عندما يعد الطلاب المنهج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تأليف د. مارشا جراس*

الأستاذ المشارك في جامعة تكساس، أمريكا

في عصر المناهج المعدة مسبقًا والمقاييس المعتمدة من الدولة يمكن للمعلمين مساعدة طلابهم على وضع المناهج الخاصة بهم.

لقد كنا 120 طالبًا و35 معلمًا متدربًا نقوم بوضع المناهج معًا. في بداية كل فصل دراسي كنا خائفين، وفي نهاية كل فصل كنا واثقين.

 

لقد شاركت على مدى عامين في مشروع شراكة مع مدرسة ابتدائية لتصميم دورات دراسية حول اهتمامات الطلاب. في هذا المشروع كان لدى المعلمين المتدربين في جامعتي الفرصة للعمل مع مجموعة مكونة من تلميذين أو ثلاثة على مدى ساعة ونصف لمدة يوم واحد في الأسبوع. لقد تخلينا عن أدلة المعلم والتوصيات وأدلة المناهج وقائمة نتائج التعلم المعتمدة من الدولة، وعن عقلية المنتجات الجاهزة لصالح إشراك الطلاب في عملية بسيطة هي «تعلُم كيفية التعلُم».

 

إننا نعتقد أن تعلم كيفية التعلم أهم بكثير من تعلم ماهية ما نتعلمه. واعتقادنا هذا يتناقض بشكل مباشر مع برامج المناهج الصارمة وبرامج القراءة المنظمة الأخرى التي تتحدد فيها الأفكار والمهارات مسبقًا وتتسلسل من قبل جهات خارجية. إن مراجعنا هي الطلاب ومعلموهم، حيث يستخدم الطلاب مهارات القراءة والكتابة والتفكير وبناء المعرفة في مجموعات بنائية اجتماعية قائمة على الاعتقادات التعليمية والتعلمية التي تُعطي قيمة عملية للمنتج. هذا المدخل لا يتوفر لكل فرد، ولكنه وجد ناجحًا مع أنواع عديدة من المتعلمين.

 

المناهج الموضوعة من قبل الطلاب

يعمل الطلاب في هذا البرنامج في مجموعات مكونة من طالبين أو ثلاثة طلاب مع معلم متدرب يقوم بدور المرشد والمرجع المقيم والعضو في المجموعة. يشتمل النشاط النموذجي للمجموعة على التفكير والتقرير فيما تهتم المجموعة بتعلمه. وإذا لم تتمكن المجموعة من التوصل إلى إجماع حول موضوع من الموضوعات يتم اختيار موضوعات فردية. وبالنسبة للطلاب في الصف الأول قد يكتمل البحث في الموضوع بالنسبة لهم في جلسة واحدة. أما بالنسبة للطلاب في الصف الرابع فقد يستغرق التخطيط والقراءة والكتابة والإجابة والمشاركة من جلستين إلى ست جلسات بحيث تستغرق كل جلسة مدة ساعتين.

 

فمثلاً، لقد رغبت إحدى المجموعات من طلاب الصف الأول دراسة الخفافيش. فقام المعلم بجمع بعض الكتب عن الخفافيش، ومعلومات عن الخفافيش من دائرة المعارف، ونموذج لخفاش. وقد قامت المجموعة على مدى ثلاث جلسات بالقراءة والاستماع والحديث والرسم واكتساب المعلومات عن الخفافيش. وقد عرفوا أن الخفافيش لا تمتص الدم من الأجسام التي تتطفل عليها. إلا أن نوعًا واحدًا من الخفافيش يقوم بعمل ثقب في الحيوان ويلعق الدم النازف من الجرح. وعندما علموا هذه المعلومة غابت عنهم الإثارة حول الخفاش المصاص للدماء، ولكن الطلاب قاموا بسرعة بالتعويض عن دهشتهم بالنسبة للخفافيش الماصة للدم بالفخر بأن بإمكانهم إخبار الأشخاص الآخرين عن هذه المعلومة المدهشة.

 

مجموعة أخرى من طلاب الصف الثاني رغبوا في دراسة العينين. فأحضر المعلم بعض الكتب عن العينين وعيني بقرة من جزار في الحي. وبعد أن ارتدوا القفازات وتسلحوا بالسكاكين قام أفراد المجموعة بتشريح العينين ووزنهما، وبالطبع قاموا بإزالة العدستين والنظر من خلالهما. هذه المجموعة المكونة من ثلاثة طلاب تحولت سريعًا إلى مجموعة من 25 طالبًا انتظر كل واحد منهم بفارغ الصبر دوره في المشاركة.

 

كما اختارت طالبتان من الصف الخامس دراسة الزهور، فقام المعلم بتقديم الأدلة التعريفية للزهور ومكبس للزهور وبذور الزهور وكتب عن الحدائق. وقامت الطالبات بدراسة ما لديهن من مواد وجمعن الزهور وقمن بكبسها وتثبيتها وقدمن عرضًا رسميًا عنها.

 

وقام أحد طلاب الصف الخامس بدراسة «دب الباندا» ومكان عيشه وماذا يأكل وكيف يلد ويعيش ويموت. ثم قام بتقديم المعلومات التي تعلمها لأقرانه.

 

هذه الأمثلة عبارة عن تجارب تعليمية ممتازة لأن الطلاب هم أنفسهم الذين اتخذوا القرارات المهمة حول ماهية ما يدرسونه وكيف يدرسونه، وكيف يعرضون على الآخرين ما سبق أن تعلموه. لم يشاركوا في منهج يركز على الطلاب فقط بل شاركوا في منهج وضعه الطلاب.

 

لقد قام هؤلاء المعلمون بكل ما يقوم به المعلمون الجيدون، فقد عرضوا الخيارات والمواد والتوجيه والمشاركة. كما قاموا بوضع النماذج وبيّنوا عمليًا كيف يبدو حب الاطلاع وما الذي يفعله الذهن المحب للاطلاع عندما يبحث عن المعرفة وكيف يأتي الرضا من حب الاطلاع الفكري والأكاديمي. كما بيّنوا كيف يفكرون في العالم عن طريق العلوم والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفن والأدب وتعلم القراءة والكتابة. وبينوا أيضًا أن المعرفة مترابطة ومتاحة من أكثر من منظور.

 

التعليم من مناهج معدة مسبقًا

الأسلوب البنائي الاجتماعي في التعليم واحد فقط لأن معظم المعلمين يفضلون أو يجبرون على الالتزام بالمنهج المُعد مسبقًا. لتأييد ما أقول، اعتمد اعتمادًا كبيرًا على العلماء الذين يناصرون الأسلوب البنائي مثل جيري هارست (هارست، واتسون وكوبلاند، 1993م، هارست 1994م)، وهيئة الاتحاد الأمريكي للأبحاث التربوية التي عقدت مؤتمرها السنوي 1997م، وشاركت فيه آن براون ومارلين سكارداماليا (بيريتر وزملاؤه، 1997م). وبالطبع، فإن العالم المعروف أكثر من غيره لبحثه في فلسفات البنائية الاجتماعية هو ليف فيجوتسكي (ديكسون-كراوس، 1996م) وهو عالم نفس روسي.

 

إن التعليم والتعلم البنائي الاجتماعي غير ثابت ومفتوح على التغيرات في نتيجة ما تم تعلمه، ويعتمد أكثر على مرجعية المعلم أكثر من مرجعية الدولة. كما أنه يتطلب أن يكون المربون الذين يعلمون المناهج الموضوعة من قبل الطلاب ناضجين ومتمرسين وواثقين وغزيري المعلومات ومتعلمين طوال حياتهم.

 

ويقارن فرانك سميث بين الاختلافات من وجهات النظر البنائية الاجتماعية ووجهات النظر النموذجية المعتمدة من الدولة حول كيفية حدوث التعلم (سميث، 1998م). فهو يقول إن النظرة التقليدية للتعليم البنائي الاجتماعي تقول إن التعلم مستمر وعديم الجهد ومستقل عن الثواب والعقاب ولا يُنسى أبدًا وتثبطه الاختبارات. ويوضح سميث أن النظرة الرسمية للتعلم في المقابل تقول إن التعلم يعتمد على المناسبات والجهد، ويعتمد على الثواب والعقاب وسهل النسيان، ويُضمن بوساطة الاختبارات ويعتمد على الاستظهار. كما أن المعلمين والمجتمعات الراغبين في استكشاف تطور المنهج سوف يحتاجون إلى مراجعة الاختلافات بين وجهات نظر التعلم التقليدية والرسمية بشكل مستمر.

 

ما الذي يريد الطلاب تعلمه؟

بعد العمل مع أكثر من 200 معلم متدرب في عملية إعداد المناهج تم الاطلاع على نشوء كل حالة تعليمية وموضوع متصور. لقد طلب بعض الطلاب بشكل جاد دراسة ألعاب الفيديو وسلاحف الننجا والألعاب الأخرى. أما غيرهم فقد قاوموا وعارضوا المتعلمين الذين كان حب استطلاعهم لعالمهم إما غير متطور أو كانوا محبطين.

 

أما غالبية الطلاب فلا يمكنهم التحدث بسرعة كافية لإخبارنا بما يريدون تعلمه. إنهم يريدون دراسة جيسي جيمس والديناصورات والشعر والهندسة المعمارية والآثار وعلم الحيوانات وإفريقيا وأريجامي والطيران والتجارب العلمية (وهذه أكثر الطلبات شعبية حتى الآن)، وكذلك الدمى وثوماس جيفرسون وسيفلرستاين والهياكل العظمية والطائرات الورقية. إن اهتماماتهم غير متوقعة بالكامل. والمعلمون المستقبليون يتعلمون بسرعة لأن ليس هناك موضوع أكثر ملاءمة للصبيان منه للبنات أو لطلاب الصف الأول منه لطلاب الصف الرابع. أي طالب في أي صف ربما لا يحب شيئًا أو يحب كل شيء أو جميع الأشياء.

 

عشرة اعتبارات رئيسة

إن توفير الفرص للطلاب لإعداد المناهج الخاصة بهم تنطوي على المخاطرة وتتطلب الشجاعة. ويجب أن يفهم المعلمون الفرق العميق بين النظرة التقليدية للتعلم والنظرة الرسمية للتعلم. إنهم يحتاجون إلى النظر في 10 اعتبارات من أجل تنسيق الفصل البنائي الناجح الذي يقوم فيه الطلاب بوضع المناهج الخاصة بهم في برنامج يقوم على أساس الأدبيات.

 

* دعم الكبار والبدء بالصغير: إن المعلمين الذين يستخدمون طلابهم كمصدر معلومات للمنهاج يجب أن يكونوا قد حصلوا على تأييد ودعم الإداريين وأولياء الأمور. ويجب على المعلمين إطلاع الإداريين على خططهم وتقدمهم وتواصلهم مع أولياء الأمور في منازل مفتوحة ورسائل إخبارية وحوار. إن أهم ما يتم مشاركته مع جميع المهتمين بالعملية التعليمية هو الطالب: ما الذي تعلمه الطلاب وما الذي أنتجوه وما خططهم للتعلم المستقبلي.

 

* استخدام مصادر المكتبة: يتطلب الأمر لإعداد المنهج في الفصل الدراسي المعاصر كتبًا من المكتبة ووسائط غير مطبوعة. ومن ثم فإن بناء الصداقات مع أمناء المكتبات في المدارس والمكتبات المحلية خطوة أولى رئيسة ومتواصلة، ذلك لأن بدون هذه الموارد فلن يكون من الممكن بناء المناهج التي سيُعدها الطلاب.

 

* التخلي عن أدلة المنهج والاستعداد لوضع النماذج: يجب أن يكون المعلمون مستعدين للتعليم بدون مساعدة أدلة المناهج وبدون الاعتماد على قيوده أو أهدافه المقررة. إن تنفيذ المنهاج المُعد من قبل الطلاب يعني الابتعاد بصورة مؤقتة وربما دائمة عن اتباع خبراء المناهج. كما يجب أن يكون المعلمون قادرين على وضع نماذج عما يفعله المتعلم المحب للاطلاع واستكشاف الموضوعات التي تكون موضع اهتمام من وجهات نظر مختلفة وطرح الأسئلة وربط التعلم الجديد بالقديم والمشاركة في ما تعلمه الطالب.

 

* تطوير أدوات التقويم: يجب أن يتم التقويم عن طريق أداء الطلاب وعروضهم وخبراتهم وتوضيحاتهم، وعن طريق الكتابة والمحافظ والتقويم الذاتي. فصفحات التمارين في نهاية الوحدة التعليمية وقوائم كلمات التهجئة والامتحانات المتعددة الخيارات واختبارات الصح/الخطأ لن تكون مفيدة في قياس نمو الطالب في النواحي الأكاديمية وفي تعلم القراءة والكتابة في منهاج بنائي.

 

* السماح بالضجيج: يجب أن يتقبل المعلمون والطلاب فكرة أنهم سيعملون في بيئة فصل غير هادئة، ذلك أن الفصل سيكون مشغولاً ومتفاعلاً ومتحركًا وربما تسوده الفوضى. ومن ثم فإن القواعد الصارمة في نهاية اليوم لتنظيم وتنظيف الفصل ستضمن أن تكون منطقة العمل للجميع في حالة صالحة ومهيأة للاستخدام في اليوم التالي.

 

* حفظ السجلات: يجب على الطلاب في نهاية كل يوم تسجيل ما عملوا عليه وما يخططون للعمل عليه في اليوم التالي. ويمكن أن تشمل القيود في السجل الكتب المستعملة والأفكار التي تم مناقشتها، والمشاكل التي تم مواجهتها، والنجاحات التي تحققت، والأفكار التي تُركت للتفكير فيها مستقبلاً. هذا التسجيل سيسمح للمعلم معرفة ما يجري في الفصل بالضبط. كما سيظهر أن الوقت الذي قُضي في نشاطات التعلم البنائي كان مفيدًا.

 

* لا تخف فإن الروتين سيأتي: يجب أن يعطي المعلمون أنفسهم وقتًا لتطوير الروتين. فجو الإلزام القاهر لن يسمح بالتمتع الكامل بالعملية البنائية أو الفرصة الكاملة للعملية كي تنجح. إن إعداد المنهج يستغرق وقتًا ومثابرة ويتطلب اعتقادًا ثابتًا بأن العملية يمكن أن تنجح. ومن ثم يجب تكوين نظام مساندة من المعلمين الآخرين الذين يهتمون بالمفهوم البنائي، ذلك لأنه بدون فريق مساند فإن هذا النوع من المنهج يمكن أن يكون مملاً. كما يجب تخصيص 90 دقيقة على الأقل من وقت العمل بشكل متقطع للطلاب.

 

* كن متعلمًا: هذا النوع من المناهج يتطلب من الجميع في الفصل أن يكونوا متعلمين. فكن مستعدًا لتعلم الموضوعات التي تهم الطلاب. ولكن اعلم أنه لا يمكن أن يكون شخص واحد مهتمًا بكل موضوع يراه الطلاب مثيرًا. فمن النادر أن تجد معلمًا يرى أن كلاً من اوريجامي وجيسي جيمس جديران بالدراسة. ففي بعض الأحيان يجب أن تزرع الحماس وتنتظر حتى تجد المجموعة التالية من الموضوعات طريقها إلى الفصل.

 

* انقل التوقعات غير المقلقة: إن بناء المنهج من منظور الطلاب مفيد ومجهد في الوقت نفسه. ولذلك استبدل الأسئلة التي تزرع الثقة بالأسئلة المثيرة للقلق. السؤال المثير للقلق هو، ماذا لو لم يكن الطلاب يتعلمون شيئًا؟ أما السؤال الواثق فهو ما الدليل العادي المتاح لتوثيق ما يتعلمه الطلاب بالفعل؟

 

* اجمع البيانات أسبوعيًا: قم كل مدة لا تتجاوز أسبوعًا بتوثيق ما يعمله الطلاب وما يمكن تحسينه. واستعمل الصور والفيديو والملاحظات الرسمية والخلاصات المكتوبة والتغذية الراجعة من الطلاب لتقييم التعلم. واستخدم البيانات لجعل البرنامج أكثر كفاءة. ثم اشترك مع الطلاب وأولياء أمورهم في جمع البيانات. واسمح لهم أن يستخلصوا النتائج بأنفسهم. إن ملكيتهم للفصل هو العنصر الرئيس للفصل الناجح الذي يجري إنشاؤه.

 

إن بناء المنهج مع الطلاب عملية نابضة بالحياة يمكن أن تؤدي إلى مستويات عليا من التعلم المستقل وقفزات كبيرة في تحقيق المعرفة الفردية. كما أن إعطاء الطلاب الحرية لاستكشاف عالمهم بثقة وبشكل روتيني هو إحدى تجارب التعلم المهمة للغاية التي توفرها المدارس الحديثة الآن.

 

* Marsha Grace is Associate Professor at Texas A & M University، College Education.

The Reference:Association for supervision and curriculum development، Educational Leadership/ November، 1999، U.S.A.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply