الرد على من ادعى اشتراط وجود نسخ مكتوبة بخط الأئمة -البخاري ومسلم والشافعي- لإثبات نسبة كتبهم لهم!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

اشتراط بعض المعاصرين وجود نسخة بخط الشافعي والبخاري لصحة نسبة كتبهم لهم؛ يخالف أبجديات علم تحقيق المخطوطات؛ حيث لا يوجب اشتراط ذلك!

-          لو قرأ أي مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث؛ لعرف بأن ما يقوله تهريج لا قيمة له بإجماع المحققين والمستشرقين!

كما في مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث للسيد رزق الطويل (ص: 200-202): (إذا تعددت النسخ، وتفاوتت درجاتها من حيث الزمن وجودة الخط، وشخصية الناسخ ونحو ذلك، فإنه يلزمنا أن نعمل مفاضلة نستخرج على أساسها نسخة نعدها أصلا، نقابل عليه النسخ الأخرى وتذكر وجوه الاختلاف بينها.

وتقوم المفاضلة على الأسس التالية، أو قل: على هذا الترتيب من حيث الأهمية:

1- النسخة المكتوبة بخط المؤلف.

2- النسخة التي أملاها المصنف على طلابه.

3- نسخة قرأها المؤلف بنفسه، وكتب بخط يده عليها ما يثبت قراءته لها.

4- نسخة قرئت على المؤلف، وأثبت عليها ما يفيد سماعه لها.

5- نسخة منقولة عن نسخة المؤلف، أو قوبلت على نسخة المؤلف.

6- نسخة كتبت في عصر المؤلف، وأثبتت عليها سماعات من العلماء.

7- نسخة كتبت في عصر المؤلف وليس عليها سماعات.

8- نسخة كتبت بعد عصر المؤلف وليس عليها سماعات.

وهناك اعتبارات أخرى تجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة كصحة المتن، ودقة الكاتب، وقلة الإسقاط.

وإذا كان بين أيدينا نسختان: نسخة قديمة كثيرة التصحيفات، والتحريفات، والنقصان، وأخرى حديثة لكنها صحيحة، فالأولى الاعتماد على الحديثة الصحيحة؛ لأن سلامة النسخة الحديثة يكون راجعًا إلى كونها مكتوبة بخط ناسخ محقق، له دراية فأصلح الخطأ وقومه أثناء عملية النسخ، وقد تكون النسخة الحديثة منقولة عن نسخة أخرى قديمة صحيحة، وتسرب إليها التلف.

أيا ما كان الأمر، فإن هذا المنهج الذي ذكرناه في الموازنة بين النسخ المتعددة أفضل بكثير من المنهج الذي ذكره برجستراسر في المفاضلة بين النسخ؛ إذ جعله قائمًا على الأسس التالية:

1- النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة.

2- الواضحة أحسن من غير الواضحة.

3- القديمة أفضل من الحديثة.

4- النسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابل.

ذلك لأن هذه الأسس عامة وينقصها التحديد الدقيق لتتم على أساسها المفاضلة، وقد ذكر برجستراسر في محاضراته التي ألقاها على طلبة كلية الآداب، وهي تعد في طليعة ما كتب عن قضية تحقيق النصوص، أن هناك كتبا حققت، ولم تلتزم هذه القواعد...) مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث (ص: 200-202)

-          تحقيق التراث اليوناني القديم كمؤلفات أرسطو وأفلاطون؛ فضلا عن التراث الإسلامي؛ له قواعده العلمية ولا يشترط لصحة نسبة كتاب لمؤلفه؛ وجود نسخة بخطه!

-          كتاب الرسالة للشافعي أملاه على تلاميذه ومنهم الربيع بن سليمان الذي نقله من نسخة الشافعي وقرأه عليه وعليها اعتمد شاكر..

جاء في مقدمة الرسالة: (الرسالة.. للإمام المطلبي محمد بن ادريس الشافعي 150 – 204.. عن أصل بخط الربيع بن سلمان كتبه في حياة الشافعي –قال شاكر- من أول يوم قرأت في أصل الربيع من (كتاب الرسالة) أيقنت أنه مكتوب كله بخط الربيع، وكلما درسته ومارسته ازددت بذلك يقينا، فتوقيع الربيع في آخر الكتاب بخطه بإجازة نسخه إذ يقول: "أجاز الربيع بن سليمان صاحب الشافعي نسخ كتاب الرسالة، وهي ثلاثة أجزاء في ذي القعدة سنة خمس وستين ومائتين، وكتب الربيع بخطه"-: نفهم منه أنه كان ضنينا بهذا الاصل، لم يأذن لأحد في نسخه من قبل، حتى أذن في سنة 265 بعد أن جاوز التسعين من عمره، وعبارة الإجازة تدل على ذلك، لمخالفتها المعهود في الاجازات، إذ يجيز العلماء لتلاميذهم الرواية عنهم، أما إجازة نسخ الكتاب فشيء نادر، لا يكون إلا لمعنى خاص، وعن أصل حجة لا تصل إليه كل يد... وأنا أرجح ترجيحا قريبا من اليقين أن الربيع كتب هذه النسخة من إملاء الشافعي، لما بينت فيما مضى، ولأنه لم يذكر الترحم على الشافعي في أي موضع جاء اسمه فيه، ولو كان كتبها بعد موته لدعا له بالرحمة ولو مرة واحدة، كعادة العلماء وغيرهم... ومما لا شك فيه أن خط الربيع يعتبر من خط أهل القرن الثاني، لأنه ولد سنة 174 والشافعي دخل مصر في أواخر سنة 199 فاتخذ الربيع خادما له وتلميذا خاصا، وكان الشافعي يقول له: "أنت راوية كتبي". وحين قدم الشافعي مصر كان الربيع مؤذنا بالمسجد الجامع بفسطاط مصر -جامع عمرو بن العاص- وكان يقرأ بالألحان، معنى هذا أنه كان كاتبا قارئا في أواخر القرن الثاني، فقد تعلم الخط والقراءة صغيرا كما يتعلم الناس. ثم يرفع كل شك في نسب هذه النسخة احتفال العلماء العظماء، والائمة الحفاظ الكبار بها، منذ سنة 394 إلى سنة 656 وإثبات خطوطهم عليها وسماعاتهم، بل إثبات أنهم صححوا نسخهم وقابلوها عليها، كما ترى فيما يأتي من السماعات والتوقيعات، ويحرصون على إثبات سماعهم فيها طلابا صغارا، ثم إسماعهم إياها لغيرهم شيوخا كبارا) مقدمة الرسالة للشافعي (17-20).

-           قرأ البخاري صحيحه على الناس وأملاه عليهم ونسخه تلاميذه من كتابه وتواتر عنه في حياته حتى بلغ عدد من سمعه نحو ٩٠ ألفا!

(رُواة صحيح البخاري.. قصد الناس الإمامَ البُخاريَ لسماع الصحيح منه من كل حدب وصوب، وكان البخاري يحدث به أينما حل، فروى الفقيه إبراهيم بن أحمد البلخي قال: سمعت أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى يروي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه عنه غيري.

ومع أن هذه الرواية حكاية حال من الفربري، وفيها ما فيها، إلا أن البخاري كان ولا شك وجهة الناس، وقصد الراحلين من أجل السماع، فقد كان صحيحه بلغت شهرته الأفاق، وتنافس العامة والخاصة في سماعه.

-          رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح الفربري (ت 320هـ):

سمع الصحيح مرتين، مرة بِفِرَبْر -ولك أن تفتح الفاء أو تكسرها- في دخلات البخاري إليها سنة 248، وأخرى في بخارا سنة 252 أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

هكذا قال أَبُونصر الكلاباذي الحافظ، واشتهر هذا القول عند كثيرين.

ورواه ابن حمويه عن الفربري، وهو مذكور في إسناد أبِي الوقت السجزي بروايته عن الداودي عن الحمويي عن الفربري - اعتمادًا -.

فقد رواه ابن حمويه: بحق سماعه من أبِي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري سنة ست عشرة وثلثمائة (316)، بحق سماعه من مؤلفه الحافظ أبِي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري مرتين، إحداهما سنة ثمان وأربعين ومائتين (248)، والثانية سنة اثنتين وخمسين ومائتين (252) أهـ.

لكن غنجارًا الحافظ روى عن الكشاني عن الفربري قال: سُمع الجامع من البخاري بفربر في ثلاث سنين، في سنة 253, وسنة 254، وسنة 255.

ذكره ابن نقطة، وهذا إسناد صحيحٌ عالٍ، ولا يعارض الذي قبله، وقد يكون الفربري اكتفى بذكر التاريخين في رواية ابن حمويه، ولا يعني هذا أنه لم يسمع بعد ذلك، أو أن البخاري لم يحدث به بعد ذلك...

قال الفربري: أنا البخاري بالجامع الصحيح في سنة ثلاث وخمسين ومائتين أهـ فعلى هذا يكون سماعه للكتاب ثلاث مرات والله أعلم.

أخبرنا ابن الفراء بقراءتي عليه بالجامع المظفري في الصالحية، عن ابن نقطة الحافظ: أنه ذكر عن الفربري أنه سمع الصحيح من البخاري بفربر في ثلاث سنين، في سنة 53، و54، و55، وذكر القول الأول أيضا، فتأمل ذلك.

ثم وقفت على ذلك في المجلس الخامس من أمالي أبِي بكر محمد بن منصور السمعاني، في نسختي التي بخط عيسى الرعيني الضابط، ونص ما ذكر: قال الفربري: سمعت الجامع الصحيح من أبِي عبد الله بفربر، وكان يقرأ عليه في ثلاث سنين، في سنة 35، و54، و55 أهـ.

ويستفاد من هذه النصوص أنَّ البخاري كان مقبلًا على رواية كتابه إلى قبيل وفاته سنة 256، أي أنه كان يحدث بعد الفتنة التي حصلت له مع محمد بن يحيى الذهلي والشغب الذي صار عليه منه ومن حزبه، لما قدم عليهم بخارا سنة 252 قبل وفاته بأربع سنين). المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح (1/ 33-47) للمهلب بن أحمد بن أبي صفرة، أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي المريي (ت435هـ).

-          جمع البخاري كتابه من المصنفات المشهورة قبله؛ فلا يوجد فيه حديث ليس في مصدر أقدم منه؛ فأول حديث فيه "إنما الأعمال بالنيات..." هو من مسند الحميدي!

جاء في مسند الحميدي (1/ 163): (28 - حدثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يخبر بذلك عن رسول الله قال: سمعت رسول الله يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).

وفي صحيح البخاري (1/ 6): (1 - حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).

-          ثاني حديث في صحيح البخاري –حديث كيف يأتي الوحي... -موجود في موطأ مالك- شيخ شيوخ البخاري- وبين تأليف الكتابين نحو مئة سنة ١٤٠ و٢٤٠ تقريبا!

جاء في موطأ مالك (1/ 202)ـ: (7- وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي ، أن الحارث بن هشام، سأل رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله : «أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي. فيفصم عني، وقد وعيت ما قال. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول». قالت عائشة: «ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا»

وفي صحيح البخاري (1/ 6): (2- حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا»).

-          ثبوت نسبة كتاب البخاري له قضية قطعية متواترة كثبوت موطأ مالك له وثبوت الرسالة للشافعي؛ بل هو أشهر منهما!

-          لا ارتباط بين ثبوت الكتاب للمؤلف وعدد الرواة عنه؛ فموطأ مالك قرأه على الناس أربعين سنة ووصلت نسخه إلى الأندلس واشتهرت نسخة يحيى؛ وكذلك البخاري فقد اشتهر كتابه الصحيح في حياته وعرضه على شيوخه وأملاه على الناس سنوات ورووه عنه حتى بلغ ذكره الآفاق وتواتر عنه!

-          ونحن نروي صحيح البخاري بواسطة عدد من الرواة عنه وإنما اشتهرت رواية الفربري لأنها نسخة البخاري نفسه!

(قال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في مقدمة كتابه في أسماء رجال البخاري: أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي، قال: حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى، قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري؛ فرأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم لها؛ فأضفنا بعض ذلك إلى بعض، قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول؛ أن رواية أبي إسحاق المستملى، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهينى، ورواية أبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع إنهم انتسخوا من أصل واحد؛ وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما؛ فأضافه إليه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث...) فتح الباري لابن حجر (1/ 8).

-          ومثله مسند أحمد الذي فرغ منه سنة ٢٠٠ وقرأه على الناس يرويه فقط ابنه؛ وظلت نسخته بخط أحمد موجودة حتى اطلع عليها الخطيب البغدادي!

-          ذكر ابن هبيرة إجماع الأمة -في كتابه: الإفصاح عن معاني الصحاح -على قبول الصحيحين وذكر سماع الفربري لصحيح البخاري من مؤلفه مرتين سنة ٢٤٨و٢٥٢هج.

(ثم إني رأيت إجماع المسلمين على الكتابين الصحيحين اللذين انتدب لتخريجهما الإمامان الكبيران: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأن الأمة تلقت ذلك بالقبول، وأنه لا كتاب في الحديث على الإطلاق يفضل عليهما، فرأيت أن أجعلهما مستندا لما أقصده مما ذكرته. وكان قد انتدب أبو عبد الله محمد بن أبي نصر...

قال حدثنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه بن أحمد بن يوسف بن أعين السرخسي قراءة عليه، وأنا أسمع في صفر، سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري قراءة عليه وأنا أسمع بفربر سنة ست عشرة وثلاثمائة، قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري رضي الله عنه، فذكر الكتاب.

وسماع الفربري لهذا الكتاب من البخاري مرتين: مرة بفربر في سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة ببخاري في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

وهذا الكتاب رزقناه بحمد الله سبحانه من هذا الطريق عاليا، وهو من أحسن الطرق مع علوه؛ فإن الحميدي قد قرأه على كريمة مغتنما لعلوها فيه، وكأننا سمعنا من الحميدي وممن قبله من الأشياخ: كأبي بكر الخطيب...) (1/ 40-44).

-          ذكر القاضي عياض أسانيده؛ وقال: مع كثرة رواة كتاب البخاري لم يشتهر في المغرب إلا من طريق الفربري والنسفي!

قال: (وأما الكتاب الجامع المسند الصحيح المختصر من آثار رسول الله () للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المولد والمنشأ والدار الجعفي النسب بالولاء فقد وصل إلينا من رواية أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري وأكثر الروايات من طريقه ومن رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري ولم يصل إلينا من غير هذين الطريقين عنه ولا دخل المغرب والأندلس إلا عنهما على كثرة رواة البخاري عنه لكتابه فقد روينا عن أبي إسحاق المستملي أنه قال عن أبي عبد الله الفربري أنه كان يقول روى الصحيح عن أبي عبد الله تسعون ألف رجل ما بقي منهم غيري.

فأما رواية الفربري فرويناها من طرق كثيرة منها طريق الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي وطريق أبي محمد عبد الله ابن إبراهيم الأصيلي وطريق أبي الحسن علي بن خلف القابسي وطريق كريمة بنت محمد المروزية وطريق أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي وطريق أبي علي إسماعيل بن محمد الكشاني وأبي علي محمد بن عمر بن شبوية وأحمد بن صالح الهمداني وأبي نعيم الحافظ الأصبهاني وأبي الفيض أحمد بن محمد المروزي وغيرهم.

فأما رواية أبي ذر فإني سمعتها بقراءة غيري بجامع مدينة مرسية لجميع الصحيح بها على القاضي الشهيد أبي علي الحسين بن محمد الصدفي ونا بها عن القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر عبد بن أحمد الهروي عن شيوخه الثلاثة أبي محمد بن حموية السرخسي وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي وأبي الهيثم محمد بن المكي الكشميهني كلهم عن الفربري عن البخاري وأخبرني به الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون بمدينة أشبيلية عن أبي ذر الهروي إجازة.

وأما رواية أبي إسحاق النسفي فكتب إلي بها الشيخ الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني وسمعت على القاضي أبي عبد الله التميمي كثيرا مما قيد منها عنه قال حدثني بها أبو العاصي حكم بن محمد الجذامي عن أبي الفضل بن أبي عمران الهروي عن أبي صالح خلف بن محمد الخيام البخاري عن إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري إلا أن النسفي فاته من آخر الكتاب شيء من كتاب الأحكام إلى باب قوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الل}ه فإنه إجازة من البخاري للنسفي ثم ما بعده لم يكن في رواية النسفي إلى آخر الكتاب وذلك نحو عشرة أوراق لم يرو منها إلا تسعة أحاديث أول الكتاب آخرها طرف من حديث الإفك) مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 9-10).

-          ذكر القسطلاني في شرحه للبخاري أسانيده، والنسخ الخطية للكتاب ومنها نسخة الحافظ اليونيني على عدة أصول..

قال عن البخاري: (وأما تآليفه فإنها سارت مسير الشمس ودارت في الدنيا؛ فما جحد فضلها إلا الذي يتخبطه الشيطان من المس وأجلها وأعظمها: الجامع الصحيح. ومنها: الأدب المفرد؛ ويرويه عنه أحمد بن محمد الجليل بالجيم لبزار. ومنها: بر الوالدين، ويرويه عنه محمد بن دلويه الوراق. ومنها: التاريخ الكبير الذي صنفه كما مر عند قبر النبي في الليالي المقمرة ويرويه عنه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس وأبو الحسن محمد بن سهل النسوي وغيرهما. ومنها التاريخ الأوسط ويرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف وزنجويه بن محمد اللباد. ومنها التاريخ الصغير ويرويه عنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأشقر. ومنها خلق أفعال العباد الذي صنفه بسبب ما وقع بينه وبين الذهلي...

وقد عاش بعده ممن سمع من البخاري القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد، ولكن لم يكن عنده الجامع الصحيح، وإنما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في آخر قدمة قدمها البخاري، وقد غلط من روى الصحيح من طريق المحاملي المذكور غلطا فاحشا، ومن رواة الجامع الصحيح ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفي الحافظ وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة وتوفي سنة أربعين ومائتين. وكذلك حماد بن شاكر النسوي بالنون المهملة وأظنه توفي في حدود التسعين وله فيه فوت أيضا. واتصلت لنا روايته من طريق المستملي والسرخسي والكشميهني وأبي علي بن السكن الأخسيكن، وأبي زيد المروزي وأبي علي بن شبويه وأبي أحمد الجرجاني والكشاني وهو آخر من حدث عن الفربري بالصحيح، فأما المستملي فرواه عنه الحافظ أبو ذر وعبد الرحمن الهمداني، وأما السرخسي فأبو ذر أيضا وأبو الحسن الداودي، وأما الكشميهني فأبو ذر أيضا وأبو سهل الحفصي وكريمة، وأما أبو علي بن السكن فإسماعيل بن إسحق بن إسماعيل الصفار، وأما أبو زيد المروزي فأبو نعيم الحافظ...

وقد اعتنى الحافظ شرف الدين أبو الحسن علي ابن شيخ الإسلام ومحدث الشام تقي الدين بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله اليونيني الحنبلي رحمه الله تعالى بضبط رواية الجامع الصحيح، وقابل أصله الموقوف بمدرسة أقبغا آص بسويقة العزى خارج باب زويلة من القاهرة المعزية، الذي قيل فيما رأيته بظاهر بعض نسخ البخاري الموثوق بها وقف مقرها برواق الجبرت من الجامع الأزهر بالقاهرة، إن أقبغا بذل فيه نحو عشرة آلاف دينار والله أعلم بحقيقة ذلك. وهو في جزأين فقد الأول منهما بأصل مسموع على الحافظ أبي ذر الهروي، وبأصل مسموع على الأصيلي، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت وهو أصل من أصول مسموعاته في وقف خانكاه السميساطي بقراءة الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني بحضرة سيبويه وقته الإمام جمال الدين بن مالك بدمشق سنة ست وسبعين وستمائة، مع حضور أصلي سماعي الحافظ أبي محمد المقدسي...) شرح القسطلاني ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 36-40).

-          بخصوص استشكال عدد من سمع صحيح البخاري؛ فقد ثبت أنه حدث ببخارى وفربر وحضر مجلس إملائه ببغداد ٢٠ ألفا!

كان (أبا علي صالح بن محمد البغدادي يقول: كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد، وكنت أستملي له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا. قال: وقال محمد بن أبي بكر: سمعت أبا صالح خلف بن محمد، سمعت محمد بن يوسف بن عاصم يقول: رأيت لمحمد ابن إسماعيل ثلاثة مستملين ببغداد وكان اجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل) تهذيب الكمال في أسماء الرجال (24/ 452).

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply