تلخيص كتاب الهمة العالية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فإنّ كتابَ (الهمةُ العاليةُ) للعالم محمدِ بن إبراهيم الحمد، عقدٌ فريدٌ، ومنارُ السبيلِ، ووابلٌ صيب، وكلامٌ طيب، وسفرٌ بديعُ الفوائد، وتذكرة للكاتبِ والمتكلم، فيه العلوم والحكم، والمحاسن والمساوئ.

وفيه الآدابٌ الشرعية، والسبل المرضية، وهو مدرجٌ للسالكين، وبهجةٌ للأبرار والجالسين، وغذاءٌ للألباب، وتحفةٌ للمودود، ونزهةٌ للمشتاقين، وإحياءٌ لهمم المريدين، وروضةٌ للعقلاء والمحبين.

إنه كتابٌ كاسمِه، ألِّفَ بهمةٍ عالية، قطوفها ليست بدانية، ينظرُ بعينِ الإعظامِ والتِّجِلَّة؛ لأنه مرتغبٌ محبّ، كتابٌ حافلٌ بأقوالِ العلماء الربانين، وأشعار العبادِ الزاهدين، وتراجمِ للأئمةِ السالفين، عُرف صاحبُه بالتأليف، ولم يألُ جاهدًا في كلِّ علمٍ من التصنيف.

يقعُ الكتابُ في ثلاث مائة صفحةً، ولن أعدَمَ أذكَرُ بدعاءٍ غائبٍ ممن يقتني الكتاب، ولن يعدمَ مرجوًّا صاحبِ الهمةِ الضئيلة من نفعِه بكلامِ المؤلف اللباب.

وهذا تلخيصٌ للكتابِ، أضعُ محتواه في ثلاثينَ صفحةً –إن شاء اللهُ– أسألُ الله أن ينفع كل سامع ومستمع، وقارئٍ مطلع، ورزقني الله وإياكم حسن النوايا، والصبر على الرزايا، وسترِ ذنوبِ الزوايا.

 

حقيقةُ الهمّة:

أرتفعُ عن صاحبي بهمتي العالية، وخلالي الحميدة، وأخلاقي الرفيعة، فقلوب الكرام تعشقُ هذه الخِصال، ويهفو إلى اكتسابها نفوسُ الأبطال، فالشريفُ لا يرضى إلا بالأعالي، ترفعك الهمة من الحضيض، والرذائل، والدناءات، إلى أعالي مقاماتِ المجد، والسؤدد، والفضائل.

بالهمّة ترتفع، فتذبلُ خمولتُك؛ لأنها تستلزم الجدّ والإباء، وتطلابَ الكمال، والترفع عن الصغائر، ومحقراتِ الأمور.

ذهبَ مجدُنا السليب، وعزتُنا القعساء، وتقطعنا بعد ائتلاف، وذلا بعد عزة، ولقِيَت صَغارا بعد شمم، وجهلا بعد العِلم، بعد أن كانت عزيزةً مهيبةَ الجنَاب.

 

تعريفُ الهمة:

يقال: ضعيف الهِمّة، والهَمّة، والهُمام : الملك العظيم الهمّة، وقيل: السيد السخي الشجاع.

 

الناسُ والهمّة:

الناسُ في شأن الهمة أربع، فرجلٌ للأمورِ العظامِ وهي همتُه، فهو عظيم كبيرُ الهمة، ورجلٌ فيه الكفاية للأمور العظام، ولكن يبخس نفسه في السفاسف، فهو صغير الهمة، ورجلٌ لا يكفي للأمورِ العظام، ويستشعر أنّه لم يخلق لها، فهو بصير متواضع، ورجلٌ لا يكفي للعظائم، ويتظاهر بقوتِه عليها، مخلوق لأثقالها، فهو فخور متعظِّم!!.

 

تفاوتُ الهِمم:

نقل الشيخ عن عشرين رجلًا في تعريفَ السرور، فبعضهم رأى السرور في امرأةٍ حسناء، وآخر في رفع الأولياء، وآخر في مناقلة الحديث بين الإخوان، وبعضهم رآه في الأمان، وبعضهم رآه في المجالسِ القليل هذرُها، وبعضهم في بنين يغيظ بهم العدو، وبعضهم في الأقواسِ والنِّبال، فكذا الهمم تتفاوت! ولا يخفاكم قصة ابني الزبير وابنِ مروان وابن عمر

 

ذم دنوّ الهمة:

تدري لم مذموم؟ لأنه سلك مسلكا دنيئًا، ومركبًا واطيًا، وخلقا ساقطا؛ لأنه ميال للدعة، مؤثِر للراحة، كلِف مولعٌ بالصغائر، كطرفةِ بن العبد، حين قال:

ولولا ثلاثٌ، هن من عيشِة الفتى ** وجدّك، لم أحفل متى قام عوّدي

فمنهنّ سبقي العاذلاتِ بشربـةٍ ** كمَيتٍ متى ما تعلُ بالماء، تُزيدِ

وكرّي إذا نادى المضافُ محنَّبًا ** كسِيد الغضا نبّهته المتورِّدِ

وتقصيرُ يوم الدجنِ، والدجنُ معجبٌ ** ببهْكَنه تحت الخباءِ المعمَّدِ

يقول: لولا حبي الخصال الثلاث هن من اللذات، لم أبالِ متى قام عودي من عندي، آيسين من حياتي، وهن (شربُ الخمر، إغاثة المذعور، تقطيع اليوم الذي تبلدت سماؤه بالغيوم بالتمتع بامرأةٍ حسناء تحت الخباء المتعمد) وهذا من سفولِ الهمة.

 

مظاهر دنوّ الهمة:

(1)             هناك من لا يطلب العلم، وهناك من يسعاهُ لإدارك الشهادة، وهناك من يطلبه لبزّ الأقرانِ، وهناك من يبتغيه ليستطيل على العلماء، لهذا فالفطر السليمة والنفوس الزاكية، لا تجد الإقبال على حديث من يستخفه بالغرور بما عنده مثل ما تجده من الإقبال على حديث من أحسنَ الدرسُ أدبه، وهذبَ الأدبُ منطقه.

(2)             ومن مظاهر دنو الهمة في طلب العلم: ما يقع بين بعض طلاب العلم من تحاسد وتغاير، وتنافس غير شريف، كل ذلك يبهج ببهجة العلم وبهائه، ويُكسِف نورَه وضياءه.

(3)             ومن المظاهر: التهرب من المسؤولية، بالتخاذل، فيكثر الاعتذار، ويلتمس المسوغات، وكثرة المشاغل، أو لم يقتنع بمنهجية معينة! أو بالتخذيل، فلم يكتف بخسّ همته، بل يخذل مرجفا مخوّفا محذرًا لمن يطلب، (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل).

(4)             ومن المظاهر: تهوين الأمور، كالقول ِ بالمبالغة في أي باب من أبوابِ الخير، أو التهويل بتعسير الأمور، وأنه لا يصلح العمل إلا بجهد جبار، يصعب وجوده!.

ومن المظاهر: التواضعُ الكاذب، بأن يقول: لستُ أهلا لذلك، وهو أهلٌ؛ لكن يتذرع بأعذار كاذبة، ولا شك أن التواضع خلق رفيع وجميل،إن كان في موضعه، ثم إن المتواضع الكاذب يحتقر كل من يعمل، ويرى أنهم ليسوا اهلا للمكرمات، ولسان حاله: هذه الأعمال لا يصلح لها غيري، ولن أقوم بها!.

(5)             ومن المظاهر: البخل، فيُخيف البخيلُ المنفق من الفقر، فيمسك المنفق المال، ولا يصرفه في وجوهِ الخير، ومن الناس من يبخل بفضل ماله، مع أن له من المال ما يكفيه وذريته آلاف السنين لو عاشوها، ومن صور البخل: البخل في النصح، وفي العلم، وفي الجاه.

(6)             ومن المظاهر: المنة، وتعداد الأيادي ، فمن الناس إن أعطى شيئًا أتبعه بالمن والأذى، والإدلال عليه، وتذكيره بما أحسن إليه، قال ابن عباس ((لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله، تصغيره، ستره، فإذا عجله هنّأه، وإذا صغره عظّمه، وإذا سترهُ تمّمَه)).

لكن قال ابنُ حزم ((حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما، وهما المعاتبة والاعتذار، فإنه يحسن فيهما تعداد الأيادي، وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح ما عدا هاتين الحالتين)).

(7)             ومن المظاهر: التكاسل في أداء العبادات، وقد وصف الله المنافقين بأنهم كسالى، ومن ذلك الغفلة عن قراءة القرآن، وعن ذكر الله عزوجل، والاستغفار والتوبة والتوكل.

(8)             ومن المظاهر: التكلف والتصنع، فلا يهدأ له بال، تارةً يجذبه سمت الصالحين، وتارةً يستهويه تيار الترف، وتارةً يتقمّص شخصيّة عالم، وتارة يعجبه مطرب أو لاعب، وتارة يعجبه الأدب، وتارةً تروقه الشّره والعدوانية، فيلبس لبوسها.

(9)             ومن المظاهر: الاشتغال بما لا يعني، والانصراف عما يعني، فهو نقص في العقل، وغلبة الهوى، فحينما يعجز الإنسان عن ملءِ فراغِه يفعلُ ذلك، ومكوثه في غيبة الناسِ بغية تهديم مكانتِه بين الناس، والسعي في النميمة بين الناسِ، وإشغال نفسه بالقيل والقال، وكثرة السؤال، والإغراق بالمراء والجدال.

(10)        ومن المظاهر: الانهماك في الترف، فهو مشغل عن طاعة الرب، ويقود إلى إيثار العاجلى على الآجلة، ويروثه ضعف الهمة، وتدسيهِ النفس، وينجرُّ به إلى الاسترسال في الدعة، واطّراح الجد، وكثرة الأكل يسبب بلادة في التفكير، ومدعاة للكسل، وقسوة القلب، والتثاقل عن أداءِ العبادة، فمن أكلَ كثيرًا شربَ كثيرًا فنامَ كثيرًا، فخسر كثيرًا.

(من كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة) (إن كنتَ بطِنا فعدّ نفسك زمِنًا) (أقلل طعامًا تحمد منامًا) قال شيخ الإسلام ((فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم أكثر من المسرفين فيها، فإن أولئك إذا أدمنوها ألفوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها، وتكثر أمراضهم بسببها)) وكثرةُ النوم تورث البلادة، وتجر إلى الكسل، ويلحق الإنسان بالخشب المسنّدة ، والاهتمام بالتجمل يقطع عن الاهتمام بإصلاح النفس، والسير قدمًا إلى مراتب الكمال، والناس يصنفوك من لباسك، بل إن كيفية الليس تعطي للناظر تصنيف اللابس، من الرصانة والتعقل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور، فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك/ ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز.

(11)        ومن المظاهر: العشق، قال ابن عقيل (( وما كان العشق إلا لأرعنَ بطّال، وقلّ أن يكون في مشغولٍ ولو بصناعة، أو تجارة، فكيف بعلومٍ شرعية أو حكميّة؟))

يقولون جاهدْ يا جميلُ بغزوةٍ ** ** وأي جهادٍ غيرَهن أريدُ؟

لكلّ حديثٍ بينهنّ بشاشـةٌ ** ** وكلّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ

أين هذا الذي يطلق العنان لرغباتِه، ويرسف في أغلال شهواتِه، من الإمام الشافعي القائل ((لو علمتُ أن الماءَ البارد يثلم مروءتي لما شربتُه)) ومما قالهُ ابن المقفع: ((وإنما المرتغب عما في رحله منهن إلا ما في رحال الناس كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس، بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام ... ومن العجب أن الرجل الذي لا بأسَ بلبّه ورأيه، يرى المرأة من بعيد متلففةً في ثيابها، فيصوّر لها في قلبه الحسن والجمال، حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبحِ القبح، وأدمّ الدمامة، فلا يعظه ذلك، ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفا بما لم يذق، حتى ولو لم يبق في الأرض غير امرأةٍ واحدة لظنّ أن لها شأنًا غير شأن ما ذاق، وهذا هو الحمق، والشقاء، والسفه)).

(12)        ومن المظاهر: التحسر على ما مضى وتركِ العمل، وهذا يضيع حاضره، ويقطع مستقبله، فيأتي عليه زمان يتحسر على الزمن الذي ضيعه في الحزن والتحسر، وهكذا يتلاعب الشيطان فيه، وتأتيه المنية وقد ضاع عمره فيما لا فائدة تحته، ولا طائل وراءه، تحقيق الأماني يكون بالجد والعمل، واغتنام كل فرصة يتقدم بها نحو الأمام خطوة، فهذا دليل الكيس، وآية علو الهمة.

(13)        ومن المظاهر: كثرةُ التلاوم وقلة العمل، قال العلامة محمد الخضر حسين: ((فإذا رأيتَ قومًا يذكرون في صبحهم ومسائهم شيئًا من معالي الأمور، ولم ترهم يسعون له سعيه، ولا يتقدمون إليه بخطوة، فاعلم أنّ العزمَ لم يأخذ من قلوبهم مأخذه، فهم إما أن يكونوا عن حقيقتِه وشرف غايته غائبين، وإما أنهم ضلوا طريقه وما كانوا مهتدين)).

 

قدم للكتاب فضيلة الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - قائلا:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فقد اطلعت على كتاب (الهمة العالية معوقاتها مقوماتها) لمؤلفه صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد فوجدته كتابا نافعا ومفيدا ومشجعا على أفعال الخير والكف عن أعمال الشر مرغبا في التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه فجزاه الله خيرا وضاعف مثوبته ونفع المسلمين بكتابه هذا إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply