حوار مع النفس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

لقسوة قلبي وتكاسل "النفس" في العبادات واهتمامها بالعقارات قررت منذ ثلاث سنين ان اخصص وقتا لكتب الرقائق والزهد لعلي أُلجم هذه النفس عن حب الدنيا وأروضها على العبادة،

فقرأت 2200 صفحة تزيد قليلا او تنقص، كلها تحث على الزهد في الدنيا والترهيب من المعاصي.

لكني وجدت "نفسي" متململة متثاقله تصيبها الكآبة عندما افتح كتب هذا الفن .

بيني وبينكم،،،

لقد وبخت "نفسي" على ذلك

وارجوكم لا تخبروا "نفسي" اني اخبرتكم بذلك.

لقد وبختها كثيرا على تثاقلها وتململها عند قراءة صفحات كتب الزهد والرقائق.

وفي اخر مرة وبختها، صرخت علي !!!!!

وقالت: اسمع مني، فقد نفذ صبري عليك،

- لأول مرة تصرخ "نفسي" علي - فتوجست منها خيفة !!!!

- اعتدت على "نفسي" وصوتها صوت الهادئ،

كانت ترغبيني على الملذات والشهوات بصوتها الحنون المشوق،

وتلهيني عن العبادات وتثقلها علي بصوت الأم الخائفة على ولدها وهي تعطيه الاعذار لتمنعه من شر تخشاه- .

أما انها تصرخ في وجهي  فهذه اول مرة!!!!

قالت لي: الا تراني اقرأ معك في التفسير بنهم؟ قلت بلى .

قالت: الا تراني اقرا معك في السيرة والتاريخ بشوق؟؟ قلت بلى

قالت: الا تراني استمتع معك في سماع دروس شرح الاحاديث والنحو؟؟؟ قلت بلى.

قالت: أليس إذا أخطأ عليك شخص ما، تعذره وتقول ليس هناك شخص كامل؟؟؟؟ قلت بلى

قالت: فأنا "شخصة" لست كاملة فاعذرني.

قلت: معذورة، فهدي من روعك

أنا الذي اعتذر على توبيخي لك، واعتبريني أنا الغلطان في توبيخي. ولكني أتمنى أن أعرف سبب تثاقلك، ان رغبتي.

قالت: اخبرك بشرط

قلت: ماهو الشرط؟

 قالت: تحذف كل كتب الرقائق والزهد التي حملتها على جوالك.

قلت: لك ذلك، إلا اني انتصفت في قراءة كتاب "الزهد" لهناد بن السري، فهل تأذنين لي بإكماله؟؟

 قالت: اذنت، وامري الى الله.

قلت: اذا اخبريني بسبب تثاقلك.

قالت: العلم كالماء تتطهر به لتعبد الله على يقين ومعرفة،

فالتفسير مع كثرة اسرائلياته واحاديث الضعيفة الا ان اساسه القران الكريم، فهو كالبحر مع ملوحته وتغير ريحته الا انه هو الطهور ماءه، الحل ميتته.

وكتب الحديث كالماء الطهور فلا يكتبها الا محدث ينتقي لك الاحاديث الصحيحة ويزيل الاحاديث المكذوبة ولا يقبل البته قصص القُصاص ولا الاحلام العباد ولا خيالات الزهاد.

واما كتب الزهد والرقائق، فهي في الغالب هي موطن الاحاديث المكذوبة والضعيفة والآثار الشاذة الغريبة والقصص المصطنعة، ناهيك عن احلام النوم المزعومة والخيالات المدروسة. فهي اشبه بالماء المتغير بالنجاسة.

فهب انك توضئت من هذا الماء المتغير بنجاسة وتعبدت الله به هل ستقبل عبادتك؟

قلت: لا،

قالت: الا يلزمك غسل هذه النجاسة بماء طاهر؟؟

قلت: بلى،

قالت: أليس في هذا اضاعة جهد ووقت على غير سنع؟؟؟

قلت: بلى والله،

قالت: فالزم.

حقيقة احترت في امرها، وبالأخص في نوايا كلامها، -والشك بالنوايا سوق رائج هذه الايام- هل قالت هذا الكلام المنطقي للهروب من ترويضها وإلجامها ، ام ان نواياها صادقه؟

أما قلبي فقد صدقها، واما عقلي فقال لماذا لا تختبرها،

فقلت: لها مارأيك إذا نقرأ في العقيدة،

قالت: تكفى جنبني نقاش اهل الكلام وشبهاتهم إن أردت أن تلجمني وتروضني.

فاتفقنا على قراءة كتاب اصول السنة لاحمد بن حنبل يتألف الكتاب من ستين صفحة  واستمعنا الى شرح عثمان الخميس لهذا الكتاب.

ذكرنا المؤلف برؤية الله عز وجل في الجنة وهي اعظم النعم في الجنة، والميزان يوم القيامة، وكلام الله عز وجل لعباده يوم القيامه ليس بينه وبينهم ترجمان وستره عليهم وحوض النبي الذي من يشرب منه لايضمئ ابدا،

وذكرنا بفتنة القبر وعذابه، وتحدث عثمان الخميس عن قول الله عز وجل (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) وذكر أن من عهد ادم والناس يقبرون ولم يقم احد من من قبره ولن يقوم الا يوم القيامة. كل هذه المدة الطويلة التي يمكثها الانسان في القبر عبر الله عز وجل عنها بقوله (حتى زرتم المقابر) وكأنها زيارة بالنسبة للخلود الابدي في الجنة او النار، فما نسبة ستين سنة مع زيارة القبور!!!

هنا قالت: لي نفسي لماذا قلت ستين!!! لقد مضى عليك الان في الدنيا اكثر من اربعين سنة فلم يبقى لك الا عشرين سنة تزيد او تنقص.

هل فكرت في القبر ماذا سنفعل فيه هذه المدة الطويلة؟؟؟ لماذا لا نقوي علاقتنا بالاعمال الصالحة لعل الله يرحمنا فيجعلها تونسنا في قبرنا... أفكار عدة طرحتها نفسي علي بإسلوبها البسيط،

هنا أحسست اني استطعت ان اضع اللجام على نفسي بيسر وسهوله وعن قناعة،

ثم ذكرنا ابن حنبل في كتابه عن شفاعة النبي

ثم ذكرنا بأخر الزمان والمسيح الدجال، ونزول عيسى بن مريم.

وبعد ان صغرت الدنيا في اعيننا حثنا على الاعمال الصالحة لأنها تزيد الايمان وتقربنا من الرحمن، وحذرنا من ترك الصلاة وحب الدنيا والتعلق بها ، ومنافسة الملوك والامراء عليها فهذه الدنيا لا تستحق قطرة دم من جسد مسلم.

فالدنيا دار عمل وليست دار نُزل.

بعد سماعنا لكل هذا احسست من نفسي أنها تبحث عن الخير، -صحيح انها لم تروض بعد، ولكن اول الخير قطرة-

ستون صفحة غيرت في مفهوم نفسي للحياة ، بينما2200 صفحة لم تزد نفسي الا تململا من الكتب.

أيها الواعظ الكريم بعث الرسول الى قوم كفار مشركين يفعلون كل امور الفسق والشرك التي تشاهدها الان، فدعاهم الى التوحيد ووعظهم بآيات العقيدة وحدثهم عن عظمة الله عزوجل والجنة والنار وعذاب القبر ويوم القيامة والحوض والملائكة والصراط والميزان... وكل ايات واحاديث كتب العقيدة الان .

عشر سنين لم يكل ولم يمل وهو يحدثهم ويعظهم بالعقيدة حتى استطاع ان يغيرهم مائة وثمانين درجة غير قلوبهم من حب الدنيا الى التضحية بالدنيا في سبيل رضى الله .

من تدني ملذات نفوسهم الى سمو نفوسهم .

من الخيانة والغش والربى والشح الى حب الخير للناس والتلذذ بذلك.

الا يسعك ايها الواعظ الكريم مايسع النبي فتترك خزعبلاتك واحلامك وخيالاتك وقصصك المصطنعة وتقبل على الوعظ بأيات واحاديث العقيدة

جرب مرة وحدث الناس عن عذاب القبر وانظر الى اثرها في قلوبهم.

جرب وحدث الناس عن رؤية الله عز وجل وانظر الى اثر الشوق في محياهم

جرب حدث الناس عن نعيم الجنة ونعيم النار وحديث" خلود فلا موت" وانظر الى اثر ذلك في وجوههم.

بشرط واحد !!!

وهو ان لا تذكر قصصك المصطنعة ولا خزعبلاتك المزعومة.

ايها الناس الكرام اذا رأيتم شخصا يعظ بالاحاديث المكذوبة والخزعبلات المصطنعة فحثو في وجهه التراب وان اعجبكم كلامه، قياسا بحديث الرسول "إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب". رواه مسلم .

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply