المغرب .. شروط تعجيزية وهواجس أمنية تحكم قانون الأحزاب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

بعد أشهر عدة من الجدل السياسي بشأنه وانقسام آراء السياسيين والمهتمين حوله، أصبح قانون الأحزاب السياسية الجديد في المغرب حقيقة نافذة بعد المصادقة عليه في جلسة برلمانية فارغة تقريباً، إذ لم يحضر للتصويت على القانون الذي أثار الكثير من السجال، من ضمن نحو 325 نائباً في البرلمان سوى عدد قليل من النواب، وتم التصديق على القانون ب" أغلبية " 44 صوتاً ومعارضة نائبين وامتناع 22 عن التصويت، الأمر الذي أبان درجة الأزمة السياسية في البلاد وغياب التأثير السياسي للأحزاب، في التعاطي مع قانون هو الأول من نوعه في المغرب.

ومنذ عدة أشهر والقانون المشار إليه يرقد في رفوف الحكومة التي كانت تريد بحسب المراقبين اختيار الوقت المناسب لتمريره أمام البرلمان في صمت، نظراً للانتقادات الواسعة التي تلقاها، سواء من قبل الأحزاب السياسية التي تراجع العديد منها عن انتقاداته في النهاية، أو منظمات المجتمع المدني التي لا تزال ترى في هذا القانون محاولة للقضاء على حرية الأحزاب السياسية ووسيلة لفرض وصاية الدولة عليها، ونظمت وقفة احتجاجية ضده أمام مقر البرلمان في الرباط. لكن الملك بادر خلال تدشين الدورة البرلمانية الحالية إلى دعوة الحكومة للإسراع بإخراج القانون إلى حيز الوجود، مما دفعها إلى المسارعة به، بعد ممارسة نوع من الضغوط على قيادات الأحزاب لسحب انتقاداتها أو التراجع عن بعض التعديلات التي تقدمت بها داخل اللجنة البرلمانية المكلفة بالتشريعات.

قانون التغلب على الأزمة: جاءت الدعوة إلى وضع قانون للأحزاب السياسية في العام الماضي من الملك وليس من الأحزاب نفسها، مما أكد أن هذه الأخيرة أصبحت غير قادرة على المبادرة وفقدت الكثير من قوتها سواء بسبب حالات التسرب لأعضائها أو حالات الانقسام داخلها أو تركيزها على المحطات الانتخابية وفقدان التواصل مع المواطنين وسيطرة الصراعات فيما بينها وتكاثر عددها، إلى حد أصبحت تدعى ب"الدكاكين". وتكمن رغبة الملك من وراء إخراج قانون للأحزاب حسبما أعلن في خطابه العام الماضي في تقوية دور الأحزاب السياسية وتمكينها من أداء المهام المنوطة بها في تأطير المواطنين وإصلاح الأوضاع الحزبية، ويقول بعض المنتقدين لسياسة الحكم في المغرب: إن الأحزاب وصلت درجة من الضعف لم تعد تلعب لصالح الملكية، حتى إن أسبوعية "لوجورنال" الفرانكفونية شديدة الانتقاد للملك وحاشيته كتبت قبل أيام أن "طبيعة التحالف القائم بين الملك والأحزاب وصمت هذه الأخيرة يشكل خطراً على البلاد"، إذ هناك تخوف لدى الدوائر الرسمية من أن يتحول تراجع شعبية الأحزاب وعجزها إلى رصيد إضافي للحركات الإسلامية.

من هنا يرى المراقبون أن الهدف من وراء وضع القانون هو دفع الأحزاب من جديد إلى لعب دور في الحياة السياسية واستعادة نفوذها في الشارع السياسي، وظهرت رغبة الحكم في ذلك في محطتين خلال هذا العام، الأولى: عندما أعلن الملك في مايو الماضي عن " المبادرة الوطنية الكبرى للتنمية البشرية " لإخراج البلاد من النفق الاجتماعي والاقتصادي الحاد إثر تقرير للبنك الدولي دق ناقوس الإنذار حول خطورة الأزمة في المغرب، حيث دعا العاهل المغربي الأحزاب السياسية إلى بلورة تصورات حول هذه المبادرة الشاملة ووضع الملف الاجتماعي على رأس أولوياتها في التحضير لانتخابات عام 2007م، الأمر الذي علق عليه البعض قائلاً: إن الملك أصبح هو الذي يرسم برامج الأحزاب التي تفتقد للبرامج، أما المحطة الثانية فهي مطالبة الملك في شهر أكتوبر الماضي للأحزاب بوضع تصورات تهم قضية الصحراء ومشروع " الحكم الذاتي " الذي طرحه لإنهاء النزاع وتقديمها له، ذلك بعد فترة طويلة من غياب الأحزاب عن هذه القضية التي تعتبر " مقدسة " في البلاد وتدخل ضمن اختصاص القصر والدوائر المقربة من الملك.

يشكل قانون الأحزاب المغربي الجديد تراجعاً كبيراً عن قانون الحريات العامة لعام 1958م الذي كان الإطار القانوني المنظم للأحزاب خلال العقود الماضية، على الرغم من المفارقة الكبرى فيه، وهي أن الأول وضع بعد عامين فقط من استقلال البلاد عن فرنسا في وقت كان يفترض أن البلاد لم تحقق النضج السياسي المطلوب ولم يكن هناك سوى حزبين رئيسين، بينما وضع الثاني بعد خمسين عاماً من الاستقلال وحصول الكثير من التراكمات في التجارب السياسية المتوالية ووجود نحو 43 حزباً سياسياً.

 

قيود وهواجس أمنية:

الهواجس الأمنية في القانون كانت واضحة، وظهر في المادة الرابعة التي أكدت أنه " لا يمكن لأي حزب أن يستند أو يؤسس على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي "، وبذلك أصبح المنع مبرراً قانوناً، بعدما كان الإسلاميون في السابق يقولون إنه لا مبررات قانونية له بناء على قانون: 1958م الذي لم يكن واضحاً في هذا الصدد، كما أنهى القانون أيضاً رغبة عدد من الفاعلين في الحقل السياسي الأمازيغي في تأسيس حزب عرقي لهم يدافع عن المطالب الثقافية والجهوية لهم. وقد اعتبر رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي عبد الله باها أن منع تأسيس أحزاب على أساس إسلامي من شأنه أن يغذي دعوات بعض المطالبين بإحلال العلمانية في البلاد، واستهداف مؤسسة إمارة المؤمنين "التي تشكل الأساس المتين للدولة المغربية على مدى تاريخها"، كما انتقد أيضاً منع تأسيس أحزاب أمازيغية أو جهوية، لأن ذلك يوحي بأن الأحزاب لا علاقة لها بالثقافة المحلية ولا بالجهوية البانية أو الدين.

وقد امتلأ القانون بمجموعة من القيود ذات الطابع التعجيزي التي تجعل من تأسيس الأحزاب أمراً صعباً، من ذلك مثلاً اشتراط حصول الراغبين في إنشاء حزب سياسي على ألف توقيع مكتوب على الأقل للأعضاء المؤسسين للحزب الجديد، يلزمون بمقتضاه بعقد المؤتمر التأسيسي للحزب خلال عام، وأن يكون هؤلاء منتمين بحسب مقرت إقامتهم إلى نصف عدد جهات المملكة على الأقل، شرط ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين بكل جهة عن 5 % من مجموع الأعضاء المؤسسين، ولا يكون المؤتمر التأسيسي مطابقاً للقانون ما لم يحضره 1500 مؤتمر على الأقل، مع أن غالبية الأحزاب الحالية لا تعكس هذا المستوى من الانتشار الذي يطالب به القانون، مما دفع بالمنتقدين إلى القول بأن هدف القانون هو منع ظهور أحزاب جديدة.

 

سلطة الترخيص:

الأمر الآخر أن القانون وضع بيد وزارة الداخلية سلطة الترخيص للأحزاب السياسية وسلطة حلها في حال مخالفة القانون، ولم يجعلها بيد القضاء كما كانت تطالب بذلك هيئات المجتمع المدني وكما هو حاصل في البلدان الديمقراطية. ووضع قائمة من الممنوعات الغامضة التي يرى فيها المهتمون وسيلة لحل الأحزاب مستقبلاً، من ذلك مثلاً الإخلال بالاحترام الواجب للملك، بشكل يسمح بإدخال كل انتقاد للوضع السياسي العام ضمن دائرة المس بالمحظورات. ونص القانون أيضاً على حل الحزب في حال لم يشارك في الانتخابات مرتين متواليتين، مما يقود بحسب المراقبين إلى إدراج جميع الأحزاب في اللعبة الانتخابية بصرف النظر عن الانتقادات التي يمكن أن توجهها هذه الأحزاب للدستور أو القوانين المنظمة للانتخابات.

وقد جاء القانون الجديد بمقتضيات تهم مراقبة مالية الأحزاب السياسية بما يتيح توافر نوع من الشفافية في تدبير ماليتها، حيث منع أن يتلقى الحزب "أية هبة أو تبرع أو إعانة مادية من دولة أجنبية أو من شخص طبيعي أو معنوي خاضع لقانون أجنبي، ولا يتلقى أية إعانة كيفما كانت طبيعتها من طرف الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو المقاولات العمومية"، ومنع الحصول على إعانات من أشخاص أجانب مقيمين في المغرب، وألزم الأحزاب بحصر حساباتها المالية سنوياً والاحتفاظ بجميع الوثائق المتعلقة بماليتها لمدة عشر سنوات على الأقل، وعلق الحصول على الدعم المالي للدولة على عدد الأصوات الحاصل عليها في الانتخابات وعدد المقاعد التي فاز بها كل حزب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply