الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذه بينات في تحديد المراد بالأيام المعدودات، والأيام المعلومات، الواردة في آيتين من كتاب الله عز وجل: الآية الأولى: قوله - تعالى -: واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى\" واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون (203) {البقرة: 203}.
الآية الثانية: قوله - تعالى -: \"ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير 28 {الحج: 28}.
فقد وصف الله - تعالى - تلك الأيام بصفتين (معدودات) و (معلومات) فهل هذه الأيام مختلفة؟ أم أنها واحدة؟ وما المراد منها؟ إذ إن معرفة ذلك في غاية الأهميةº لما يترتب عليه من أحكام شرعية تتعلق بأحكام الحج، من معرفة وقت الرمي، والذبح، والمبيت، والتعجل، ونحو ذلك.
وهي من المسائل المُختَلَف فيها بين العلماء، فقد قال العَينِي: \"واختلف السلف في الأيام المعدودات والمعلومات...\" ثم ذكر الأقوال(1) وهي من غرائب المسائل، قال ابن العربي المالكي عند قوله: \"واذكروا الله في أيام معدودات: \"المسألة الثانية في تحديد هذه الأيام وتعيينها، وهي مسألة غريبة\"(2).
قلتُ: وتفصيل هذه المسألة كما يأتي:
أولاً: المراد بالأيام المعدودات(3):
أتت الآية الكريمة من سورة البقرة في معرض بيان أحكام الحج، وقد حكى غير واحد من المفسرين الإجماع على أن المراد بالأيام المعدودات:
1- أيام التشريق الثلاثة: التالية ليوم النحر، وهي أيام منى. وقال به جمع، منهم: ابن عمر، وابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وقتادة في آخرين.
قال القرطبي: \"ولا خلاف بين العلماء، أن الأيام المعدودات في هذه الآية، هي أيام منى، وهي أيام التشريق، وأن هذه الأسماء واقعة عليها، وهي أيام رمي الجمار، وهي واقعة على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر، فقف على ذلك\"(4).
وقال أبو حيان: \"والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وليس يوم النحر من المعدودات هذا مذهب الشافعي، وأحمد، ومالك، وأبي حنيفة، وقاله ابن عباس وعطاء، ومجاهد، وإبراهيم، وقتادة، والسدي، والربيع، والضحاك....\" إلى أن قال: \"قال في ري الضمآن: أجمع المفسرون على أن الأيام المعدودات أيام التشريق\"(5).
كما اختار هذا الرأي شيخ المفسرين الطبري، وروى هذا القول عن كثير من أهل العلم بسنده(6).
كما حكى الإجماع على أن المعدودات هي أيام التشريق أبو بكر الجصاص(7) والكيا الهراسي(8)، وغيرهم من أهل العلم.
وقال النووي: \"اتفق العلماء على أن المعدودات هي أيام التشريق\"(9).
@ إلا أنه قد روى بعض المفسرين عن علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وابنه عبدالله - رضي الله عنهم - القول بأن هذه الأيام المعدودات هي:
2- يوم النحر ويومان بعده(10):
قال الجصاص: \"ولا خلاف بين أهل العلم في أن المعدودات أيام التشريق، وقد روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم إلا شيئاً رواه ابن أبي ليلى عن المنهال، عن زر، عن علي، قال: المعدودات يوم النحر، ويومان بعده أذبح في أيها شئت\"(11).
كما حكي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، القول بأن المعدودات:
3- أيام التشريق عشر ذي الحجة(12):
قال الجصاص: \"وقد قيل: إن هذا وَهم، والصحيح عن علي أنه قال ذلك في المعلومات، وظاهر الآية ينفي ذلك أيضاً: لأنه قال: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وذلك لا يتعلق بالنحر، وإنما يتعلق برمي الجمار، المفعول في أيام التشريق، وكذلك ما روى مجاهد عن ابن عباس: المعدودات أيام العشر، والمعلومات أيام النحر. فقوله: المعدودات أيام العشر، لا شك أنه خطأ، ولم يقل به أحد(13) وهو خلاف الكتاب، قال الله - تعالى -: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثلاثة.
وقد روي عن ابن عباس بإسناد صحيح، أن المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق...، وقال: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: \"المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق\"(14).
وروى الطبري في تفسيره بسنده إلى ابن عباس، من طُرقٍ, عن سعيد بن جبير، وغيره، عن ابن عباس: أنه يقول إن المعدودات أيام التشريق، كما رواه عن مجاهد وعطاء، وكذلك عن إبراهيم النخعي، وغيرهم(15).
قال الجصاص: \"ولا خلاف بين أهل العلم في أن المعدودات أيام التشريق، وقد روي ذلك عن علي، وعمر، وابن عباس، وابن عمر. أ.ه.
وعليه فَيُحمل ما روي عنهم أنها يوم النحر، ويومان بعده، على تفسير الأيام المعلومات في آية سورة الحج، إذ قال علي} هنا: \"اذبح في أيها شئت\"(16).
قال أبو حيان: \"وقولهم: (أيام العشر) غلطٌ من الرواة، وقال ابن عطية: إما أن يكون من تصحيف النسخة، وإما إن يريد العشر الذي بعد يوم النحر، وفي ذلك بُعد\"(17).
قال القرطبي: \"وروى نافع عن ابن عمر أن الأيام المعدودات والأيام المعلومات يجمعها أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، فيوم النحر معلوم غير معدود، واليومان بعده معلومات معدودات، واليوم الرابع معدود لا معلوم، وهذا مذهب مالك وغيره\"(18).
ثم إن يوم النحر ليس من المعدودات، كذلك لما يلي:
لإجماع الناس أنه لا يَنفُر أحد يوم النَّفر، وهو ثاني يوم النحر، وأول أيام التشريق، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجلاً يوم النفر، لأنه قد أخذ بيومين من المعدودات وهذا لا يقل به أحد\"(19).
وروى عبدالرحمن بن يَعمر الدِّيلِي أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله {وهو بعرفة، فسألوه، فأمر منادياً فنادى: الحج عرفة، فمن جاء ليلةَ جَمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه(20).
قال القرطبي: \"أي من تعجل من الحاج في يومين من أيام منى صار مقامه بمنى ثلاثة أيام بيوم النحر، ويصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة، ويسقط عنه رمي يوم الثالث، ومن لم ينفر منها إلا في آخر اليوم الثالث حصل له بمنى مقام أربعة أيام من أجل يوم النحر، واستوفى العدد في الرمي\"(21).
قال بيان الحق النيسابوري: \"والأيام المعدودات: أيام التشريق ثلاثة بعد المعلومات، التي هي عشر ذي الحجة، والسبب في الإسمين: أن المعلومات لاشتهارها يَحرص الناس على معرفتها للحج، والمعدودات - ولقلتها بالقياس إلى المعلومات - كالمعدودات التي نسخها شهر رمضان، فإنها كانت ثلاثة أيام من كل شهر...، وأيام التشريق يسمى الأول منها (يوم القَرّ) لاستقرار الناس بمنى، والثاني: (يوم النفر) لأنهم ينفرون ويخرجون إلى أهاليهم، وهو المراد بقوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي: تعجل الخروج في النفر الأول: ومن تأخر إلى النفر الثاني، وهو الثالث من أيام منى فلا إثم عليه وهذا اليوم الثالث يسمى أيضاً يوم الصدر، ويسمى أيضاً صِرماً، ويسمى النفر الأول قرماً(22).
الخلاصة:
مما تقدم بيانه، ولإجماع المفسرين، والفقهاء، وعامة أهل العلم فإن المراد بالأيام المعدودات (أيام التشريق) وليس يوم النحر منها، والله أعلم.
ويتعلق بقوله - تعالى -: واذكروا الله في أيام معدودات ما يأتي:
1- ذكر الله على الأضاحي، والراجح في ذلك مذهب الشافعي وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
2- وذكر الله أيام التشريق (وسميت بأيام التشريق لأن الناس يُقدِّدون فيها اللحم، والتقديد تشريق، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس) والتكبير، أي قوله: \"الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله وأكبر ولله الحمد) وفي وقته أقوال كثيرة أشهرها كما قال الحافظ ابن كثير:
\"وأشهرها الذي عليه العمل أنه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النفر الأول\"(23).
وثبت أن عمر بن الخطاب} كان يكبر في قبته، فيكبر أهل السوق بتكبيره، حتى ترتج منى تكبيراً. قال البغوي: \"واختلفوا فيه فروي عن عمر، وعبدالله بن عمر أنهما كانا يكبران بمنى تلك الأيام خلف الصلاة، وفي المجلس، وعلى الفراش والفسطاط، وفي الطريق، ويكبر الناس بتكبيرهما ويتأولان هذه الآية، والتكبير أدبار الصلاة مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء\"(24).
3- التكبير وذكر الله عند رمي الجمرات لكل يوم من أيام التشريق، عن عائشة - رضي الله عنها -قالت: \"سمعت رسول الله {يقول: إنما جُعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله\"(25).
4- والآية تدل على أن الإقامة في منى في الأيام المعدودات واجبة، فليس للحاج أن يبيت في تلك الليالي إلا في منى، ومن لم يبت في منى فقد أخل بواجب فعليه هدي، ولا يرخص في المبيت في غير منى إلا لأهل الأعمال التي تقتضي المغيب عن منى فقد رَخَّصَ النبي {للعباس المبيت بمكة لأجل أنه على سقاية زمزم، ورخص لرعاء الإبل من أجل حاجتهم إلي رعي الإبل في المراعي البعيدة عن منى، وذلك كله بعد أن يرموا جمرة العقبة يوم النحر، ويرجعوا من الغد فيرمون، ورخص للرعاء الرمي بليل، ورخص الله في هذه الآية لمن تعجل إلى وطنه أن يترك الإقامة بمنى اليومين الأخيرين من الأيام المعدودات\"(26).
ثانياً: المراد بالأيام المعلومات(27):
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: هي أيام عشر ذي الحجة الأُول.
وبه قال الجمهور من أهل العلم، وهو قول أبي حنيفة، والشافعية، والحنابلة، ورواية عن صَاحِبَي أبي حنيفة، ومروي عن أبي موسى الأشعري ومجاهد، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النخعي، وبه قال أكثر المفسرين، كما قال البيضاوي والخازن، والنسفي، وغيرهِم، وهو قول ابن عباس، وقد نُسب إلى أبي حنيفة خلاف هذا، والصواب الذي حققه الجصاص أن هذا هو قوله رواية واحدة عنه(28).
القول الثاني: أن المراد بها أيام النحر.
وبه قال: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، صاحبا أبي حنيفة والمالكية، وعلي بن أبي طالب}(29).
قال القرطبي: \"قال الكِيَا الطبري: فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا فرق بين المعلومات والمعدوداتº لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق بلا خلاف، ولا يشك أحد أن المعدودات لا تتناول أيام العشر، لأن الله - تعالى - يقول: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث.
وقال ابن عاشور: وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، لا فرق بين الأيام المعلومات، والأيام المعدودات، وهي يوم النحر، ويومان بعده، فليس اليوم الرابع عندهما معلوماً ولا معدوداً(30).
الأدلة:
أولاً: أدلة الجمهور (على أن المراد بها أيام العشر).
1- ما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: \"الأيام المعلومات أيام منى، والمعدودات أيام التشريق\"(31).
فابن عباس ترجمان القرآن، وحبر الأمة، وفسر المعلومات بأنها العشر، فقف عند قوله.
2- إن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات، فلما خُولف بين المعدودات والمعلومات في الاسم، دل على اختلافها، وعلى ما يقوله المخالفون يتداخلان في بعض الأيام.
3- قالوا: أما الآية، وحَيثُ ذُكرَ فيها الذبح، فيجابُ:
أ- وجود الذبح في الأيام المعلومات، لا يَلزم من سياق الآية، بل يكفي وجوده في آخرها، وهو يوم النحر. ونظيره قوله - تعالى -: وجعل القمر فيهن نورا 16 {نوح: 16}. وليس هو نور في جميعها بل في بعضها(32).
ب - إن المراد بالذكر في الآية الذكر على الهدايا، ونحن نستحب لمن رأى هدياً، أو شيئاً من بهيمة الأنعام في العشر أن يكبر(33).
4- قالوا: لا دَلالة في الآية على أن المراد أيام النحر، لاحتماله أن يريد: لما رزقهم من بهيمة الأنعام، كقوله: ولتكبروا الله على\" ما هداكم 37 {الحج: 37}، ويحتمل أن يريد بها أيام العشرº لأن فيها يوم النحر، وفيه الذبح ويكون بتكرار السنين عليه أياماً(34).
هذا جُملة ما يمكن أن يُستدلَّ به لأهل هذا القول.
ثانياً: أدلة أصحاب القول الثاني:
قالوا: إن سياق الآية يدل دلالة صريحة على أن المراد: أيام النحر، حيث قال - تعالى -: على\" ما رزقهم من بهيمة الأنعام 28 وذِكرُ الله فيها بالتسمية عند ذبح هذه الأنعام، فتعين أنها أيام النحر، ولو قلنا: إنها أيام العشر، للزم من أن تكون وقتاً مشروعاً للنحر، ولا يصح، فتعين ما قلنا.
الترجيح:
وقد اختار الشنقيطي القول الثاني، وضعَّفَ قول الجمهور، إذ قال: \"الذي يظهر لي - والله - تعالى - أعلم - أن مذهب الشافعية في الأيام المعلومات خلاف الصواب، وإن قال به من قال من أَجِلَّة العلماء، وأن الأجوبة التي أجابوا بها عن الاعتراضات الواردة عليه، لا ينهض شيء منها، لما قدمنا من أن الله بين في كتابه أن الأيام المعلومات هي ظرف الذبح والنحر، فتفسيرها بأنها العشرة الأُوَل يلزمه جواز الذبح في جميعها وعدم جوازه بعد غروب شمس اليوم العاشر، وهذا كله باطل كما ترى\"(35).
ثم شرع ينقض ما قاله أهل القول الأول عن آية الحج في دليلهم الثالث، قال: \"وزعم المزني - - رحمه الله - أن الآية كقوله - تعالى -: وجعل القمر فيهن نورا 16 {نوح: 16} ظاهر السقوطº لأن كون القمر كوكباً واحداً والسموات سبعاً طباقاً قرينة دالة على أنه في واحدة منها، دون الست الأخرى.
وأما قوله - تعالى -: ويذكروا \\سم الله في أيام معلومات على\" ما رزقهم من بهيمة الأنعام 28 فظاهره المتبادر منه أن جميع الأيام المعلومات ظرف لذكر الله على الذبائح، وليس هنا قرينة تخصصه ببعضها دون بعض، فلا يجوز التخصيص ببعضها إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وليس موجوداً هنا، وتفسيركم ذكر الله عليها بأن معناه: أن من رأى هدياً، أو شيئاً من بهيمة الأنعام في العشر استحب له أن يكبر، وأن ذلك التكبير هو ذكر الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ظاهر السقوط كما ترىº لأنه مخالف لتفسير عامة المفسرين للآية الكريمة، والتحقيق في تفسيرها ما هو مشهور عند عامة أهل التفسير، وهو ذكر اسم الله عليها عند التذكية.
وتداخل الأيام لا يمنع من مغايرتها، لأن الأعمّين من وجهٍ, متغايران إجماعاً مع تداخلهما في بعض الصور\".
وقال: \"ومما يبطل القول بأن الأيام المعلومات هي العشر المذكوره، أن كونها العشر المذكورة يستلزم عدم جواز الذبح بعد غروب شمس اليوم العاشر، وهو خلاف الواقع، لجواز الذبح في الحادي عشر، والثاني عشر، بل والثالث عشر، عند الشافعية\"(36).
وقال البغوي: \"والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، آخرهن يوم النحر، هذا قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عباس (المعلومات) يوم النحر ويومان بعده، و(المعدودات) أيام التشريق. وعن علي قال: المعلومات يوم النحر، وثلاثة أيام بعده. وقال عطاء عن ابن عباس: المعلومات يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، وقال محمد بن كعب: هما شيء واحد، وهي أيام التشريق\"(37).
وقال في موضع آخر: \"ويذكروا اسم الله في أيام معلومات\" يعني: عشر ذي الحجة في قوله أكثر المفسرين\"(38).
قال الزجاج: \"والذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر، لقوله - تعالى -: على\" ما رزقهم من بهيمة الأنعام. قال القاضي أبو يعلى: \"ويحتمل أن يكون الذكر المذكور ها هنا هو: الذكر على الهدايا الواجبة، كالدم الواجب لأجل التمتع والقِران، ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق، لأن الآية عامة في ذلك\"(39).
وأيام منى هي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله {: \"أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله\"(40).
قال البغوي: \"اتفق أهل العلم على أن صيام أيام التشريق، لا يجوز لغير المتمتع، واختلفوا في المتمتع إذا لم يجد الهدي، ولم يصم ثلاثة أيام في الحج، فذهب قوم إلى أنه يجوز له أن يصوم أيام التشريق أيضاً، وهو قول علي، وإليه ذهب الحسن، وعطاء، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وذهب قوم إلى أنه يجوز له أن يصوم الثلاث في أيام التشريق، يروى ذلك عن عائشة، وابن عمر، وعروة بن الزبير، وهو قول مالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق\"(41).
المراد باليومين والثلاثة:
في قوله - تعالى -: واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن \\تقى\" واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون 203 {البقرة: 203}.
وسبق وأن قلنا: إن المراد بهذه الأيام هي أيام التشريق الثلاثة وهذا بالإجماع.
ولهذا فمن تعجل في يومين، المقصود بها اليومين الأولين من أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر.
وفي قوله - تعالى -: ومن تأخر أي: وبقي لليوم الثالث، وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهو ثالث أيام التشريق.
قال الطبري: \"فمن تعجل في يومين من أيام منى الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه لحط الله ذنوبه إن كان قد اتقى في حجه...، ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من عند النفر الأول فلا إثم عليه لتكفير الله له ما سلف من آثام وإجرام\"(42).
وقال الخازن: \"أي فمن تعجل النفر الأول، وهو في الثاني من أيام التشريق فلا إثم عليه، أي: فلا حرج عليه، وذلك أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق ليرمي كل يوم... فلا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله، ومن تأخر فلا إثم عليه، يعني: ومن تأخر إلى النفر الثاني، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه في تأخره\"(43).
وقال ابن الجوزي: \"فمن تعجل النفر الأول في اليوم الثاني من أيام منى، فلا إثم عليه، ومن تأخر إلى النفر الثاني وهو اليوم الثالث من أيام منى فلا إثم عليه\"(44).
وقال أبو حيان: \"ومعنى في يومين: من الأيام المعدودات، وقالوا: المراد أن ينفر في اليوم الثاني من أيام التشريق\"(45).
وقد مر معنا حديث عبدالرحمن بن يعمر أن رسول الله {قال: \"أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه\" رواه أبو داود وابن ماجه، وقد سبق تخريجه.
فبين {المراد باليومين والثلاثة أنها أيام منى، وهي أيام التشريق المعدودات.
قال ابن عاشور: \"وقوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه تفريعٌ لفظي للإذن بالرخصة في ترك حضور بعض أيام منى لمن أعجله الرجوع إلى وطنه، وجيء بالفاء لتعقيب ذكر الرخصة بعد ذكر العزيمة رحمة منه - تعالى - بعباده. وفِعلا (تعجل) و (تأخر) مشعران بتعجل وتأخر في الإقامة بالمكان الذي يشعر به اسم الأيام المعدودات، فالمراد من التعجل عدم اللبث وهو النفر عن منى، ومن التأخر اللبث في منى إلى يوم نفر جميع الحجيج\" (46) والله أعلم.
_________________
الهوامش:
1- عمدة القارئ (289/6).
2- أحكام القرآن (198/1).
3- سميت معدودات لقلتهن كقوله: دراهم معدودة وقيل: سميت معدودات لأنها إذا زيد عليها شيء عُد ذلك حصراً، أي: في حكم حصر العدد. قال ابن منظور: معدودات أدل على القلة، لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء، نحو: دريهمات، وحمامات..\" لسان العرب مادة (عدد) تفسير البغوي (233/1-234) فتح الباري (531/2).
4- الجامع لأحكام القرآن (1/3).
5- البحر المحيط (109/2-110).
6- جامع البيان (176/2-177).
7- أحكام القرآن (315/1).
8- أحكام القرآن (120/1).
9- المجموع شرح المهذب.
10- البحر المحيط (109/2)، أحكام القرآن للجصاص (315/1)، والجامع لأحكام القرآن (2/3)، زاد المسير (186/1)، أحكام القرآن للهراسي (120/1).
11- المراجع السابقة.
12- أحكام القرآن (315/1).
13- بل قال به سعيد بن جبير، والنخعي وغيرهما (زاد المسير 218/5).
14- أحكام القرآن (315/1).
15- جامع البيان (176/2).
16- أحكام القرآن (315/1).
17- البحر المحيط (109/2).
18- الجامع لأحكام القرآن (2/1).
19- ينظر: الجامع لأحكام القرآن (2/1) في بعض النسخ (يوم الفر).
20- أخرجه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة (451/1-452)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب من أتى عرفة (1003/2)، وأحمد في المسند (309/4) وغيرهم. وإسناده صحيح.
21- الجامع لأحكام القرآن (3/1).
22- وضح البرهان في مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري (198/1).
23- تفسير ابن كثير (561/1-562).
24- تفسير البغوي (234/1).
25- أخرجه أبو داود (1888) والترمذي (902) بإسناد حسن.
26- التحرير والتنوير (247/2).
27- أي: مخصوصات. وقيل معلومات: للحرص على علمها بحسابها، من أجل وقت الحج في آخرها. (تفسير البغوي 379/7)، زاد المسير (425/5).
قلت: وقد ذكر ابن الجوزي ستة أقوال في هذه المسألة، قال: أحدها: أنها أيام العشر. والثاني: تسعة أيام من العشر. والثالث: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. والرابع: أنها أيام التشريق.
والخامس: أنها خمسة أيام، أولها يوم التروية. والسادس: ثلاثة أيام أولها يوم عرفة (انتهى بتصرف زاد المسير 425/5 وقد ذكر أمام كل قول من قال به).
28- تفسير البيضاوي، ومعه تفسير الخازن، وتفسير النسفي، وتفسير ابن عباس (302/1)، أضواء البيان (497/5)، وأحكام القرآن للجصاص.
29- المراجع السابقة. وروح المعاني للألوسي (189/17).
30- التحرير والتنوير (246/2).
31- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (228/5)، وفي كتاب شعب الإيمان، باب في الصيام تخصيص يوم عرفة بالذكر (358/3)، وفي كتاب فضائل الأوقات ص:(413) بإسنادٍ, صحيح.
32- أضواء البيان (500/5).
33- المغني (289/3)، أضواء البيان (500/5).
34- أحكام القرآن للجصاص (315/1)، وأحكام القرآن للهراسي (120/1).
35- أضواء البيان (500/5).
36- أضواء البيان (59/5).
37- تفسير البغوي (233/1-234).
38- المصدر السابق نفسه (379/7).
39- زاد المسير (425/5).
40- مسلم (1141).
41- شرح السنة (352/6).
42- جامع البيان (2-176).
43- تفسير الخازن (131/1).
44- زاد المسير (186/1).
45- البحر المحيط (109/2).
46- التحرير والتنوير (2-247).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد