في قصة النبي يوسف عليه السلام نقرأ قوله تعالى: { فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون } (يوسف:15) وقد استشكل بعض الناس عدم مجيء جواب ( لما ) في الآية، فقالوا: أين جواب ( لما ) في الآية؟ ثم اضافوا فقالوا: أَوَ ليس لو حذفنا ( الواو ) في قوله سبحانه: { وأوحينا } لاستقام المعنى ؟! وجواب من أشكل عليه نظم الآية، أو من جعل منه إشكالاً أن يقال:
إن جواب ( لما ) في الآية محذوف، دلَّ عليه قوله سبحانه: { أن يجعلوه في غيابت الجب } وتقدير الكلام: فلما ذهبوا به من عند أبيهم { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب } جعلوه فيهاº ولك أن تقدر المحذوف، فتقول: { فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب } فعلوا به ما فعلوا من الإلقاء في الجب. ففي الكلام مقدر حُذف ذكره، اكتفاءً بما ظهر عما هو مقدر .
قال أهل العلم: ومثل هذا كثير في القرآنº وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن، فهو تقليل في اللفظ لظهور المعنى .
وقال ابن القيم في كتابه \" بدائع الفوائد \" ما خلاصته: حذف كثير من جوابات الشرط في القرآن أسلوب قرآني متبع، لدلالة ( الواو ) عليهاº لعلم المخاطب أن الواو عاطفة، ولا يعطف بها إلا على شيءº كقوله تعالى: { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } (الزمر:73) أي: رأوا من النعيم ما لم يخطر على بال، فهذا جواب الشرط في الآية. قال: وهذا الباب واسع في لغة العرب .
على أن ثَمَّة توجيهاً ثان للآية، وهو أن يقال: إن جواب الشرط قوله سبحانه: { وأوحينا } وأُدخلت ( الواو ) في الجواب، و( الواو ) في كلام العرب قد تزاد مع ( لما ) و( حتى ) كقوله تعالى: { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } ( الزمر:73) أي: فتحتº وقوله تعالى: { حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور } (هود:40) أي: فارº وقال تعالى: { فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم } (الصافات:103-104) أي: ناديناه .
ومن هذا القبيل، ما جاء في الشعر، قول امرئ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
و ( الخبت ): ما اطمأن من الأَرض واتسعº و ( الحقاف ): جمع حقفٍ,، وهو ما اعوَجَّ من الرمل واستطال، ولهذا قيل للرمل إذا كان منحنيًا: حِقفٌº و ( العقنقل ): ما تراكم من الرَّمل، وتجمع بعضه ببعض، و( العقنقل ) من الأَودية: ما عظم واتسع. والشاهد في البيت، قوله: ( وانتحى )، أي: انتحى. فأدخل ( الواو ) في جواب ( لما ) ومعنى الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا. وكذلك قوله سبحانه: { فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه } فقوله: ( أوحينا ) هو الجواب وَفقَ هذا التوجيه، و( الواو ) دخلت على الجواب كدخولها في قوله تعالى: { وفتحت أبوابها }، وقوله سبحانه: { وفار التنور } .
والتوجيه الأول للآية هو المعتمد، وعليه المعوَّل في دفع الإشكال الذي قد يرد على الآية الكريمة. وبه يُعلم أن المعنى في الآية مستقيم، وأن لا إشكال في نَسَقَ الآية عند من خَبُرَ الأسلوب القرآني، ومن كان على بينة من لسان العرب، وأساليبهم في الكلام .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد