الحوار بين الحضارات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 أولاً: الإسلام دين الحوار:

الحوار منهج قرآنيّ، فهذا حِوار الله - سبحانه - مع ملائكته... (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء)[البقرة: 30].

وحوار الله مع البشر منها: يحاور رسله (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)[المائدة: 116]º بل حتى مع الكافرين (قال ربّ لِم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) [طه: 126، 125].

بل حتى حوار الله -جل جلاله- مع إبليس (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) [الأعراف: 12].

والقرآن مليء بمحاورات الرسل مع أقوامهم (قالت رسلهم أفي الله شكُّ فاطر السماوات والأرض) [إبراهيم: 10].

وتأمل حوار إبراهيم - عليه السلام - مع مُدّعي الربوبية (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربِّيَ الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)[البقرة: 258].

وحوار موسى مع فرعون مُدّعي الألوهية والربوبية في سور عديدة في القرآن، وكذلك بقية الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- إذ يحاورون أقوامهم بالحكمة لدعوتهم إلى الله وبيان الحق لهم والرد على شُبُهاتهم.

وهذا القرآن يحكي حوار النبي - صلى الله عليه وسلم - مع امرأة (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوُركما إن الله سميع بصير)[المجادلة: 1].

وحضارتنا الإسلامية على مدى التاريخ هي حضارة الحوارº فقد حاور علماء المسلمين كافة أهل الملل والنحل بالمنهج القرآني والدعوة إلى الخير(1).

 

ثانياً: آداب الحوار:

1-حُسنُ القصد من الحوار، حيث يبين أهم أهداف الحوار في الإسلام فيما يلي:

أ- الدعوة إلى الإسلام، وعبادة الله وحده لا شريك له وهذا أسمى هدف وأعظم حقيقة وهي الحكمة من خلق البشر (وما خَلَقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56]، ويترتب عليها سعادة البشرية في الدنيا والآخرة (فمن اتبع هُداي فلا يضل ولا يشقى* ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 124، 123].

ويدخل في ذلك إبراز محاسن الإسلام والرد على شبهات أعدائه، وإيضاح الحقيقة العظيمة في الحكمة من خلق البشر وما يُراد منهم وما يُراد بهم وما مصيرهم.

فالحوار مطلب إسلامي لكي نقوم بواجبنا تجاه الأمم الأخرى ليس لإفادة أنفسنا فحسبº بل لإفادة الأمم الأخرى أيضاً لنوصل إليها الخير الذي أمرنا به.

فالأمة الإسلامية هي صاحبة الرسالة الأخيرة، وعليها واجب الإبلاغ (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) [آل عمران: 110]

ب- تحقيق وظيفة الإنسان في الأرض، وهي الخلافة وعمارة الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة: 30](2).

ج-تبادل العلوم النافعة، وحل الإشكالات القائمة، والتعـاون على الخــير

(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة: 2].

2-التواضع والرفق واللينº فهو أدعى للوصول إلى الحقيقة واستمرار الحوار، وهذا ما علمناه القرآنُº فقد أمر الله به موسى - عليه السلام - وهو نبيه وكليمه عند مخاطبة فرعون وقد طغى وتجبر وادعى الألوهية والربوبيةº فقال - سبحانه -: (فقولا له قولاً ليناً لعلّه يتذكر أو يخشى) [طه: 44].

فنحن نحمل أعظم رسالة وأعلى مضمون، ويجب أن تكون الوسيلة كذلك، وقد قال - سبحانه -: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125]. فثقافة الحوار تتطلب احترام حق الآخرين في الحوار والدفاع عن اجتهاداتهمº ولنتأمل قول المولى - سبحانه - (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين) [سبأ: 24] مع أنه الوحي المنزل والمخاطب النبي المرسل.

وفي أدب حواري رفيع تأتي الآية التي بعدها (قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون) [سبأ: 25].

فيها بيان المسؤولية الفردية في الاختيار وعدم الوصاية، وهي كقوله - سبحانه - (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل) [الزمر: 41]، ثم قال في الآية الأخيرة بعدم الجزم مبينة أن الحكم لله (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتّاح العليم) [سبأ: 26].

والإسلام ينطلق في الحوار من التكافؤ بين البشر لا تفاضل لعِرق كما قال اليهود (نحن أبناء الله وأحباؤه) [المائدة: 18]، أو لون كما يدّعي العنصريون البيض في أوروبا، أو طبقية كما هي عند الهندوسº وإنما بصلاحهم، ولنتأمل آية قرآنية مفتتحة بالمبدأ، ومقرره وجود الاختلاف، ومبينة أهمية التعارف وخاتمة بميزان التفضيل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [الحجرات: 13].

وهذا الاختلاف من آياته - سبحانه - (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) [الروم: 22].

فالإسلام يقرر أن الاختلاف حقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات..) [المائدة: 48].

فوجود الاختلاف أمر واقع وله حكم إلهية ويجب التعايش معه (3).

هذا هو الحوار والاختلاف في الإسلام، ولكن عندما ننظر إلى الواقع ودعوات الحوار الصادرة من الغرب لنا أن نتساءل: كيف يؤتي الحوار ثماره في العالم اليوم بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب وهو يصاحب الهيمنة والاستعلاء، والظلم والجور، والاحتلال ولغة السلاح؟! إن ذلك يفقد ثقتنا بهذا الحوار.

إن التكافؤ بين المتحاورين مهم جداً ليحقق الحوار أهدافه(4).

إن الحوار لا يحقق أهدافه مع الاحتلال في العراق والقصف في أفغانستان والمجازر المستمرة في فلسطين!

أيّ حوار ينادي به الغرب مع هذا العدوان والظلم ولغة الاستعلاء، وفرض المصطلحات واستغلال التفوق الإعلامي لتشويه الآخرين؟!

كيف نثق بهذا الحوار الذي يهدف إلى نمط جديد من الدبلوماسيةº لتكريس الظلم، ولتحقيق مصالح تتعلق بالاقتصاد والسياسية ومواصلة الحرب والصراع والاحتلال؟! (5)

إن الغرب مطلوب منه قبل الحديث عن الحوار ونشر الديمقراطية (والشرق الأوسط الجديد) -إن كان يريد خيراً بالآخرين- أن يخفف الهوة السحيقة بين البلدان الغنية والفقيرة، وعليه مساعدة البلدان على التنمية لا توريطها في الديون والفقر. وفرض الإملاءات عليها ويجب مساعدة البلدان التي خربتها الحروبº كالصومال وأفغانستان وغيرها على إنهاء ذلك الوضعº بل يجب أن تكف يدها عن إشعال الفتن في تلك البلدان.

بعد ذلك يُقال أننا نرفض الحوار والتسامح! ومن يتهمنا بذلك؟ إنه المستعلي الظالم المحتل لأرضنا والمشوه لديننا وثقافتنا!

ومع ذلك فلا نزال نقول إننا مع دفاعنا عن ديننا وثقافتنا وأرضنا وأنفسناº فإننا نرى أن الحوار هو خيار مهم لتحقيق أهدافنا العليا القائمة لمصلحة البشر.

 

----------------------------------------

1- انظر: موقف الإسلام من الحضارات الأخرى، د. محمد نورد شان، بحث مقدم إلى ندوة الإسلام وحوار الحضارات- غير منشور، مكتبه الملك عبد العزيز، الرياض / السعودية، محرم 1423هـ، ص: 6.

2- انظر: مدخل إسلامي لحوار الحضارات، لمحمد السعيد عبد المؤمن ص (11-12). بحث مقدم لندوة الإسلام وحوار الحضارات، مكتبة الملك عبد العزيز، 1423 غير مطبوع.

3- انظر مجلة المعرفة، العدد 101 شعبان 1424 هـ موضوع قيم الإسلام، الحوار والانفتاح على العالم ص (18-26).

4- انظر: من أجل حوار بين الحضارات (9) روجيه جارودي. دار النفائس، الطبعة الأولى 1411 هـ.

5- انظر: حوار الحضارات، محمد خاتمي (50) ضمن كلمة الرئيس الإيراني في اليونسكو (بتصرف) في فرنسا 30/10/91 دار الفكر دمشق الطبعة الأولى 1423 هـ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply