبياء وعملهم، في الإصلاح وإرجاع الإنسانية إلى دين الله الحق.

وإن أعظم ما يقدم للإنسانية - اليوم وفي كل يوم - هو هذا الدين الكفيل بأن يرفع الإنسان من حمأة الجاهلية إلى عز الإسلام، وأن يخرجه من الظلمات إلى النور وأن يهديه إلى صراط ربه المستقيم، ويصلح له جميع شؤونه.

فليعمل المسلمون كما عمل أسلافهم، وليسعوا لإنقاذ الأمم التي أشقتها حمأة الجاهليات. وليحيلوا وظيفة هذه الأمة إلى واقع ملموس، تلك الوظيفة التي لخصها الصحابي الجليل - ربعي بن عامر - رضي الله عنه - في ألطف عبارة، عندما سأله رستم: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله.. (3)

 

* - بالدعوة إلى الله يبقى الدين ظاهراً:

إن أي دين لا يكون له رجال يدعون إليه، ويبذلون في سبيله الغالي والنفيس ويحملونه إلى الناس جميعاً، فلا شك أنه دين آيل إلى الزوال وآخذ في الاضمحلال ولهذا دعا النبي: (دعوته المشهورة في معركة بدر: (اللهم إن شئت لم تعبد)(4) وفي رواية مسلم (.. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض..) (5) لأن تلك العصبة، هي الفئة الوحيدة على وجه الأرض - في ذلك الوقت - التي تعبد الله وتجاهد في سبيله، وتحمل دينه وقد انقطعت النبوة والرسالة بخاتم النبيين (فلو هلكت لم يعبد - سبحانه - ولاستمر المشركون على شركهم.

ولهذا جعل الله لهذا الدين طائفةً قائمةً على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وجعل لهذه الأمة من هذه الطائفة من يجدد أمر دينها كل رأس مائة سنة، وجعل حملة هذا الدين والعلم من كل خلف عدوله، ولا يتولى عنه قوم إلا وقد وكل الله به قوماً خيراً منهم، ولا تولت عنه طائفة إلا استبدل الله بها خيراً منها: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (6) \" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلةٍ, على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم(7) \" \"فمن أمعن النظر، علم أن الدعوة إلى الله حياة الأديان، وأنه ما قام دين من الأديان، ولا انتشر مذهب من المذاهب، ولا ثبت مبدأ من المبادئ إلا بالدعوة، وما تداعت أركان ملةٍ, بعد قيامها، ولا درست رسوم طريقة بعد ارتفاع أعلامها، ولا تلاشت نزعة من النزعات بعد إحكامها، إلا بترك الدعوة فالدعوة حياة كل أمر عام تدعى إليه الأمم والشعوب، سواءً أكان ذلك الأمر حقاً أم باطلاً ولقد علمنا التاريخ أنه ما قام أحد يدعو إلى شيء إلا وجد له أنصاراً وأتباعاً وها نحن أولاء نرى المذاهب الباطلة تنمو بالدعوة، والمذاهب الحقة بإهمال الدعوة تتضاءل ولو كان الحق يقوم بنفسه وينتشر بذاتهº لأنه الحق لما فرضت علينا الدعوة إليه، ولما كان ثم حاجة إلى الأنبياء والمرسلين، وورثتهم من العلماء العاملين والمرشدين الناصحين\"(8).

 

ــــــــــــــــ

(1) سورة: الروم، الآية 58.

(2) سورة: المائدة، الآيتان: 15 - 16.

(3) البداية والنهاية، 7/40.

(4) البخاري - المغازي - باب قول الله - تعالى -: (إذ تستغيثون ربكم...) - ح: 3953 - ج7/ 287.

(5) مسلم - الجهاد والسير - باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر - خ: 1763م 433.

(6) سورة: محمد، الآية: 38.

(7) سورة: المائدة، الآية: 54.

(8) هداية المرشدين - ص14.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply