كيف ندعو الناس؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد يظن البعض منّا بأن أسلوب الدعوة لا يهم في شيءº إذ أن المهم هو الدعوة ذاتها! فطريقة تقديم النصيحة، وطريقة الحديث مع الناس من أجل هدايتهم ما هي إلا وسيلة الإنسان الضعيف الذي لا يمتلك المنطق القوي والحجة الواضحة، بينما الإنسان الذي يمتلك القوة في الفكر والثقافة – مثلاً - باستطاعته أن يتحدث مع الآخرين بصوت عال، وله الحق في تجريحهم وتوبيخهم حتى وإن كان ذلك أمام الآخرينº فالإنسان الخاطئ عندما يتعرض للتجريح - حسبما يتصور البعض- ربما يتأثر ويؤوب إلى رشده، فهل هذا منطق سليم ومنهج صائب يا ترى؟

وهل بإمكاننا أن ندعو الناس إلى الخير، وإلى التمسك بالدين، والتحلي بالخلق الحسن بهذه الكيفية؟ وهل سيتقبل منا المجتمع إذا دعوناه بهذه الطريقة؟

 

أتصور أننا سوف نواجه بالرفض، ولن نكون محل تأثير إذا اتبعنا هذه الأساليب.. إذاً ما العمل؟ هل نكف أيدينا عن الدعوة إلى الخير؟ أم ندعو الناس وبأي طريقة كانت؟ أم أن هناك طريق ثالث يتوسط هذين الأسلوبين؟

 

نعم، هناك طريق ثالث أشار إليه القرآن الكريم، واتبعه الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم- كما اتبعه أهل بيته - عليهم السلام- وصحابته الكرام، أثناء دعوتهم الناس، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة: {ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ}[النحل: 125].

 

فدعوة رسولنا الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم- كانت دعوة حكيمة تخللتها الموعظة الحسنةº فهو لم يأتِ موبخاً الآخرين، ولم ينقل عنه التاريخ إلا ما يسر، فقد تحدث المؤرخون بإكبار عن موقفه مع ذلك اليهودي الذي كان يرمي بالأوساخ والقاذورات أمام منزله الشريف، حتى إذا افتقد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- ما يلاقيه من أذى في أحد الأيام فسأل عن جاره وأخبر بمرضه، حينها ذهب زائراً سائلاً عن صحته، حتى خجل الرجل من أخلاق رسول الرحمة وأعلن إسلامه.

 

يا ترى، ألم يكن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- قادراً على توبيخ اليهودي وتجريحه أثناء مرضه؟

 

بلى، كان قادراً على ذلك ولكن خلقه الكريم لا يسمح له بأن يتطاول على الآخرين - حتى لو تعرض لإساءتهم - أو أن يشعرهم بالإهانة، {وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لاَنفَضٌّوا مِن حَولِكَ}[آل عمران: 159].

 

فالمتتبع لتلك الحادثة يجد أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- لم يتحدث مع اليهودي عن أسلوبه الخاطئ معه، وعن الأذى الذي لقيه منهº وإنما ذهب لزيارته والاطمئنان على صحته، فتأثر الرجل من الخلق الرفيع، ونكس رأسه حياء وخجلاً، وكأنه فطن للنصيحة النبوية، بل فطنها ووعاها.

 

وكلنا يتذكر قصة الإمامين الحسن والحسين - عليهما السلام- مع ذلك الشيخ الذي لم يكن يحسن الوضوء! فقد تحدث عنها أصحاب السير والمؤرخون، وخلاصتها أن الحسن والحسين وهما صبيين مرّا على شيخ يتوضأ استعداداً للصلاة، ولاحظا بأنه لا يحسن الوضوء!! فما كان منهما إلا أن توجها إليه بخلقٍ, نبوي، وكل ينازع أخاه مدعياً بأن وضوءه الأفضل، وطلبا من الشيخ أن يحكم بينهما، فأجابهما: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ - وأشار إلى نفسه- لا يحسنه، وها هو يتعلم منكما.

 

نعم، للدعوة أساليب كثيرة يجب أن يدرسها الإنسان قبل أن ينصب نفسه داعية للخيرº فطريقة الداعية في توجيه الخطاب للآخرين لها مردودها الكبيرº فكلمة تصدر من إنسان قد تكون بمثابة البلسم الذي يضمد الجراح، وكلمة أخرى قد تكون بمثابة السهم الذي يعمق الجراح!

 

فأي طريق نختار؟ طريق الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، الطريق الذي اتبعه الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم- وأهل بيته وصحبه الكرام، أم طريق الفوضى والصراخ الذي اتبعه الهمج الرعاع؟

 

         

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply