الإسلام وتيارات العم سام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما زالت أمريكا (العم سام) تطرح الدين الإسلامي على نطاق البحث، تقوم بتقسيمه وتجزيئه، وتفريعه وتشريحه، وإعادة توصيفه وتجديده حتى يصل إلى الصورة التي توافق هواها فقط، بل يتعدى ذلك إلى تفكيكه وتذويبه، وتمييع قضاياه وأحكامه بتحويله إلى مسخ لا يعبر عن دين أو وحي، ولا يعبر حتى عن فلسفة أو فكر، وإنما يصبح شيئاً هلامياً لا يصلح لأي مواجهة مع المعسكر الغربي بعقيدته المسيحية واليهودية، فضلاً عن عجزه أمام المعسكر الشرقي بعقائده الأرضية كالبوذية والهندوسية.

لقد قسمت الإسلام إلى إسلام سياسي، وإسلام حضاري، وإسلام اجتماعي، وإسلام اقتصادي، وإسلام ثقافي، وإسلام شعبي، وإسلام رسمي (حكومي)، وإسلام شعائري، وإسلام فكري، وإسلام متطرف، وإسلام إرهابي، وإسلام إفريقي، وإسلام آسيوي، وإسلام أمريكي، وإسلام أوروبي، أما المسلمون فقد قسمتهم إلى أربعة تيارات:

1- تيار الجمود.

2- تيار التغريب.

3- تيار التجديد.

4- تيار الوسطية والاعتدال.

يستعين العم سام بمحترفي الكتابة، ومهندسي الكلام، وفلاسفة الجدل والحوار والتحوير من أبناء أمتنا الذين خدعتهم حضارة العدو أو قل خادعوا هم دينهم وأمتهم، حيث يجري الترويج للتيار الأخير باعتباره التيار المثالي الواجب اتباعه، والذي لا يتناقض مع الفكر الغربي، بل يؤكد على أنه موافق لمصلحة الإسلام والمسلمين، ولأنهم يعلمون - بينهم وبين أنفسهم - أن الإسلام كل لا يتجزأ، وأنه يؤخذ كله حزمة واحدةº لأنه يمثل منظومة متكاملة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والدينية، أو قل إن صبغة الله وصبغة الإسلام تغلف هذه المجالات جميعها على اعتبار أنها تندرج تحت إطار التعبد لله - سبحانه وتعالى -، وإسلام الوجه لله في كل مناحي الحياة الدنيوية والأخروية، حينما علموا هذه الحقيقية أرادوا تفتيت تلك النظرة الشاملة، وبعثرة حقيقته، وتفريق أتباعه، ومحاربة كل قسم على حدة فضلاً عن بلبلة أفكار المسلمين، وتذويب هويتهم، وتشتيت تصوراتهم، وتضليلهم، واستعداء بعضهم على بعض في ضوء الِفَرَق التي قسموها للإسلام.

يكتب أحد هؤلاء "الدعاة" مبشراً بتيار (الوسطية والاعتدال) ومعبرا عن كيفية تسيده وإنقاذه للمسلمين في عالم اليوم بعد ما يستعرض بقية التيارات ( الجمود – التغريب التجديد – ورابعهم الوسطية والاعتدال)، فيرفض التيارين الأولين: الجمود باعتباره - على حد قوله - يتعبد بوقائع التاريخ، ويقصد به الاتجاه السلفي الذي يتبع كل ما جاء عن السلف الصالح والتابعين في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، وتيار التغريب الذي يستبعد النموذج الإسلامي بالكامل، ويستبدله بالنموذج الغربي بالكامل، أما تيار التجديد فهو يؤيده إذا كان مرتبطاً بتيار الوسطية والاعتدال يعني تجديد في إطار "الوسطية" و"الاعتدال" كما وصفها العم سام.

 

ما هي سماتها التي يبشر بها هذا الكاتب؟

-          الموازنة بين التكليف والاستطاعة في مجال العبادات: ويخرج من هذه الموازنة بما يسمح للمسلمين بإلغاء التكليف في حالة عدم الاستطاعة، أو حتى في حالة الاستطاعة مع احتمال تحقق المشقة مستقبلاً.

-          التأليف بين الدولة والمواطن والمواطنة (في ضوء النظام السياسي الغربي).

-          التأليف بين العقل والنقل: وذلك من خلال إعطاء الحرية للعقل للاختيار والتأويل بين مختلف النصوص بما يتفق مع واقع المسلمين ومصالحهم.

-          المقاربة بين الاجتهاد والتقليد: في ضوء فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ليغطي مسائل الحياة المعاصرة، مع الانطلاق من بعض الثوابت التي يتم فيها التقليد.

-          تقديم المصلحة لتتوافق مع الأصول الإسلامية يقول: "الوسطية والاعتدال الإسلامي فكر تهيمن عليه المصلحة وتجعلها هدفاً، وتجعل رؤية المسلمين لواقعهم (تشريعاً) (ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن)".

-          رفض الغلو والتطرف في أمور الدين دون إفراط أو تفريط، والانطلاق من كل ما هو سهل، وميسور، ومخفف.

-          النظر إلى الدنيا نظرة تقدير وتفخيم، واستبعاد نظرة الازدراء والاحتقار، والتعامل معها في درجة وسط بينها وبين النظر للآخرة.

-          "الوسطية الإسلامية وسطية جامعة تجمع وتؤلف بين ما يمكن جمعه وتأليفه كنسق غير متنافر وغير ملفق من السمات والقسمات، والمكونات الموجودة في القطبين النقيضين كليهما".

-          وسطية الحضارة الإسلامية تتمثل في تأليفها بين المتقابلات المختلفة كالروح والجسد، والدنيا والآخرة، والمادية والمثالية، والدين والعلم، والعقل والنقل، فضلاً عن قدرتها على استيعاب وقبول الحضارات الأخرى، والتفاعل معها وخاصة الحضارة الغربية.

النموذج الوسطي نموذج معرفي لدى تيار التجديد الإسلامي، يرفض الصوفية التي تفنى في الله، ويرفض المادية التي تجعل الإنسان محور الكون الوحيد، وتقدم للإنسانية مذهب الاعتدال بين الاثنين، حيث تربط الوسائل بالغايات، وتقيم الصلات بين العمران والإيمان، وتؤسس علاقة ودية بين الإنسان والطبيعة، إنها الحضارة العمرانية المتدينة التي تأخذ من الحضارات وتعطي بلا حساسية أو شعور بالدونية، حيث تؤسس التمدن الإسلامي القائم على احترام الحضارات الأخرى والأخذ منها بلا حرج.

وهكذا ينسج هذا الكاتب بين المقولات المادية للفكر الغربي الأمريكي وبين مجموعة من الآيات والأحاديث يلوي عنقها لياً لتعبر عن تيار الوسطية والاعتدال التي أرادتها أمريكا عنواناً لإسلام الغد المُعَدَل في كلمة حق أريد بها باطل، فالوسطية هي هذا الدين الإسلامي بكل ما يحمل من عقيدة وعبادة، وأحكام ونظرة للدنيا والآخرة، فمقدار الخيرية في هذه الأمة وهذا الدين ليس المصلحة بفلسفة (الغاية تبرر الوسيلة)، ولا سيادة العقل كما يَدَعِي الكاتب، إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله ((كنتم خبر أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply