الدعوة إلى الإيمان


  بسم الله الرحمن الرحيم

قال - تعالى - وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مٌّشرِكُونَ {106} أَفَأَمِنُوا أَن تَأتِيَهُم غَاشِيَةٌ مِّن عَذَابِ اللّهِ أَو تَأتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغتَةً وَهُم لاَ يَشعُرُونَ {107} قُل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ {108} (يوسف/106-108)

 

معاني المفردات:

وما يؤمن أكثرهم بالله: في إقرارهم بوجوده وخالقيته.

 

إلاّ وهم مشركون: بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا ونسبة التبني إليه - سبحانه وتعالى - عما يقولون. وقيل الآية في مشركي مكة. وقيل في المنافقين. وقيل في أهل الكتاب.

 

أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب أليم: عقوبة تغشاهم وتشملهم.

 

أو تأتيهم الساعة بغتة: فجأة من غير سابقة علامة.

 

وهم لا يشعرون: بإتيانها غير مستعدين لها.

 

قل هذه سبيلي: يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد، ولذلك فسر السبيل بقوله:

 

أدعو إلى الله: وقيل هو حال من الياء.

 

على بصيرة: بيان وحجة واضحة غير عمياء. (أنا) تأكيد للضمير المستتر في:

 

أدعو: أو (على بصيرة) لأنه حال منه أو مبتدأ خبره على بصيرة

 

 ومن اتبعني: عطف عليه.

 

وما أنا من المشركين: وأنزهه تنزيها من الشركاء.

 

شرح الآيات:

لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - حريصا على إيمان قومه، رغبة في إيصال الخير الذي جاء به إليهم ورحمة لهم مما كان ينتظر المشركين من نكد الدنيا وعذاب الآخرة، ولكن الله العليم بقلوب البشر الخبير بطبائعهم وأحوالهم، يُنهي إليه - صلى الله عليه وسلم - أن حرصه على إيمانهم لن يسوق الكثرة المشركة إلى الإيمان.

 

وحتى الذين يؤمنون، كثير منهم يتدسس الشرك - في صورة من صوره إلى قلوبهم. فالإيمان الخالص يحتاج على يقظة دائمة تنفي عن القلب، أولا بأول، كل خلجة شيطانية وكل اعتبار من اعتبارات هذه الأرض، في كل حركة وكل تصرف لتكون كلها لله خالصة له دون سواه ((وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون))!! مشركون بالله في أحد أنواع الشرك: قيمة أو سببا أو خضوعا لقوة غير قوة الله أو رجاء يتعلق بغير الله، او في جهاد لتحقيق نفع أو دفع ضرر، ولكن لغير الله، قال - عليه الصلاة والسلام -:

 

\"الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل. \" رواه أبو يعلى الموصلي بإسناده. وقال: \" من حلف بغير الله فقد أشرك. \" رواه الترمذي بإسناد صحيح عن ابن عمر. وقال أيضا: \" إن الرقى والتمائم شرك. \" أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود. وقال أيضا: \" إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ينادي مناد: من كان أشرك في عملٍ, عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك. \" أخرجه أحمد عن أبي سعيد عن أبي فضالة. وجاء في الحديث \"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر \" قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: \" الرياء، يقول الله - تعالى -يوم القيامة: إذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء؟ \"

 

فهذا هو الشرك الخفي الذي يحتاج إلى اليقظة الدائمة للتحرز منه ليخلص الإيمان.

 

وإذا كانت هذه آيات القرآن الذي يحمل دليل الرسالة وكانت الآيات التي يحفل بها الكون معروضة للأنظار، يمرون عليها وهم عنها معرضون، ويشركون بالله شركا ظاهرا أو خفيا، وهم الأكثرون، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ماض في طريقه هو ومن اهتدى بهديه لا ينحرفون ولا يتأثرون بالمنحرفين:

 

 ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين))

 

 أي هذه سبيلي التي أدعو إليها، سبيل واحدة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة:

 

 ((أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)) فنحن على هدى من الله ونور، نعرف طريقنا جيدا ونسير فيها على بصيرة وإدراك ومعرفة، فهو اليقين البصير المستنير، ننزه الله عما لا يليق بألوهيته، وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به:

 

 ((وما أنا من المشركين)).

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply