دمعة على الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

... أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع، فلا تريقها أمام هذا المنظر المحزن، منظر أولئك المسلمين، وهم ركَّع سجَّد على أعتاب قبر، ربما كان بينهم مَنْ هو خير مِنْ ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون كذلك بعد مماته؟!

أيُّ قلب يستطيع أن يستقرَّ بين جنبي صاحبه ساعة واحدة، فلا يطير جزعًا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكًا بالله؛ وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات؟!

لِمَ يَنْقِم المسلمون التثليث من المسيحيين؟ لِمَ يحملون لهم في صدورهم تلك المُوجِدَةَ وذلك الضغن؟ وعلام يحاربونهم؟ وفيم يقاتلونهم، وهم لم يبلغوا من الشرك بالله مبلغهم، ولم يغرقوا فيه إغراقهم؟!

يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة، ولكنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد، وبعده عن العقل، فيتأولون فيه ويقولون: إن الثلاثة في حكم الواحد. أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار، وجثث أموات، وقطع أحجار، من حيث لا يشعرون !

كثيرًا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرًا وهو لا يشعر به، وكثيرًا ما تشتمل نفسه على عقيدة خفية لا يحس باشتمال نفسه عليها، ولا أرى مثلًا أقرب من المسلمين الذين يلتجؤون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور، ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود؛ فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب، قالوا: إنا لا نعبدهم، وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وإن أكبر مظهر لألوهية الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين خاشعين، يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون.

جاء الإسلام بعقيدة التوحيد؛ ليرفع نفوس المسلمين، ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية، وليعتق رقابهم من رقِّ العبودية، فلا يذلُّ صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفُهم قويَّهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلَّا بالحقِّ والعدل، وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى، فكانوا ذوي أنفة وعزة، وإباء وغيرة، يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده [غير] سلطانه: قف مكانك، ولا تَغْلُ في تقدير مقدار نفسك، فإنما أنت عبد مخلوق، لا ربٌّ معبود، واعلم أنَّه لا إله إلا الله.

هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أمَّا اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة، والظاهر أخرى- فقد ذلَّت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حَمِيَّتهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعداؤهم السبيل إليهم، فغلبوهم على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم؛ فأصبحوا من الخاسرين.

والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإنَّ طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني، كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات.

إنَّ الله أغير على نفسه من أن يسعد أقوامًا يزدرونه، ويحقرونه، ويتخذونه وراءهم ظهريًّا، فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم مُلمَّة ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه...

يا قادة الأمة ورؤساءها، عَذَرْنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا: إنَّ العامي أقصر نظرًا، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرؤون صفاتِه ونعوتَه، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ}[النمل: 65]، وقوله مخاطبًا نبيه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا}[الأعراف: 188]، وقوله:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.[الأنفال: 17].

إنَّكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم:

وكلُّ خير في اتباع من سلف

وكلُّ شرٍّ في ابتداع من خلف

فهل تعلمون أنَّ السلف الصالح كانوا يجصصون قبرًا، أو يتوسَّلون بضريح؟ وهل تعلمون أنَّ واحدًا منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هَمٍّ؟ وهل تعلمون أنَّ الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله، وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟

وهل تعلمون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثًا ولعبًا؟ أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟

وأيُّ فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور، ما دام كلٌّ منها يجرُّ إلى الشرك، ويفسد عقيدة التوحيد؟

والله ما جهلتم من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة؛ فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم، يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply