مصطلحات قرآنية ( الخصاصة - العيلة - الفقر - الإملاق)


 

في القرآن الكريم مصطلحات تفيد معنى الحاجة والفاقة والفقر، وهي وإن كانت مصطلحات مترادفة، لها دلالة مشتركة، بيد أنها تحمل في تضاعيفها بعض الفروق الدلاليةº نحاول فيما يلي أن نعرِّج عليها، من خلال تسليط الضوء على المصطلحات الأربعة التالية: الخصاصة، العيلة، الفقر، الإملاق .

أولاً: مصطلح الخصاصة
ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم في آية واحدة، وهي قوله تعالى في سياق مدح الأنصار، وموقفهم من المهاجرين: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } (الحشر:9) والأصل اللغوي للخصاصة هو: الفُرجة بين الأصابعº والخصاصة وخَصَاص البيت: هي الفروج التي تكون فيه، والخصاصة: الخلل والثقب الصغيرº ثم أطلقت الخَصَاصة على الفقر، والحاجة إلى الشيء، وسوء الحال، والخَلَّةº وذوو الخصاصة: ذوو الخلة والفقر .

وفي حديث فضالة رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا صلى بأناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة ) رواه الترمذي أي: يخرون على الأرض من الجوع، وسوء الحال.

ومن هذه المادة قولهم: رجعت الإبل وبها خصاصة، إذا لم تروَ من الماءº وقولهم كذلك للرجل إذا لم يشبع من الطعام.

ثانيًا: مصطلح العَيلَة
ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، الأول: عند ذكره سبحانه الاقتصار على زوجة واحدة حال الخوف من عدم العدل بين الزوجات، والقيام بحقوقهن، قال تعالى: { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } (النساء:3) والثاني: قوله تعالى في سياق خطاب المؤمنين: { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } (التوبة:28) والموضع الثالث: قوله سبحانه مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: { ووجدك عائلاً فأغنى } (الضحى:8) .

والعَيلَة - بالفتح - والعالة: الفقر والفاقةº يقال: عال الرجل يعيل، إذا افتقرº وقرأ علقمة وغيره: { عائلة } وحكى الطبري أنه يقال: عال يعول، إذا افتقرº وعيال الرجل: من يعولهم، وواحد العيال: عَيل، والجمع عيائلº وأعال الرجل: كثرت عياله، فهو مَعِيل، والمرأة معيلة، أي: صارا ذا عيالº وفي الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: ( أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ) متفق عليه، أي: فقراء يسألون الناس .

ثالثًا: مصطلح الفقر
قال أهل اللغة حول هذه المادة: الفاء والقاف والراء أصل صحيح، يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غيرهº من ذلك: الفَقَار للظهر، الواحدة فَقَارة، سميت للحُزُوز والفصول التي بينهاº قالوا: ومنه اشتق الفقير, وكأنه مكسور فَقَار الظهر، من ذلته وفاقتهº ومن المادة قولهم: فَقَرتهم الفاقِرة: وهي الداهية، كأنها كاسرة لِفَقَار الظهر، قال تعالى: { تظن أن يفعل بها فاقرة } (القيامة:25) وسد الله مَفَاقِره: أي أغناه، وسدَّ وجوه فقره وحاجته .

رابعًا: مصطلح الإملاق
الإملاق في اللغة: الافتقار، يقال: أملق الرجل فهو مُملِقº وأصل الإملاق الإنفاق، يقال: أملق ما معه إملاقًا، ومَلَقَه ملقًا: إذا أخرجه من يده، ولم يحبسه، والفقر تابع لذلك، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسَبَّب، حتى صار به أشهرº وفي حديث عائشة رضي الله عنها، في وصف أبيها رضي الله عنه: ( ويريش مملقها ) رواه الطبراني أي: يغني فقيرهاº والإملاق: كثرة إنفاق المال وتبذيره، حتى يورث حاجةº وفي الحديث أن امرأة سألت ابن عباس رضي الله عنهما، قالت: أأنفق من مالي ما شئتُ؟ فقال: نعم، أملقي من مالك ما شئتِº وقوله تعالى: { خشية إملاق } (الإسراء:31) أي: خشية الفقر والحاجة .

ومن معاني الإملاق: الإسراف، يقال أملق الرجل، أي: أسرف في نفسهº ومن معانيه الإفساد: يقال: أملق ما عنده الدهرُ، أي: أفسدهº وقال قتادة : الإملاق: الفاقةº وهذا المعنى الأخير هو الذي عليه أئمة اللغة والتفسير، في معنى قوله تعالى: { من إملاق } (الأنعام:151) وقوله سبحانه: { خشية إملاق } .

على أنه من المفيد - علاوة على ما تقدم - أن نشير إلى أن من المصطلحات القرآنية الوثيقة الصلة بهذه المصطلحات، المصطلحات التالية: المسغبة، المخمصة، المسكنة .

وعلى ضوء ما سبق، يظهر لنا دلالة هذه المصطلحات الأربعة، وأنها تدل بشكل أساس على معنى الحاجة والفقر والفاقة، وإن كان بينها ثمة فروق لغوية. والله ولي التوفيق والتسديد، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply