من أعظم النعم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إذا رزق المرء نفسًا زكية، وذاكرة قوية وقلبًا طاهرًا، وجسمًا عاملًا مرنًا؛ فقد رزق الخير كله، وبلغ من المقصود غايته، ومن المراد نهايته؛ وإن كان أقل الناس مالًا وولدًا، وأضعفهم جانبًا، وأصغرهم جاها، وأدونهم مقاما؛ فهو الذي يشكر على النعمة ويصبر عند المصيبة، ويعتبر بما يرى، وينفعل بما يسمع، ويؤمن بالغيب، وأن ما أعده الله للمؤمنين من الجزاء على أعمالهم الصالحة واجتنابهم ما حرمه تعالى خير له من الدنيا وما فيها، وأنفع له مما طلعت عليه الشمس أو غربت؛ وهو من الذي يقدر بما منحه الله من صحة في جسمه وقوة في بدنه على القيام بواجبه نحو ربه ودينه ووطنه وأمته خير قيام.

وفي الحديث الشريف "من أمسى آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها" وإلى هذا الحديث أشار بعضهم بقوله:

إذا القوتُ تأنى لَـ           كَ والصحةُ والأمنُ

وأصبحتَ أخا حزنٍ        فلا فارقك الحزنُ

فنعمة الله على عبده بما ذكر نعمة لا يقادر قدرها، ولا يستطاع شكرها إلا أن يرضى بذلك ولا يشتغل بسواه ولا يفكر فيما عداه، فما هذه الدنيا وزينتها غير لهو ولعب، عما قليل يتقلص ظلها ويعفو أثرها؛ وكلما رزق الفتى منها نصيبًا تركه لغيره بعد اشتغاله به في حياته ومحاسبته عليه عند لقاء ربه.

ولكن زكي النفس وطاهر القلب يعيش منعمًا ويفارق الدنيا غير آسف عليها ويبعث يوم القيامة آمنًا مطمئنًا قد أدى حقوق ربه ولم تتطلع نفسه إلى كلم الناس والتعدي على حقوقهم. إن كان له على الناس إحسان وفضل وإلا فلا ذنب لهم عنده ولا حق لهم عليه.

وصاحب الذاكرة القوية يعدُّ أيام حياته صحائف قد سجلت فيها تجاربه واختباراته، فهو في كل ساعة يأخذ ن دروسه الماضية أعظم عبرة وأنفع موعظة. وفي كل لحظة يقيد من حوادث وقته الحالية ما يحتاج إليه في مستقبله؛ ومما حفز وفهم يستغنى عن قراءة الكتب المطولة ومراجعة الأسفار الكبيرة لكل صغيرة من أمره أو كبيرة.

وكم نرى اليوم من معاناة المؤلفين والخطباء والصحافيين إذا أرادوا أن يقولوا شيئًا أو يكتبوه، فليس في ذاكرة أحدهم أكثر من أنه قد اطلع على كذا في كذا لكنه لا يستطيع استحضاره كما هو لا تأديته بأصله وما هو عليه. فعلمنا اليوم كله في السطور أو في الأفواه فقط، وليس في الصدور والذاكرة منه شيء. فالله نسأل أن يمن علينا بطهارة القلوب وصحة الأبدان وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما لم نعلم آمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply