تنبيهات في حفظ المتون والمنظومات


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فهذه بعض الآراء في باب حفظ المتون والمنظومات.

ولست حافظا، لكنها آراء ظهرت لي من الاستفادة من رأي بعض أهل العلم وواقع بعض من حفظوا المتون ممن عرفتهم.

وسأجتنب الأمثلة وحكاية بعض الوقائع واختلاف الآراء في الباب وغيرها؛ طلبا للاختصار.

-       من الخطأ أن يبدا الطالب بحفظ شيء قبل القرآن"1"، بل لاينبغي له أن يزاحم حفظه حفظ شيء من المتون.

-       من الخطأ حفظ القراءات بعد ضبط القراءة الأولى مباشرة، بل لابد من تأخير ذلك زمنا.

-       من الخطأ جعل طريقة حفظ شيء غير القرآن كطريقة حفظ القرآن (في سرد تسلسل السور وغير ذلك).

-       لاينبغي للطالب أن يشتغل بحفظ المتون الفقهية غير المنظومة وغيرها حتى يتقن ما هو أولى منها، وأنى له أن ينتهي مما هو أولى منها إلا بعد عمر طويل؟!

-       إن كنت ولا بد حافظا شيئا من المتون الفقهية غير المنظومة فانتق منها مواضع مهمة لها معنى ظاهر يحتاج ضبطا، ولاتضيع وقتك بحفظ سطر أو سطرين في أحكام واضحة.

-       المنظومات أولى من حفظ المتون غير المنظومة؛ لأمور عدة، منها قوة الاستشهاد بها"2"، ولأنها تفيدك اطمئنانا أكثر بضبط ما حفظت"3"، ولأنه يروق للنفس، ويرسخ زمنا أطول.

-       حفظ منظومات علوم الآلة أولى من حفظ منظومات العلوم الأصلية (كالتفسير والفقه).

لأنها في علوم الآلة تزيد على ميزة الضبط= كونها أصلا في ذلك العلم خاصة إن كان ناظمها من أئمة ذلك العلم.

-       كلما تقدم النظم= كان أولى.

وتجنب حفظ منظومات المتأخرين قدر الإمكان إن وجدت عنها مندوحة في بابها.

-       ليس كل نظم يحفظ وليس كل نظم مقصود للحفظ= يحفظ كل ما فيه، فحفظ بيت في الشروط-مثلا- أولى من حفظ بيت في التصوير الظاهري."4"

-       إن كنت قد حصلت شيئا من العلم الذي أعطاك بعض الملكة العلمية والتمييز= فلاتعتمد على انتقاء ما تحفظه من المنظومات وغيرها على أحد، بل انتق أنت بنفسك [ولابأس من الاستعانة بغيرك لا الاعتماد الكلي].

وهذا يجعلك أثبت ضبطا وأكثر قدرة على الاستدلال واستنباط محل الشاهد[الذي هو المقصد الأول للحفظ] والثقة بما حفظت.

-       الإسراع في الحفظ= الأصل أنه مما ينتقد، إلا في أحوال مخصوصة، منها أن يكون لدينا طلاب إما أن يحفظوا بسرعة أو أن لايحفظوا، فهؤلاء يختار في حقهم الإسراع بشرطين: إذا أمنا عدم اغترارهم وظنهم أنهم قد ضبطوا الضبط المطلوب،[حفظ من درجة نازلة]، وإذا أمنا العجب والمباهاة الجوفاء."5"

-       من أكبر مشاكل الحفظ= إغفال قصد ترسيخ المحفوظ ابتداء"6"، ومراجعته لاحقا.

-       حب المحفوظ؛ لمعناه أو لما تعلق به أو لقائله= من أقوى وسائل الضبط، فلا تفوت حفظها تلك الحال حتى يفتر حبك."7"

-       تقوى الله ثم عدم إشغال النفس بالتوافه مع حفظ الجسم والذهن والنوم ودفع الهم كلها مهمة في الحفظ. والناس يغلطون في فهم بعضها خاصة النوم"8"

-       قال السعدي رحمه الله: من تعذر عليه حفظ المتن أو قصر عليه حفظه لفظاً، فليكرره كثيرا حتى ترسخ معانيه في قلبه."9"

وهناك أفكار أخرى لعلي أذكرها لاحقا متى تيسر إن شاء الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

"1" زنحن الآن في مقام المقارنة بين محفوظات[طالب شرع في الحفظ]، فلاترد المسألة الشهيرة في تعلم الصغير الإيمان قبل القرآن عن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم.

"2" غير المنظوم قد يشك السامع في أنك إنما صغت له عبارة بلفظك غير مطابقة لنص ما في المتن، أما النظم فالوزن والروي وغيرهما غالبا يبعدان ظن التصرف والتغيير الظاهر.

"3" لأن خطأك في النظم تكشفه مباشرة.

"4" فلديك-مثلا- بيتان من نظمين مختلفين؛ في ألفية العراقي في علوم الحديث:

     وأهل هذا الشأن قسموا السنن ** إلى صحيح وضعيف وحسن

     وفي ألفية ابن مالك في النحو:

     وصغهما من ذي ثلاث، صرفا ** قابل فضل، تم، غير ذي انتفا

     فانظر ما بين حفظ البيتين من الفائدة في الضبط والاستشهاد. فمن من طلبة العلم سيحتاج يوما  ما إلى الاستشهاد ببيت ألفية العراقي هذا ليستذكر أقسام الحديث الثلاثة ؟! إلا إن أصابه الزهايمر

"5" قال ابن عباس:(قدم على عمر رجل،فجعل عمر يسأله عن الناس،فقال:يا أمير المؤمنين، قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا،فقال ابن عباس: فقلت:والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر، ثم قال:مه.

قال: فانطلقت إلى أهلي مكتئبا حزينا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل منزلة، فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه.

قال: فرجعت إلى منزلي، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، وما هو إلا الذي تقبلني به عمر.

قال: فبينا أنا على ذلك أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: خرجت فإذا هو قائم ينتظرني.

قال: فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: «ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفا؟» ، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت، فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت.

قال: «لتحدثني بالذي كرهت مما قال الرجل».

فقلت: يا أمير المؤمنين متى ما تسارعوا هذه المسارعة يحيفوا، ومتى ما يحيفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا.

فقال عمر: «لله أبوك، لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها»).

رواه عبدالرزاق في جامعه وغيره، بسند صحيح.

قال أبوالفتح البستي: فلاتكن عجلاً في الأمر تطلبه ** فليس يحمد قبل النضج بحران

 

"6" باتخاذ الوسائل المختلفة لإتقان ضبطه لمنعه من التفلت، أما الحفظ الآني فليس على الحقيقة حفظا، وكما ثبت عن الإمام ابن مهدي وأحمد وغيرهما قولهم: (الحفظ=الإتقان).

قال ابن الجوزي في"الحث على حفظ العلم"ص21 حكى لنا الحسن [أي:ابن أبي بكر النيسابوري] أن فقيها أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة، فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا، فقال: أعيديه فأعادته فلما كان بعد أيام.

قال: يا عجوز أعيدي ذلك الدرس.

فقالت: لا أحفظه!

قال:أنا أكرر عد الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك).

"7" قال النضر بن مساور: قلت لابن المبارك: تتحفظ الحديث ؟

قال:ما تحفظت [أي:لم أتكلف الحفظ] حديثا قط، إنما آخذ الكتاب، فما اشتهيته علق قلبي.

رواه الخطيب في تاريخه، بإسناد لابأس به.

وفي الموشى للوشاء ص59: قال"العلماء" و"الحكماء":حب الشيء أول باب تتفتق به الأذهان.

وانظر:الملاهي لوليم شكيسبير2/132

"8" وهو حديث له ذيول، ولعلي أشرح فكرتي فيه لاحقا إن شاء الله.

"9" فتاويه ص28.

 

وترسيخ المعاني أحد نوعي الحفظ (حفظ الألفاظ وحفظ المعاني).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply