أساليب المجرمين في التصدي للدعوة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الصراع بين الحق والباطل سُنَّة ماضية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، شاء الخلق أم أبوا، ومن ظنَّ أن الحق يمكنه التعايش مع الباطل في أمن وسلام، فقد جهل سنن الله في هذا الكون. وهل انقطع الصراع يومًا ما منذ أن خلق الله هذه الخليقة على وجه الأرض؟

 

وكما أن لهذا الصراع دوافعه وأسبابه التي تدعو إليه، فإن له حِكَمًا يزداد المؤمن بمعرفتها إيمانًا وثباتًا على هذا الدين.

 ومن المفاهيم الخاطئة التي تحتاج إلى تصحيح: مفهوم الإجرام! فقد شاع في الأزمنة المتأخرة قصر وصف الإجرام على من ارتكب عملاً جنائيًا عدوانيًا من قتل ونحوه حتى لا يكاد يطلق على غير ذلك، وهذا المعنى وإن كان صحيحًا وسائغًا في اللغة والشرع، إلا أننا نجد القرآن الكريم لم يَرِد به بتاتًا، وغالب ما يرد لفظ الإجرام في القرآن في وصف الكافر المكذب بالله ورسله، ولو لم يرتكب قط في حياته عملاً جنائيًا، وهذا المعنى لا يكاد يُعرف في هذا الزمن، بل إننا لنسمع كثيرًا من يضفي على الكافر لقب "السيد" وقد صحَّ في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم - عز وجل -" رواه الإمام أحمد في المسند، والبخاري في الأدب.

 

 والمجرمون كما جاء بيانهم في القرآن الكريم ليسوا صنفًا واحدًا، بل أصنافًا ثلاثة: المشركون، والمعاندون من أهل الكتاب، والمنافقون.

 

ولهم سمات يُعرفون بها، كما أن لهم أساليب يحاربون بها الرسل. وهذه السمات والأساليب منها ما هو مشترك بين أصناف المجرمين جميعًا، ومنها ما يختص به صنف دون الآخر.

 

كما أن هناك تداخلاً بين هذه السمات والأساليب، ويمكن تقسيمها جميعًا إلى ثلاثة أقسام:

1- ما يكون سمة وليس بأسلوب.

2- ما يكون أسلوبًا وليس بسمة.

3- ما يكون سمة وأسلوبًا في آن واحد.

 

وأساليب المجرمين في مواجهة الرسل - عليهم السلام - ودعوتهم كثيرة جدًّا ومتنوعة، بينها القرآن الكريم، وهي لا تخلو إما أن تكون مشتركة أو غير مشتركة.

فأما المشتركة - وهي الغالب على أساليب المجرمين - فتنتظمها كلها سبعة عقود رئيسة، وهي:

1- أساليب في المكر والخداع.

2- أساليب في التولي والإعراض والصد عن سبيل الله.

3- أساليب في تبرير المواقف.

4- أساليب في التعنت والعناد والمشاقة.

5- أساليب في إثارة الشكوك والشبهات.

6- أساليب في التضييق والتعطيل والمنع.

7- أساليب في التنكيل والبطش والأذى.

 

وأما غير المشتركة، فلكل صنف من أصناف المجرمين الثلاثة أساليبه التي ينفرد بها، وهي محدودة، إذ الغالب اشتراك المجرمين في أكثر الأساليب.

وقد ينجح المجرمون في تنفيذ بعض أساليبهم، وتحقيق بعض أهدافهم، لكنه نجاح مؤقت، يعقبه فشل ذريع، وخسران مبين، وهزيمة ماحقة، ظاهرة أو غير ظاهرة، كما جرت بذلك سُنَّة الله - عز وجل -: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغلَبُونَ)[آل عمران: 12]، (إِنَّا مِنَ المُجرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)[السجدة: 22].

 

وانتصار الحق على الباطل سُنَّة ثابتة، لا تتحول ولا تتبدل، وهو أمر قد أوجبه الله على نفسه كما قال - سبحانه -: (وَكَانَ حَقّاً عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ)[الروم: 47]. لكن قد يقع لبس عند كثير من الناس في مفهوم الانتصار، فيقصره بعضهم على بعض صوره الظاهرة دون سواها، فكان لابد من بيان المفهوم الصحيح للانتصار، وهو أن النصر له صور كثيرة، منها ما هو ظاهر مقرون بالتمكين الحسي، كإهلاك المجرمين وإنجاء الرسل من بعدهم. ومنها ما هو خفي غير ظاهر، مقرون بالتمكين المعنوي، كالذي ينتهي بمقتل الرسول أو الداعي أو قهره، وانتصار المجرمين في الظاهر.

ولكنه قد يتأخر النصر عن المؤمنين لأسباب عدة، وحِكَم كثيرة، منها ما هو شرعي كالانحراف عن المنهج، ومنها ما هو كوني قدري كالتمييز والتمحيص.

كما قد يتخلف النصر عن الأمة المؤمنة لتخلف شرط من شروطه، والتي من أهمها تحقيق التوحيد الخالص لله - عز وجل -.

 

  سائلين الله أن يجعل كيد الأعداء في نحورهم، وأن ينصر المؤمنين على عدوهم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply