معالم في أوقات الفتن والنوازل ( 3 - 5 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المعلم (18): من أسباب زيادة الفتنة أن يتصدر من لم يُعرف بعلم:

شباب الإسلام: إنّ تصدر بعض الناس - ممن لم يعرفوا بالعلم فضلاً عن التضلع فيه - إن تصدرهم لمجالس الفتيا وإصدار الفتاوى المجردة عن الدليل الشرعي - بسبب عاطفة جياشة أو محاكاة لآخرين - أضاع كثيراً من الجهود، وكان سبباً في إغلاق أبواب من الخير وفتحِ أبوابٍ, من الشر.

شباب الإسلام: وعلى هذاº فعلى من أراد الإصلاح أن يتريث إذا التبست الأمور، وليحذر من الأخذ بكل ما يسمع، ولو كان معجباً بالمتكلم، وكان كلامه يأخذ بالألباب، فكل هذا لا يشفع لأخذ كلامه بالقناعة التامة، فمنزلة العالم لا يبلغها المتكلم والخطيب، ولا يكاد، إذا كان عازفاً عن طلب العلم الشرعي.

كذلك على من أراد الإصلاح ممن أوتي حظاً في الخطابة أو الكتابة ونحوهما، وحسن ظن الناس فيه، لخلقه وسمته، أن يعرف قدر نفسه، فلا يفتي بغير علم، ولا يستنكف أو يستحيي من قول: لا أدري، لئلا يورد نفسه وغيره موارد الزلل، وبإمكانه أن يرشد إلى أهل العلم فيما لا علم له به، فيكون دالاً على خير عظيم، فضلاً عن استبرائه لدينه.

 

المعلم (19): حشد الأدلة لا يلزم منه صحة القول:

شباب الإسلام: إن مما يؤخذ على بعض شباب الإسلام، أنهم متى ما سمعوا أو قرؤوا لمتكلم أو كاتب حشد أدلة ينتصر بها لقوله، ثم أخذ يدلل ويعلل، أخذوا قوله بالتسليم المطلق وانتصروا له ودافعوا عنه، ولم يلتفتوا إلى ما سواه، بل نبذوا ما خالفه وردوه، بل قد يصل الحال ببعضهم إلى اتهام من خالف ذلك القول والطعن في دينه ونيته.

شباب الإسلام: إن هذا المنهج ذو عوج، فقد يأتي آخرون ينتصرون لقول يخالف ذلك القول الذي تمسكتم به، فكيف يكون حالكم إذا اتهمكم مخالفوكم وطعنوا في دينكم ورموا مقاصدكم بالسوء، أترضون هذا؟! إذن فالحذر الحذر من العجلة وتبني الأقوال والانتصار لها دون ردها إلى أهل العلم والفقه في النصوص.

 

المعلم (20): الحذر من الجدال العقيم مع المخالف:

شباب الإسلام: وإن مما ينبغي الحذر منه والتفطن له ما يحصل من بعض الناس من كونهم يستفتون أحد أهل العلم فإذا وجدوا قوله مخالفاً لما يريدون أخذوا يجادلون ويجادلون بل قد يسيء بعضهم الأدب مع العالم المسؤول إذا لم يتراجع عن قوله. يا سبحان الله أين أدب طلب العلم، وأين الأدب في المناظرة مع من هو في مثل علمك وعمرك، فكيف إذا كان أكبر منك سناً وأكثر منك علماً، الحذر من هذا الصنيع، فإنه يمحق بركة العلم والفهم، قال - صلى الله عليه وسلم - : \"من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار\"(1).

 

المعلم (21): الحذر من استحسان أمور قبل سؤال العلماء عنها:

شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن الحذر مما وقع فيه بعض الصالحين عن حسن نية مصحوبة بجهل وعاطفة، ذلك الأمر هو استحسان أمور وإشاعتها بين الناس والوصاية بها دون سؤال العلماء عنها، كقول بعضهم: (وحّدوا الدعاء هذا اليوم على عدوكم) أو (وحدوا دعاءكم عند إفطاركم) أو (صوموا غداً تضامناً مع إخوانكم).

شباب الإسلام: إن من الواجب شرعاً لزوم النص الشرعي وعدم مجاوزته، ويزداد ذلك الواجب تأكيداً في أزمنة الفتن والنوازل، ذلكم لأنه كما قيل: (عند النوازل تذهل النفوس عن النصوص) فقد تغلبُ المرءَ عاطفتُه أو قناعتُه أو محاكاته لآخرين، وهذا معاشر شباب الإسلام من الجهل والتسرع المدفوع بحسن القصد.

ومن المعلوم شباب الإسلام بل من المقرر شرعاً: أن حسن القصد وصلاحه لا يشفع لحسن العمل وصلاحه، ومثال ذلك أيضاً: أن يرى أحدهم منكراً فتثور حميته وغيرته، فيقدم على الإنكار بلا علم ولا سؤال، بل دفعته غيرته إلى المبادرة بالإنكار والتغيير، فمثل هذا لا يشفع له صلاح قصده وقوة حميَّته وغيرته على طريقة إنكاره، وقس على هذا ما يتعلق بنشر الخير عموماًº فلا يجوز لأحد إحداث طرق وأساليب ما أنزل الله بها من سلطان، ومما يزيد في الضرر الناشئ من جُرّاء ذلك إذا كان المتبني لتلك الأساليب من المحسوب على الصالحين.

ألا فليتق الله - تعالى -كل منا في نفسه وليحذر من مجاراة عاطفته وقناعته دون بصيرة بالعلم وسؤال أهله، وليعلم هذا وأمثاله أن من أسباب نشوء بعض البدع وخفاء بعض السنن، مطاوعة المرء لما تهوى نفسه، وسلوك أي سبيل في تحقيق ذلك، ولا يخفاكم معاشر شباب الإسلام أن شر البدع وخيم، ففي أول أمرها يستسهلها الناس، ثم مع تواطؤ عملهم يستحسنونها، ثم مع تقادم الزمن عليها يتمسكون بها، بل ويدافعون عنها، ثم يزيد شرها وضررها إذا دخلت في أصول الديانة، ذلكم شباب الإسلام أن البدع إذا دخلت في الفروع سهلت مداخلتها في الأصول، فهي كالجناية تكون في طرف البدن، فيسري أثرها ويزداد ألمها حتى تنهك الجسد كله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية معدداً مفاسد البدع: \"ومنها أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن حتى تجد كثيراً من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس، ومنها أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن وتفتر رغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهكذا عكس الدين، ومنها ما في ذلك من مصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وما يترتب على ذلك من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين...\" إلى أن قال - رحمه الله تعالى -: \"ومنها مسارقة الطبع إلى الانحلال من رتبة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم\" ثم قال - رحمه الله تعالى -: \"ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً\" انتهى كلامه - رحمه الله - تعالى(2).

شباب الإسلام: والذي يرى حال انتشار البدع في عالمنا الإسلامي يرى مصداق ما ذكره شيخ الإسلامº فللبدع رايات مرفوعة وأعلام منصوبة، والمُنكِرُ على أصحابها مذموم مدحور عند أتباعها، ذلكم لأنهم أرضعوا ألبانها صغاراً وتمكنت من نفوسهم شباباً وأصبحوا من المقيمين عليها الداعين لها شيباً وشباباً.

 

__________________________

الهوامش:

1- أخرجه الترمذي(2654) عن كعب بن مالك.

2- اقتضاء الصراط المستقيم (119/2).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply