الاقتيات على موائد الغير، والرجوع بخفي حنين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

قرأت مقالًا تحت عنوان "مقالة في المنهج الإبستمولوجي عند ابن تيمية" أرسله لي صديق، والحق أني لمّا شرعت في قراءتها انتابتني الـ Déjà vu؛ فقد مرت عليّ تلك الكلمات وحيّتني تلكم الاقتباسات، غير أنني لم أعلم أين ألتقيتها ومتى كانت أول مرة قد رأيتها. عموما، تجاهلت ذاك الشعور، وأكملت، غير أنه ما انفك يراودني من جديد. أيعقل أن يُسرَق مقالٌ من كتبٍ أحدثت ضجة بين طلبة العلم، في زمن يمكنك تحميلها بضغطة زر؟ قد ضقت ذرعًا بتلك الوساوس، وفتحت رسالة يوسف سمرين الجامعية لأزيح تلك الهواجس. والمفاجأة كانت ما تقرؤونه الآن:

-       قد نقل صاحبنا فتوى ابن الصلاح وموقف ابن تيمية المضاد (ص: 15-16) من الصفحات الثلاثة الأولى من رسالة يوسف.

-       ونقل نقد ابن تيمية لتكافؤ الأدلة والسفسطائية بشكل عام (ص: 19) من الرسالة كذلك (ص: 24، 43 وما بعدها).

-       المقارنة بين ابن تيمية وكانط مأخوذة من الرسالة كذلك، ولن أبالغ إذا قلت أنها جوهرها.

الأمر لا يتوقف هنا، فبالرجوع إلى كتاب الدعجاني نرى أن الاقتباسات مأخوذة بالفراغات كذلك:

-       مدح ابن تيمية للفلاسفة وإقراره بأنهم من أعقل الناس (ص: 16) مأخوذ من كتاب الدعجاني (ص: 39).

-       مدح ابن دقيق العيد (ص:18) لابن تيمية مأخوذ من (ص: 37).

وغيرها مما وقعت عيني عليه، ويا ليتها لم تقع… فلما كان هذا هو الاقتيات على موائد الغير، فما بال العودة بخفي حنين؟

1.    يجعل التجريبية مرادفة للمادية (ص: 20)، وجهل أو تجاهل (وأحلاهما مرّ) أنها ليست حكرا عليها؛ فمن التجريبيين من غلب عليه طابع المادية (هوبز ولوك) ومنهم من غلب عليه طابع المثالية (هيوم وباركلي، والأخير سمى فلسفته بـ"اللامادية"!). ولينين انتقدهم في كتابه المادية والمذهب النقدي التجريبي.

2.    يجعل المعرفة القبلية كاشفة عن الواقع (ص: 20) ثم يجعلها مستغنية عن غيرها (ص: 22)، بل ويجعلها سابقةً زمانيا للحس بالواقع (ص: 26-27) مع أن الواقع شرط لتفعيلها (ص:23 وص: 26)! فكيف تكشف هي عن الواقع بينما هي تسبقه؟ وكيف نثق بها أصلا في حين أنها ليست منعكسة عنه؟

3.    نسب ليوسف أنه "ذهب فيها إلى القول بانتساب ابن تيمية إلى المذهب المادي بناء على القول بأن ابن تيمية لا يقول بقبلية المعارف الضرورية، بل منشأها ابتداء هو الواقع الموضوعي" (ص: 28) وهذا لا يقوله مطلع على الفلسفة. فنفي القبليات شرط لبناء فلسفة مادية متسقة غير أن نفيها لا يلزم منه تبني المادية، ولك في المثاليين من التجريبيين خير دليل.

4.    يربط قبلية المعارف الضرورية "زمانيا لا منطقيا" وكون الله قابلا للحس بتسلسل الحوادث والقدم النوع (ص: 30-31). ومن حقنا أن نسأل، ما دخل هذا بذاك؟ ما يمكنك الربط به هو قابلية الحس بكونه يرى ويسمع ويشار إليه، لا دخل للتسلسل لا من قريب ولا من بعيد.

5.    ابن تيمية لا هو مثالي يقول بوجود عالمين مثالي وهو الأصل ومادي وهو الفرع" (ص: 34)، يظن أن المثالية جميعها تؤمن بالمثل الأفلاطونية وما يشابهها. "ولا هو يتقاطع مع الفلسفة الكانطية" ويظن أن كانط ليس بمثالي لنقده التجريبية والعقلانية.

هذا غيض من فيض، والحق أنه لم يبطل أي تقرير ذكره سمرين في رسالته ولا أي مقدمة كتبها الدعجاني في كتابه مما خالفهما به. ولن أكون قد ظلمت الكتاب إذا قلت أنه أقرب لحكاوي القهاوي والمصاطب، أو نكتةٌ الـ Punchline فيها هي "وإن صح أن ينتسب ابن تيمية إلى مدرسة فلسفية ما فهي المدرسة الفلسفية التيمية".

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply