الإنترنت.. في خدمة الدعوة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهم لا سهل إلا ّما جعلته سهلاًº وأنت تجعل الحَزن إذا شئت سهلاً. وبعد..

 

فإن الله - تبارك وتعالى - قد أرسل الرسل ـ عليهم السلام ـ وأيدهم بالمعجزات الخارقة، والبينات الظاهرة، وأنزل عليهم الكتبº ليعرّفوا عباده به ـ جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه ـ وليدعوهم إلى عبادته وحده – تعالى -. وقد قام رسل الله ـ عليهم صلوات الله ـ بهذه المهمة خير قيامº فبلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا لأممهم، فجزاهم الله خيراً.

 

وقد ختم الله أنبياءه بخيرهم وأزكاهم وأفضلهم محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ فدعا إلى الله، وبلّغ البلاغ المبين، وبشّر وأنذر، فكمُل به الدين، وتمت به نعمة الله على عباده.

 

ولما توفي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ورثه من أمته العلماء(1)º فهم أوفر الناس حظاً، وأعظمهم نفعاً لعباد الله، وأكرمهم درجة، وأعلاهم منزلة، ما التزموا طريق الأنبياء والمرسلين، وسلكوا سبيل البلاغ المبين لدين الله ـ عزّ وجلّ ـ.

 

وإن من البلاغ المبين في هذا الزمان استخدام الوسائل(2) الحديثة والوسائط المتقدمة في الدعوة إلى الله وتعريف الناس بدينه، لا سيما الحاسب الآلي الذي انتشر استخدامه وتعددت تطبيقاتهº \"حتى أصبحت مقولة: \"الأمية ألاّ تعرف الحاسب\" مقولةً قابلة للنقاش ـ على الأقل ـ في عصرنا.

 

ورافق القفزات الهائلة في هذا العالم الحاسوبي انتشار طائفة من البرامج العلمية والشرعية، وانتشار مواقع دعوية على الشبكة العنكبوتية \"الإنترنت\".

 

وما من شكٍ, في أن لهذا الجهاز أهميته وفوائده حين نحسن استخدامهº فالبرامج العلمية والموسوعات تتيح قدرات وإمكانات هائلة في البحث والمراجعة، وتوفر إمكانات النسخ واللصق وقتاً لأولئك الذين يستخدمون الحاسب في تحرير أبحاثهم وتدوينها، كما تخدم برامج تحرير النصوص وقواعد البيانات طائفة ممن يسعون لضبط أعمالهم وإدارتهاº فهي تهيئ للباحث إمكانات وقدرات لا تهيئها له غيرها من الوسائل والأدوات، وتوفر له قدراً من الوقت والجهد.

 

والحاسب اليوم أصبح يتخطى حواجز كثيرة، ويخاطب فئات لا يمكن مخاطبتها بالوسائل العادية، ويوفر قدراً من الأموال والجهود التي تصرف في غيره من وسائل الخطاب.

 

ويخدم الحاسب اليوم في التعليم الذاتيº فيستفيد منه طائفة ممن لا تتيسر لهم أسباب التعلم\"(3).

 

ولعل من أهم تطبيقات الحاسب في العقد الأخير ما يعرف بشبكة المعلومات العامة أو الشبكة العنكبوتية \"الانترنت\". وهي شبكة ترتبط فيها ملايين أجهزة الحاسب حول العالم كله، ليعرض كلٌ ما يشاء، من علوم أو فنون أو معلومات أو بيانات أو أخبار أو صور أو تسجيلات بالصوت أو الصورة، وغير ذلك.

 

وتأتي أهمية الاهتمام بهذه الشبكة من جملة أمور منها:

·        دخولها في كثير من البيوت على امتداد العالم والتزايد المستمر في أعداد مستخدميها.

·        سهولة استخدامها.

·        سهولة وسرعة الوصول إلى المعلومات عبرها.

·        تخطي الحواجز المادية في الاتصال بالآخرين.

·        الحرية الكبيرة المتاحة للعرض والتلقي عبرها، وتجاوز عقبات الرقابة الموجودة في كثير من الدول.

·        رخص سعر استخدامها مقارنة بأي وسيلة اتصال أو عرض معلومات أخرى.

·        الكم الهائل من المعلومات المتوفر عليها في شتى مجالات العلم والمعرفة والسياسة والاقتصاد وغيرها.

·        بقاء المعلومات المخزنة فيها فيرجع إليها من احتاج إليها متى شاء.

 

وإذا كان الدعاة مأمورين باستخدام الوسائل التي يحصل بها الإعذار إلى الله - تعالى - في الدعوة إليه فإن شبكة المعلومات تأتي ضمن هذه الوسائل التي لا بُدَّ من ركوبها والعمل لتمكين دين الله من خلالها.

 

وقد بادرت مجموعات من شباب الإسلام ودعاته على المستويات الشخصية والمؤسسية في الفترة الأخيرة لاقتحام هذا الميدان، وظهرت على الشبكة العنكبوتية مواقع إسلامية متميزة في الطرح والأداء، تتمتع بمستوى فني وتقني راقٍ, ومتقدم، وقد استطاعت هذه المواقع تحقيق الكثير من المكاسب للإسلام من خلال تخصصاتها المختلفة:

 

     فالمواقع الإسلامية الإخبارية:

تقدم الأخبار الموثوقة، منطلقة في تقييمها للأحداث من وجهة نظر إسلامية صحيحة، وتنشر التقارير التي تكشف عظم الكيد للمسلمين من قبل أعدائهم وتحذر من مكرهم وغدرهم، وتعرّف بأحوال المضطهدين من المسلمين شعوباً وجماعاتٍ, وأفراداً وتدعو إلى نصرتهم والتضامن معهم وتبين السبل الموصلة إلى ذلك، كما أنها تنشر أخبار المجاهدين في كل مكان وتعرف بأحوالهم وما يقومون به من نكاية في أعداء الله مما يتكتم عليه الإعلام العالمي الذي يسيطر على أكثره اليهود وأذنابهم.

 

     والمواقع الدعوية الإسلامية:

تقدم للناس العلم النافع، والحجة المقنعة، والدلائل البينة، مما يدعو إلى الدخول في دين الله، والاستمساك بحبله المتين، واتباع رسوله الأمين، وهذه المواقع تقدم موادها المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية بلغات العالم المتنوعة، وهي كذلك تخاطب المسلمين وغيرهم كلٌ بما يناسبه.

 

     والمواقع الفنية الإسلامية:

تدرب المستخدمين على تصميم الصور واللوحات الدعوية، وتشرح كيفية استخدام البرامج الحديثة في هذا المجال، وتقوم بتصميم الإعلانات للبرامج الدعوية والمؤسسات الخيرية مجاناً، إضافة إلى نشر الصور المؤثرة والرسومات المعبرة الموحية التي تلخص في مضمونها ما تعجز عن شرحه آلاف الكلمات.

 

    ومنتديات الحوار الإسلامية:

يلتقي فيها أبناء الإسلام لمناقشة قضاياهم وتبادل الآراء حول الموضوعات المختلفة، فتتلاقح أفكارهم، وتتضافر جهودهم، ويحصل بينهم التعارف والتآلف والتعاون على البر والتقوى، إضافة إلى ما في هذه المنتديات من دعوة إلى الخير ونشر للعلم وتعريف بقضايا الأمة، وتبادل للخبرات وتوجيه لطاقات الشباب فيما ينفع ويفيد.

 

    ومواقع المؤسسات الإسلامية:

تقوم بالتعريف بهذه المؤسسات ودورها في خدمة الإسلام وأهله، كما تقوم باستقطاب الدعم لمشروعاتها المختلفة، والتعريف بما يعانيه المسلمون هنا وهناك من نكبات وويلات.

 

    ومواقع الجرائد والمجلات الإسلامية:

تقوم بنشر موادها الكترونياً، مما يعني انتشاراً أوسع، وقراءً أكثر، وتجاوزاً لمقص الرقيب أو منع التوزيع.

 

       والمواقع الإسلامية الشاملة:

تجمع كثيراً مما سلف بيانه في موقع واحد، ففيها الأخبار، والدعوة، والفن، والفتوى، والحوار، وشئون الأسرة والمرأة، ومتابعة التقنية.. وغير ذلك، وهي التي تصلح أن تكون \"صفحة البداية\" أو \"الصفحة الرئيسة\" في برامج تصفح الشبكة، بحيث يبدأ المستخدم بها أولاً، ثم يتفرع منها إلى ما شاء من موضوعات.

 

    والمواقع الشخصية للعلماء والدعاة:

تربط الأمة بعلمائها، على تباعد المسافات، وتباين الأقطار، وفيها يعرض العلماء ما عندهم من علم وهدى ونور، ويتواصل معهم الناس مباشرة للسؤال والفتوى وطرح المشكلات المستجدة وإيصال الأخبار المهمة، وكم من كلمة حق قيلت على موقع عالم من العلماء، أو فتوى مهمة صدرت حصل بها من الخير شيءٌ كثير، وعصم الله بها من فتن عظيمة(4). وعبر هذه المواقع يتجاوز كثير من العلماء حدود الزمان والمكان ليتمكنوا من الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم، كما أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يستطيعون استفتاء من يثقون في علمهم ودينهم بحيث لا يضطرون إلى العمل ببعض الفتاوى الزائفة التي دأبت على ترويجها وسائل الإعلام المغرضة مما يخدم مصالح الأعداء ويشوه الصورة الحقيقية المشرقة لعلماء الأمة وساداتها.

 

إن ما سبق ذكره ليس حصراً شاملاً لكل الموضوعات والفروع التي تتناولها المواقع الإسلامية، فالأمر أوسع من هذا بكثير، وإنما هي نماذج فقط لما تقدمه هذه المواقع من خير وفائدة، وما يحصل بها من نفع وهدى، ويكفي أن نعلم أن بعض المواقع الإسلامية اليوم يتلقى عشرات الآلاف من الزيارات يومياً، بل إن بعضها يتجاوز المائة ألف زيارة يومياً، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على مدى شعبية هذه المواقع وإقبال الناس على ما فيها، ولعل هذا الإقبال العظيم هو عاجل البشرى للقائمين على هذه المواقع.

 

نسأل الله أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.

 

 

--------------------------------------------

(1) في الحديث عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماًº سلك اللهُ به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلمº فمن أخذه أخذ بحظٍّ, وافرٍ,)) [رواه أحمد في مسنده وأصحاب السنن وابن حبان في صحيحه].

(2) قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –: \"ونظراً لانتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة، وإلى الإلحاد، وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله - عز وجل - اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرضٌ عليهم أن يبلّغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة، والخطابة، والإذاعة، وبكل وسيلة استطاعوا، وألاّ يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيدٍ, أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلكº لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله عز وجلº فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل، وهذا النشاط الملحد بنشاطٍ, إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله\". [الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، ص 18].

وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين: \"ليس للوسائل حدٌ شرعيٌº فكلّ ما أدّى إلى المقصود فهو مقصود، ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقرّ به.. لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حدّ لها، فكل ما كان وسيلةً لخير فهو خير\". [لقاء الباب المفتوح، ص 49 – 50، لقاء رقم 15].

(3) محمد عبد الله الدويش: تأملات في العمل الإسلامي، ص71، الطبعة الأولى، 1421هـ 2000م.

(4) وقد ظهر ذلك جلياًّ في العدوان الأمريكي على إمارة أفغانستان الإسلامية، حيث صدع جمعٌ من العلماء بفتاوى عظيمة على مواقعهم الشخصية في الشبكة، كما قام آخرون بتوجيه بيانات للأمة الإسلامية وحكومة طالبان وحكومة أمريكا، عبر مواقعهم أو غيرها، وعلى رأس هؤلاء الشيخ العلامة حمود الشعيبي، والشيخ د. سفر الحوالي، والشيخ أ. د. ناصر العمر، والشيخ العلامة عبد الله بن جبرين، والشيخ حامد العلي، وغيرهم جزاهم الله خيراً، كما قامت بعض المواقع الإسلامية بجهد طيب في جمع فتاوى العلماء السالفة إضافة إلى الفتاوى الجماعية حول هذه النازلة وما يتعلق بها من مسائل شرعية ومواقف عقدية هامة كفتوى علماء السودان، وعلماء اليمن، وعلماء باكستان، وغيرها.

كما حصل الأمر نفسه في مناصرة أهل فلسطين في انتفاضة الأقصى المباركة، سواء ما كان في أول الانتفاضة، أو ما صدر بخصوص المجزرة البشعة التي قام بها اليهود في جنين ونابلس وغيرهما من مدن الضفة الغربية في فلسطين.

ويتكرر الأمر في محنة العراق والعدوان الأمريكي البريطاني عليها، حيث صدرت للعلماء فتاوى وبيانان ونصائح وتوجيهات لقيت تداولاً كبيراً في الشبكة، وتجاوزت رقابة أجهزة الإعلام الرسمية أو الموجهة.

  

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply