عيد أهل الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا شهر رمضان قد حل ضيفاً على أهل الإسلام، فاستقبله المسلمون بفرح وسرور مستبشرين بمطلع هلاله حيث الرحمة، والمغفرة، والصيام، والقيام، والبذل، والعطاء شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى\" والفرقان(185) {البقرة: 185}.

فرض الله - عز وجل - صيامه، وسن رسول الله {قيامه، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، فيه تصفد الشياطين، ويقال: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، يمن الله - تعالى -على عباده فيه بالمغفرة والعتق من النار، فيه ليلة خير من ألف شهر، من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

وبعد انقضاء هذا الشهر العظيم وبعد أن يستكمل المسلمون صيام هذا الشهر، شرع الله - تعالى -لهم عقب ذلك عيداً يجتمعون فيه على ذكر الله - تعالى -وشكره، وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم في ذلك الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم، ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.

وفي العيد تتقارب النفوس على الود، وتجتمع على الألفة، وفي العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، ويتصافحون بعد انقباض، وفي ذلك كله تجديد للصلة الاجتماعية بين الناس على أقوى ما تكون حباً ووفاءً وإخاءً، ولقد اشتملت الأعياد الإسلامية على سنن مثلى وصفات جميلة منها:

1- مشروعية التجملº وذلك ليظهر المسلم بما يليق به من نظافة الملبس، ونقاء القلب، قال - تعالى -: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد 31 {الأعراف: 31}، قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: \"يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر\"(1).

وعن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه(2).

قال الإمام الشافعي: \"أحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد: الجمعة، والعيدين، ومحافل الناس، ويتنظف ويتطيب\"(3).

2- الفرح والسرورº فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله {المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله {: \"وإن الله قد أبدلكما بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر\"(4).

قال الصنعاني - رحمه الله تعالى -: وفيه دليل على أن إظهار السرور في العيد مندوب، وأن ذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده\"(5).

3- مشروعية التكبير وذكر الله تعالىº لما في ذلك من التوحيد، وإخلاص العبادة لله - عز وجل - قال - تعالى -: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على\" ما هداكم185 {البقرة: 185}.

وذلك شكراً لله - عز وجل - أن مكنهم بفضله ومنّه من صيام رمضان وقيامه..

عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: \"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك وطهرته\"(6).

وإن مما تمتاز به الأعياد الإسلامية: اقترانها بتشريعات تستهدف البر بالفقراء والمحتاجين، والعطف على ذوي الأرحام، والأرامل، والأيتام، فعيد الفطر يقترن بتشريع زكاة الفطرº وذلك للبر بالمعوزين، والتوسعة على الفقراء في وقت يفرح فيه المسلمون، ويشاركون الجميع في بهجة العيد.

ولزكاة الفطر حكم عظيمة، وفوائد جليلةº كما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: \"فرض رسول الله {زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات\"(7).

فلمشروعية زكاة الفطر حكمتان:

الأولى: ترجع على الصائم، وهي تطهر نفسه مما عساه أن يكون قد وقع فيه، وهو صائم من لغو القول وفحشه، وللحسنات أثرها الطيب في إزالة السيئات قال - تعالى -: إن الحسنات يذهبن السيئات114 {هود: 114}.

الثانية: ترجع إلى الإحساس بحاجة أخيه المسلم فيسد حاجته وفاقته في العيد، فيكون الفرح شاملاً للفقير والغني، وبذلك تحصل وحدة السرور والغبطة بينهما كما حصلت في الصيام.

كما تتجلى قوة البناء الاجتماعي للمسلمين في أداء صلاة العيد حيث اجتماع الكلمة، ووجود التآلف والتراحم في مصلى واحد(8).

فما أحوجنا جميعاً إلى العمل بهذه المثل، وتلك الأخلاق والصفات الكريمة، ذلكم أن الأعياد هي المظهر الحقيقي للأمم.

يقول الدكتور السباعي: \"ومن أراد معرفة أخلاق الأمم فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف، والميول، والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو أخلاقه الاجتماعية في العيد إلى أرفع ذروة\"(9).

نسأل الله - تعالى -أن يجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً، وأن يوفقنا للصالحات، وأن يجعلنا يوم العيد من الفائزين، ويوم العرض من الفائزين، اللهم احفظ علينا أمننا وديننا، وألف بين قلوبنا، وأكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار يا رحمن يا رحيم.

 

ــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- المغني: (372/).

2- السنن الكبرى للبيهقي: (3-281).

3- الأم للشافعي: (206/1).

4- سنن أبي داوود: (295/1)، وسنن النسائي: (179/3).

5- سبل السلام: (502/2).

6- صحيح البخاري: (971).

7- سنن أبي داوود: (111/2)، وسنن ابن ماجه (585/1).

8- الأعياد وأثرها على المسلمين د. سليمان السحيمي: (159-180) بتصرف.

9- أخلاقنا الاجتماعية:(171).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply