روى مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: لما نزلت هذه الآية: { يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ … } إلى آخر الآية جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال: (( يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى؟ )) قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( بل هو من أهل الجنة )).
وحدثنا إبراهيم بن عبد الأعلى الأسدي، حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن ثابت، عن أنس قال: (( لما نزلت هذه الآية … )) واقتص الحديث ولم يذكر سعد بن معاذ وزاد: (( فَكُنَّا نَرَاهُ يَمشِي بَينَ أَظهُرِنَا رَجُلٌ مِن أَهلِ الجَنَّةِ )).
فوائد وعبر:
1 - النداء الكريم الجميل نداء الكرامة عند التوجيه وهو الرب الخالق المنعم، وهذا أدب للعباد في مراعاة الخطاب الجميل فيما بينهم.
2 - تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنه تعظيم العلماء والكبار: (( رحم الله شيبة شابت في الإسلام )).
3 - تأديب ربنا - جل وعلا - للأمة في كل سلوكياتها، وفي هذا بيان كمال الدين.
4 - أهمية اليقظة وعدم الغفلة، بحيث يعي المسلم ما يقول حتى لا يحبط عمله وهو لا يشعر.
5 - تدبر الصحابة للقرآن ووعيهم له.
6 - وضع النفس في قفص الاتهام، مع أن عمله الذي يقتضي - في ظنه - ما نهي عنه من رفع الصوت بالخطابة كان بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
7 - الخوف على النفس من عذاب الله، مع السعي في تحريرها، حيث حبس نفسه في المنزل ولم يخرج حتى جاء الفكاك والتحرير للنفس من عذاب الله المتوقع حين بشره معاذ ببشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
8 - تفقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لجلسائه وأصحابه.
9 - أن الرجال يعرفون بالمساجد ويتفقدون فيها، ولذلك فقد ثابت.
10 - مشروعية التكنية.
11 - أقرب الناس إلى الرجل جاره، وهو الذي يسأل عنه. فينبغي عدم نشر القضية بين الناس، والمطلوب حصرها في المعنيين قطعا للقالة.
12 - حسن الظن بالمسلم: (( ما بال ثابت، أشتكى؟ ))، وهذا أصل في طلب العذر للمسلم.
13 - تفقد الجار لجاره، واطلاعه على جميع أحواله، ومعرفته بصحته من مرضه: (( هو جاري وما علمت عليه من شكوى )).
14 - سؤال الجار إلى جاره عن سبب تخلفه عن المسجد.
15 - إفضاء الجار لجاره بكل ما لديه.
16 - البعد عن الفتوى، والرجوع بها إلى أهل العلم، فمعاذ لم يقل لثابت: لم تنزل فيك هذه الآية، وإنما أنت خطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمره لك، والخطبة تحتاج إلى رفع الصوت.
17 - مشروعية بشارة المسلم.
18 - بعد الصحابة عن الإعجاب بأنفسهم.
19 - دوام العمل والمجاهدة مع أنه من أهل الجنة، فما زال ثابت يجاهد حتى قتل شهيداً في اليمامة.
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد