البرهان، البيان، الحجة، والسلطان في القرآن


 

من الألفاظ القرآنية التي تفيد معنى الدليل وإقامة الحجة في الجدال والنقاش، هذه الألفاظ: ( البرهان ) و( البيان ) و( الحجة ) و( الدليل ) و( السلطان ) وقد اختلف تكرار هذه الألفاظ في القرآن، فجاء لفظ ( سلطان ) أكثرها تكرارًا، وكان غالبًا يأتي مقترنًا بوصف ( المبين ) وكان أقل هذه الألفاظ ورودًا لفظ ( الدليل ) الذي ورد مرة واحدة في قوله تعالى: { ثم جَعَلنا الشمس عليه دَليلاً } (الفرقان:45) ولنا وقفة مع هذه الألفاظ الخمسة:

* ( البرهان ) :

قال تعالى: { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } (البقرة:111) البُرهان: الحُجّة الفاصلة البيّنة، يقال: بَرهَن يُبَرهِنُ بَرهَنةً، إِذا جاء بحُجّةٍ, قاطعة لِدفع الخَصم، فهو مُبَرهِنٌº فيُبَرهن بمعنى يُبَيِّن، وجَمعُ البرهان:ِ براهينُ. وقد بَرهَنَ عليه: أَقام الحجّة. وفي الحديث: ( الصدقة برهان ) رواه مسلم أي: هي دَليلٌ على صحة إِيمان صاحبها لطيب نَفسه بإِخراجها، وذلك لعَلاقة ما بين النفس والمال .

* ( البيان ) :

( البيان ): ما بُيِّنَ به الشيء من الدلالة وغيرهاº وبانَ الشيءُ بيانًا: اتَّضَح، فهو بيِّنٌ، والجمع أَبيناء، وكذلك أَبانَ الشيء: فهو مُبينٌº وقوله عز وجل: { وهو في الخصام غير مبين } (الزخرف:18) يريد النساء، أَي: الأُنثى لا تكاد تستوفي الحجة ولا تُبينº وقوله عز وجل: { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } (الطلاق:1) أَي ظاهرة مُتَبيِّنةº و( البيان ) ما يتعلق باللفظ، و( التبيان ) ما يتعلق بالمعنى .

* ( الحجة ) :

( الحُجَّةُ ): الدليل والبرهانº يُقال: حاجَجتُه فأَنا مُحاجُّ وحَجِيجٌ، فَعِيل بمعنى فاعل، وفي التنزيل، قوله تعالى في قصة إبراهيم مع قومه: { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان } (الأنعام:80) وقال سبحانه في معرض الرد على الكافرين: { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم } (الشورى:16) أي: ما جاء به أهل الباطل والضلال من أدلة على مذهبهم، ليس له اعتبار، بل هي أدلة باطلة زائلة لا تقوم ولا تصمد أمام ما هو واقع وحق. وفي الحديث: ( فحج آدم موسى ) متفق عليه، أَي: غَلَبه بالحُجَّةº ومن أَمثال العرب: لَجَّ فَحَجّº معناه لَجَّ فَغَلَبَ مَن لاجَّه بِحُجَجِهº يقال: حاجَجتُه أُحاجٌّه حِجاجًا و مُحاجَّةً حتى حَجَجتُه أَي غَلَبتُه بالحُجَجِ التي أَدلَيتُ بهاº والمَحَجَّةُ: الطريق .

* ( الدليل ) :

دَلَّه على الشيء يَدُلٌّه دَلاًّ ودَلالةً فاندَلَّ: سَدَّده إِليه، ودَلَلته فاندَلَّº والدَّليل: الدَّال، وما يُستدل به، وقد دَلَّه على الطريق يَدُلٌّه دَلالة ودِلالة ودُلولةº والدَّليل والدِّلِّيلي: الذي يَدُلٌّكº والاسم الدِّلالة والدَّلالة، بالكسر والفتحº وقوله تعالى: { ثم جعلنا الشمس عليه دليلا } (الفرقان:45) ومعنى كون الشمس دليلاً: أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في مسيرها على أحوال الظل، من كونه ثابتًا في مكان، زائلا عن آخر، ومتسعًا في موضع، ومتقلصًا في غيرهº فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه على وفق ذلكº فجُعل امتداد الظل لاختلاف مقاديره، كامتداد الطريق وما فيه من علامات وإرشادات، وجُعلت الشمس - من حيث كانت سببًا في ظهور مقادير الظل - كالهادي في الطريقº فكما أن الهادي يخبر السائر أين ينزل من الطريق، فكذلك الشمس - بتسببها في مقادير امتداد الظل - تعرِّف المستدل بالظل بأوقات أعماله ليشرع فيها .

* ( السلطان ) :

قال الفراء : السلطان عند العرب الحجة، يذكر ويؤنث، فمن ذكَّر السلطان ذهب به إِلى معنى الرجل، ومن أَنثه ذهب به إِلى معنى الحجةº وقال الزجاج في قوله تعالى: { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } (هود:96) أَي: وحُجَّة بَيِّنةº والسٌّلطان: الحاكم، إِنما سمي سُلطانًا لأَنه حجةُ اللَّهِ في أَرضه، أو هكذا ينبغي أن يكونº وقوله تعالى: { هلك عني سلطانيه } (الحاقة:29) معناه: ذهبت عني حجتُي .

وبهذا يتبين أن هذه الالفاظ الخمسة تفيد معنى مشتركًا بينها، وهو إقامة الدليل والحجة، قصد إظهار الحق والحقيقةº وقد فرق بعض أهل العلم بين هذه الألفاظ، فقالوا: اسم ( الدليل ) يقع على كل ما يعرف به المدلول، واعتبروا أن ( الدليل ) ما كان مركبًا من الظنيات، و( البرهان ) ما كان مركبًا من القطعيات، و( الحجة ) مستعملة في جميع ما ذُكر، وكل ( سلطان ) في القرآن فهو ( حجة ) .

على أننا لا نعدم فروقًا أُخر بين هذه الألفاظ، يُرجع في معرفتها إلى أهل التخصص في هذا المجال .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply