فجر قريب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

كنت في زيارة لمريض قد أصيب بمرض خطير ومعه تضاءلت فرص بقائه -والأعمار بيد الله-، وحدث أن زاره أحدهم في نفس الوقت وقد عَلِم بتفاصيل حالته، وبعد أن سلّم وجلس طفق يعب من القهوة ويلتهم من التمر وكأنه قد أتى من مسغبة وقد أصابه سعار الجوع!! ولم ينته الأمر عند هذا فحسب، ولكن المصيبة عندما بدأ يتحدث ويا ليته لم يفعل وستر عيّه بصمت!!

حيث شرع يتحدث عن الموت وكيف أنّ البشر سيموتون، وأن كُل من عليها فان، ثم بدأ بسرد الآيات التي تتحدث عن الموت موجهاً الحديث للمريض مفتتحاً بقول الحق عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ...} الجمعة8، ولم يكتف بتلك الآية بل أردفها بقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ...} واتبع الآيات بقول زهير:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته    يوماً على آلة حدباء محمول

ثم أجهز عليه ببيت ابن عثيمين:

هو الموت ما منهُ ملاذٌ وَمهربُ       متى حُطَّ ذا عن نَعشهِ ذاكَ يَركبُ

وقد مرضتُ وأنا الصحيح المتعافي بعد حديثة، وقد طيّر قلبي من الخوف وقد أحسست بدنو أجلي، ما بالكم بالمريض الذي أورده هذا الرجل بحديثة حياض الموت!! فأين هذا الرجل من توجيه الحبيب اللهم صلّ وسلم عليه، بالتنفيس عن المريض والتوسيع له في الحياة وطمأنته بالتفاؤل والشفاء!!

للأسف أنّ الكثير يتحدثون بالكلام الصحيح ولكن في الموقف والوقت الخطأ!!

ومن هذا ما ذكرته لي إحدى الأخوات أن زوجها وفي صبيحة ليلة زوجها شرع في قراءة كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد شاهدت بنفسي من جفَّ الحياء في وجهه وقد أخذ يطلق النكات في مجلس عزاء!! ومثل هذا ما يفعله الكثير من استدعاء داعية ليلقي محاضرة (وعظية) في مناسبة زواج لوقت امتد لأكثر من ساعة!!

ومن البلادة وضعف الإدراك ما يفعله البعض من ترك أجهزة جوالاتهم دون إغلاق وقت الصلاة وعدم ضبطه على الصامت، دون أدنى مراعاة لحرمة المكان والزمان، وكأنّ أحدهم وزير للخارجية أو المسؤول الأمني الأول في البلد لا يجب أن تفوته مكالمة! وقد صلى بجانبي أحدهم أتته رسالة أثناء الصلاة فأخرج جواله وفتح الرسالة وقرأها، وأحسبه همَّ أن يرد عليها لولا أن ركع الإمام!!

ما الذي حلَّ ببعض الناس حيث الافتقار لحسن التبصر فيما يقولون ويفعلون؟ حتى أنّ أحدهم يحتقر من حوله ويفرض عليهم أن يكونوا ضحايا له، وعليهم أن يتقبّلوا سلوكه الوقح وتصرفاته الأنانية وفهمه السقيم!!

وقد تحدث الكاتب الشهير كارل ألبريحت في ثنايا حديثة عن الذكاء الاجتماعي عن مهارة جميلة للأسف تنقص الكثير من الناس ألا وهي مهارة (الوعي الموقفي) situational awareness  وهي تعني: التصرف بحسب ما يتطلبه سياق المشهد من قول أو فعل، فمن كمال الشخصية ورفعة الذوق تفهم ما يتطلّبه السياق المكاني والزمني من قول أو فعل وفهم طبيعة الموقف وما يستدعيه من تصرف، وأظنه أعلى درجات الحكمة، فما أروع أن يعرف الإنسان متى يتكلم ومتى يصمت ومتى يبتسم ومتى يعترض ومتى ... هنا استطيع القول إنه سيفرض احترامه على الآخرين وسيمتلك من أدوات التأثير واختراق القلوب الكثير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply